"انشقاق عائلي وانهيار اقتصادي"..

تقرير: بشار الأسد يواجه أصعب التحديات منذ بداية الحرب

الرئيس السوري بشار الأسد

دمشق

يواجه الرئيس السوري، بشار الأسد، ما يعتبر أكثر التحديات قوة لسلطته منذ أن انتفض السوريون ضده لأول مرة قبل 9 سنوات، حيث بات يقف أمام انشقاق داخل عائلته، وانهيار الاقتصاد وتزايد التوترات مع حليفه الرئيسي روسيا.

ورغم حصر المعارضة المسلحة الآن في ركن صغير من سوريا وعدم تشكيلهم أي تهديد، وغياب أي منافس جاد لرئاسة الدولة التي حكمتها عائلة الأسد منذ أكثر من نصف قرن، إلا أنه ووفقا لصحيفة ”واشنطن بوست“ الأمريكية، بدأت الشقوق تظهر في الجبهة التي كانت موحدة ذات مرة، والمكونة من الموالين الذين وقفوا بجانب الرئيس السوري طوال معركته لسحق المعارضة، حيث أثار ظهور انتقاد نادر في وسائل الإعلام الروسية الانتباه إلى اعتماده على الحلفاء الأجانب، وخاصة إيران وروسيا، من أجل بقائه.

وربما يكون الأهم من ذلك، هو أن الاقتصاد المتدهور يدفع السوريين نحو الفقر على نطاق غير مسبوق في التاريخ الحديث، ولا روسيا ولا إيران في وضع يسمح لهما بضخ مليارات الدولارات التي تحتاجها سوريا لإعادة البناء والإعمار، لكن الأسد يواصل رفض الإصلاحات السياسية التي قد تفتح الأبواب أمام التمويل الغربي والخليجي.

وحتى مع بقاء ثلث البلاد خارج سيطرة الأسد، تبرز بوادر التمرد الجديد في محافظة درعا الجنوبية احتمال حدوث تمرد جديد في المناطق التي استعادت الحكومة السيطرة عليها.

وقالت لينا الخطيب من مركز ”تشاتام هاوس“ للأبحاث في لندن، إن الأسد قد يكون أكثر عرضة للخطر الآن من أي وقت في السنوات الـ 9 الماضية من الحرب.

وأضافت: ”لقد أصبح الأسد يعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني والروسي، وليس لديه موارد محلية لتوفير احتياجات ناخبيه، ليس لديه شرعية دولية، ولا القوة العسكرية التي كان يملكها قبل النزاع، وبات صندوق أدواته فارغا، مما تركه أضعف من أي وقت مضى“.

الانقسام العائلي المتعمق

يعتبر الخلاف العلني بين الأسد وابن خاله رامي مخلوف، مجرد أحد أعراض المشاكل المتزايدة، فقد لجأ مخلوف إلى فيسبوك للشكوى من محاولات الدولة مصادرة أصوله، مشيرا إلى أنه لم يعد بإمكانه التواصل مباشرة مع الرئيس.

وفي سلسلة من المنشورات التي تنطوي على تهديدات متزايدة، أوضح مخلوف أنه لن يسلم طواعية الـ 600 مليون دولار التي تقول الحكومة إنه مدين بها للضرائب والرسوم المتأخرة.

وألمح ابن خال الأسد إلى قدرته على إحداث دمار في الاقتصاد السوري من خلال سيطرته على شبكة من الشركات التي توظف الآلاف من السوريين وتضم شبكة ”سيريتل“ القوية للهواتف المحمولة، وهي أكبر شركة في البلاد.

وقال مخلوف في أحدث مقطع فيديو نُشر الأسبوع الماضي: ”لم أستسلم أثناء الحرب، هل تعتقدون أنني سأستسلم في ظل هذه الظروف؟ يبدو أنكم لا تعرفونني ”.

ويتزامن استهداف مخلوف مع جهود أوسع نطاقا لإجبار نخب الأعمال السورية القوية الجديدة التي استفادت من الحرب على تسليم الأموال لدعم الاقتصاد المتعثر.

كما يبدو أن الأسد يحاول استعادة بعض النفوذ الذي أصبح مشتتا بين رجال الأعمال الذين يشبهون أمراء الحرب، حيث يدير العديد منهم، بما في ذلك مخلوف، الميليشيات إلى جانب مؤسساتهم التجارية، وفقا للينا الخطيب.

إلا أنه باستهداف الملياردير مخلوف، يبدو أن الأسد أخذ صراعه على السلطة إلى قلب الأسرة الحاكمة، وقال أيمن عبدالنور، الصديق السابق والمقرب من الأسد الذي انشق في عام 2008: ”إنه أمر خطير للغاية، فالأمر مختلف عن الضغط على رجال الأعمال الآخرين، فهذا النزاع داخل الدائرة الداخلية“.

