تهديد المصالح الأميركية في العراق..

إيران تواصل جهودها لتنصيب حكومة عراقية موالية لها دون الانقطاع

لا لمعركة تحدد الميليشيات زمانها ومكانها

طهران

تخوض كلّ من إيران والولايات المتحدة الطرفين الرئيسيّين في التنافس على النفوذ في العراق، ما يشبه السباق لخلق أوضاع ملائمة لكلّ منهما في البلد الضعيف والمفتوح بشدّة على مختلف أنواع التأثيرات الخارجية.

وبينما سرّعت واشنطن من عملية إعادة ترتيب أوضاع قواتها الموجودة داخل الأراضي العراقية ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتّحدة ضد تنظيم داعش، وفتحت الباب لإجراء حوار استراتيجي مع بغداد لإعادة تنظيم العلاقات بين الطرفين في المستقبل، واصلت إيران جهودها لتنصيب حكومة عراقية جديدة موالية لها، دون أن تنقطع عن استفزاز إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر الإيعاز للفصائل الشيعية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني بتهديد المصالح الأميركية في العراق وتوجيه ضربات محدودة لقواعد تضمّ جنودا أميركيين.

وتبدو إيران بصدد المراهنة على انشغال الإدارة الأميركية في مواجهة جائحة كورونا، وعلى الظرف الحساس للرئيس ترامب في فترة الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقرّرة لشهر نوفمبر القادم.

ويفضّل السياسيون الأميركيون عادة عدم المغامرة بسقوط جنود من الجيش الأميركي في الحروب نظرا لحساسية الموضوع وإمكانية تأثيره على رأي الناخب. ويمكن أن يفسّر هذا المعطى لجوء إدارة ترامب إلى تبريد جبهة أفغانستان بالدخول في مفاوضات سلام مع حركة طالبان التي كانت واشنطن تصنّفها إرهابية.

واختارت الولايات المتّحدة تجنّب الانجرار إلى معركة قبل أوانها في العراق ولجأت إلى إجلاء جنودها من أغلب القواعد التي كانوا يوجدون فيها جنبا إلى جنب القوات العراقية وقوات التحالف الدولي، وتجميعهم في قاعدتي عين الأسد بغرب العراق وحرير بشماله، حيث سيكونون في مأمن من ضربات الميليشيات نظرا إلى ما تتمتّع بها القاعدتان من تحصينات مُحكمة عزّزتها مؤخرا بطاريات صواريخ الباتريوت التي استقدمها الجيش الأميركي والتي تستخدم في التصدّي للصواريخ متوسطة وطويلة المدى.

وانسحبت بعثة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، الثلاثاء، من قاعدة أبوغريب غربي العاصمة العراقية بغداد، وسلّمت معدّاتها للجيش العراقي. والقاعدة هي سادس موقع عسكري تنسحب منه قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة وتسلمه للجيش العراقي خلال الأيام القليلة الماضية.

وتكرّرت خلال الأشهر الأخيرة هجمات صاروخية يشنّها في الأغلب مسلحون موالون لإيران على قواعد عسكرية تضم قوات التحالف الدولي وخاصة الأميركية. وتتّسع تهديدات الفصائل الشيعية لتشمل مختلف المصالح الأميركية. ولم تُلحق صواريخ كاتيوشا سقطت، الاثنين، بالقرب من موقع شركة خدمات النفط الأميركية هاليبرتون في البصرة جنوبي العراق أي أضرار، لكنّها تضمّنت رسائل بأنّ المستهدف ليس فقط الوجود العسكري الأميركي بالبلاد وإنّما سائر المصالح الأميركية هناك الاقتصادية وكذلك الدبلوماسية.

تفضّل الإدارة الأميركية حاليا التزام الهدوء في مقاربة الملف العراقي وعدم الانجرار إلى معركة سابقة لأوانها

والطرف المعني بتوجيه مثل تلك الرسائل هو إيران ما يجعل أصابع الاتّهام تتّجه بعد كل عملية استهداف مماثلة سواء لقواعد تضمّ جنودا أميركيين أو لمقرّات دبلوماسية أميركية، إلى الميليشيات الشيعية ذات العلاقات المالية والتنظيمية بطهران.

ويتّضح من طريقة استهداف الشركة الأميركية في البصرة وطبيعته أنّ هدفه التخويف وتمرير رسائل سياسية، أكثر من إلحاق أضرار مادية وإسقاط خسائر بشرية.

وتصاعد الصراع الأميركي الإيراني في العراق، وبلغ حافّة الصدام المباشر عندما أقدم الجيش الأميركي في يناير الماضي على قتل قائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبومهدي المهندس بغارة جوية قرب مطار بغداد، وردّت إيران باستهداف قاعدتين عسكريتين أميركيتين بغرب وشمال العراق بصواريخ طويلة المدى لم توقع خسائر بشرية في صفوف القوات الموجودة بالقاعدتين.

غير أنّ الأسلوب الأنسب لإيران لإقلاق راحة الوجود الأميركي في العراق، هو استخدام القوى المحلّية من أحزاب وميليشيات شيعية مسلّحة.

وقامت قوى سياسية ممثّلة في البرلمان العراقي باستصدار قرار نيابي بإخراج القوات الأميركية من العراق، بينما باشرت فصائل مسلّحة عمليات استفزاز لتلك القوات وبإصدار تهديدات لها.

ووقّعت ثماني من أكثر الميليشيات الشيعية تشدّدا وولاء لطهران وهي حركة عصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء وحركة الأوفياء وحركة جند الإمام وحركة النجباء وكتائب الإمام علي وسرايا عاشوراء وسرايا الخرساني، قبل أيام رسالة موحدة، إلى القوى السياسية العراقية، تضمنت الإعلان عن موقفها “الثابت والمبدئي الرافض لتمرير مرشح الاستخبارات الأميركية” لرئاسة الحكومة في إشارة لرئيس الوزراء المكلّف عدنان الزرفي المرفوض من الأحزاب والفصائل الشيعية لأنّه لا يحظى بثقة طهران.

كما حذّرت الفصائل الموقّعة على الرسالة ما سمّته “قوات الاحتلال الأميركي” من عدم الانسحاب من العراق.

وتحاول الإدارة الأميركية التزام الهدوء وضبط النفس في مقاربة الملف العراقي، وعرضت في هذا الإطار فتح حوار استراتيجي مع بغداد “لمناقشة الملفات المشتركة”. ورحّب المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية عادل عبدالمهدي في بيان بالمبادرة الأميركية، لكّنه سكت عن توضيح ما إذا كان الحوار المقترح يشمل موضوع مستقبل وجود القوات الأميركية على الأراضي العراقية.