وشرح أن مخلوف لا يشكل أي تهديد لرئاسة الأسد، ولكنه من عائلة مهمة في الطائفة العلوية، (وهي أقلية دينية تنتمي إليها الأسرة الحاكمة)، كما توفر شركات مخلوف والجمعيات الخيرية والميليشيات سبل العيش لعشرات الآلاف من السوريين، مما منحه قاعدة دعم داخل المجتمع العلوي المستاء بشكل متزايد.

وقال أحد المعلقين على منشور لمخلوف، الأسبوع الماضي، رافضا محاولة الحكومة الأخيرة للاستيلاء على ممتلكاته: ”كلنا معك يا سيد رامي، أنت أبو الفقراء، وهم اللصوص الذين سرقوا الناس“.

وتعتبر جمعيات مخلوف الخيرية أحد المصادر الرئيسية لمساعدة الجنود الجرحى، وعدد كبير منهم من العلويين، كما تدعم عائلات الجنود الذين ماتوا وهم يقاتلون المتمردين، الأمر الذي ذكر مخلوف به السوريين بوضوح في مقاطع الفيديو.

وأضاف عبدالنور: ”لقد أصبح مخلوف شخصية مهمة، وهذا غير مسموح به في سوريا“.

وأشار داني مكي، وهو صحفي سوري ومحلل سياسي، إلى أن مخلوف قد تحدى الرئيس علانية، وهو أمر لا يحتمل التسامح عادة في سوريا.

وتابع مكي: ”ما نراه الآن ليس مجرد معارضة بل معارضة علنية للرئيس ولمؤسسة الرئاسة من قِبل رجل أعمال.

والسؤال الأكبر الآن هو ما الذي يحدث للاقتصاد على المدى الطويل؟ حيث يبدو أن الأسد في سباق مع الزمن للعثور على مخرج من هذا التحدي، فلا يقتصر الأمر على بقاء النظام، بل البلد بأكمله.

ألم اقتصادي واسع

وأضاف مكي أن هذا النزاع يذكر السوريين العاديين بأن الثروة السورية المتقلصة قد تركزت في أيدي دائرة أصغر من الناس، في نفس الوقت الذي أصبح فيه الكثير من السكان في حالة فقر.

وفقدت العملة السورية أكثر من نصف قيمتها في الشهر الماضي، وتراجعت بالمثل في الأشهر الـ 6 التي سبقت ذلك، وتضاعفت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز والسكر في الشهر الماضي، مما يعرض سوريا لخطر الوقوع في المجاعة، بحسب تقرير لبرنامج الغذاء العالمي، يوم الأربعاء.

وتم تسريع هبوط العملة السورية بسبب الانزلاق الجذري لليرة اللبنانية؛ لأن التجار السوريين يعتمدون على الوصول إلى البنوك في لبنان المجاورة لتمويل الواردات.

”قانون قيصر“

والمشكلة الأعمق هي تضرر الاقتصاد السوري بشدة في الحرب، والعقوبات الأمريكية والأوروبية، التي كانت تهدف إلى الضغط على الأسد من أجل تقديم تنازلات للمعارضة، كالاستثمار أو تمويل إعادة الإعمار اللازم لبدء النمو.

واعتبارا من حزيران/يونيو، ستدخل العقوبات الأمريكية الجديدة الصارمة حيز التنفيذ بموجب قانون يُعرف باسم ”قانون قيصر“ الذي يستهدف أي فرد أو كيان في العالم يقدم الدعم للنظام السوري.

وأعقبت تحديات مخلوف الجريئة وغير المعتادة، نشرا للمظالم من قِبل المؤيدين الموالين له على مواقع التواصل الاجتماعي.

وجاء أكثرها تأثيرا من جندي سابق يدعى بشير هارون، والذي أصيب بإعاقة أثناء قتاله ضد المعارضة ويستخدم صورة لنفسه وهو يتم استقباله كبطل مصاب من قِبل الأسد وزوجته، على ملفه الشخصي على فيسبوك، وفي منشور تم تداوله على نطاق واسع، انتقد الحكومة بقطع تمويل العلاج الطبيعي للمحاربين القدامى الجرحى.

وكتب: ”تعاملونا مثل خيول السباق، الذين يقتلون بالرصاص عندما يصابون لأنهم لم يعودوا مفيدين، وفي كل يوم تصدرون قرارات تكسرنا وتذلنا وتقتلنا“.

من جهته، قال نور الدين منى، وزير الزراعة السوري السابق، على صفحته على فيسبوك: ”إن النظرة المستقبلية في سوريا قاتمة ومخيفة، فالأحداث التي يصعب التنبؤ بها أو تفسيرها تلوح في الأفق، والشعب السوري مليء بالقلق والخوف والجوع والفقر“.

إلا أن الأسد نادرا ما يكون الهدف الصريح للغضب الذي يستهدف المسؤولين المزعومين الفاسدين الذين يحيطون به، وفسر بسام بارابندي، وهو دبلوماسي سوري سابق انشق عن السفارة السورية في واشنطن عام 2012: ”على الرغم من أن الحكومة بأكملها أضعفتها الحرب، إلا أن الأسد لا يزال الأقوى بين الضعفاء“.

راع محبط

أضاف الإحباط والإجهاد الروسي إلى الضغوط التي يواجهها الأسد، وانتقدت العديد من المقالات الأخيرة في وكالات الأنباء الروسية نظامه؛ مما أثار تكهنات بأن دعم روسيا لرئاسته قد يتضاءل.

وجاء النقد الأبرز من سفير روسي سابق لدى سوريا، والذي جادل بأن رفض الأسد تقديم تنازلات سياسية يتعارض مع مصالح روسيا، وتم نشر هذا التعليق أولا على الموقع الإلكتروني لنادي نقاش Valdai، ثم من قِبل مركز مجلس الشؤون الدولية، وباللغة الروسية بواسطة صحيفة Kommersant اليومية.

وكتب ألكسندر أكسينيونوك، السفير السابق: ”إذا حكمنا من خلال كل شيء نراه، نرى أن دمشق ليست مهتمة باتباع نهج بعيد النظر ومرن، فالنظام متردد أو غير قادر على تطوير نظام حكومي يمكن أن يخفف من الفساد والجريمة“.

وحذر أكسينيونوك من أن ”روسيا وصلت إلى حدود التسوية“ في عملية السلام التي ترعاها روسيا والتي تأمل موسكو أن تؤدي إلى إصلاحات سياسية.

بالمقابل، يقول محللون روس إنه لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن التعليقات تدل على أي تغيرات رئيسية في السياسة في موسكو، وقال فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية والذي يتخذ من موسكو مقرا له، إنه من خلال تدخلها المباشر في الصراع في عام 2015، حققت روسيا أهدافا حيوية في سياستها الخارجية، ولن تتخلى عن هذه المكاسب.

وشرح لوكيانوف: ”بالطبع الأسد يعتمد على الدعم الروسي، لكن روسيا تعتمد عليه سياسيا أيضا، فروسيا لا تستطيع أن تتخلى عنه دون أن تتعرض لضرر سياسي كبير“.

إلا أن نيكولاي سوركوف، الأستاذ في قسم الدراسات الشرقية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، قال إن موسكو تشعر بالإحباط من رفض النظام الموافقة على الإصلاحات السياسية.

وقال إن مثل هذه الإصلاحات، التي من شأنها أن تضعف سلطة الأسد المطلقة، ”تعتبر شرطا أساسيا للمصالحة الحقيقية والدائمة، حتى لو فازت الحكومة عسكريا، سيكون هناك خطر كبير من استئناف التمرد طالما لم يتم تلبية المظالم الرئيسية للسكان“.

وتقدم الاضطرابات في محافظة درعا الجنوبية، وهي أول محافظة سورية تتمرد ضد الحكومة في عام 2011، وواحدة من آخر المواقع التي يتم إخماد التمرد فيها، دليلا على الخطر، حيث تم إرسال القوات الحكومية إلى المحافظة لقمع حملة من عمليات الخطف والاغتيالات والكمائن التي أودت بحياة العشرات من القوات الحكومية في الأشهر الأخيرة.

وقال عبدو جباسيني، الباحث في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، إنه لم يتضح بعد من المسؤول عن أعمال العنف هذه بالضبط، ولكن يبدو أن هناك تمردا جديدا في طور التكوين.

وتمثل المعركة المتوقفة من أجل محافظة إدلب مثالا آخر على القيود المفروضة على الأسد. فبعد هجوم حكومي مدعوم من روسيا لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون في الإقليم، واجهت سوريا هجوما مضادا شرسا وغير متوقع من قِبل القوات التركية في آذار/مارس؛ مما دفع روسيا لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار أعطى أولوية أعلى للمصالح التركية من تصميم الأسد على هزيمة المتمردين.

وقال لوكيانوف، من الواضح أن الأسد لا يمكنه الاستيلاء على إدلب، دون الدعم الروسي، وقال مكي، كل هذه العوامل تشير إلى أن الأسد ليس مسيطرا على البلاد كما يود أن يظهر.

وختم قائلا: ”هذه الفترة هي الأكثر خطورة وتحديا منذ بداية الحرب، وما لم يتمكن من إيجاد حلول، فلن يحكم أبدا سوريا مستقرة“.