شاعر ومترجم من لبنان..

قراءات الطفولة وذاكرتها: المغامرون الخمسة

إسكندر حبش

إسكندر حبش

كلما كبر القارئ صار حجم كتابه أصغر، وسرعان ما تختفي منه الصور الملونة والكبيرة، ولن تكون هذه متاحة إلا في كتب الفن باهظة الثمن، لكن حياة الصور مستمرة في أدب الطفل إلى يومنا، كما تواصل حياة الكتب التي قرأناها صغاراً العيش في ذاكرتنا.

منذ أيام وضع أحد الكتّاب رابطاً على حسابه في فيسبوك لتحميل "قصص المكتبة الخضراء"، وبدا كأن الآخرين عثروا على قطعة من حياة سابقة؛ وأن لكل واحد قصة مفضلة من هذه السلسلة، ولا بد أن لكل واحد قصة ما عن كتاب تعثّر به في سنوات القراءة الأولى، أو أُهدي إليه، أو ربما لا يزال حاضراً في ذاكرته.

رغم ذلك تردد كثير ممن سألتهم "العربي الجديد" من كتّاب وفنانين في الإجابة عن سؤال: ما هو الكتاب الذي أثّر فيك طفلاً، وما زال حاضراً في ذاكرتك؟ بعض من سألنا لم يجب أصلاً، وبدا أن السؤال أصعب من ما توقعناه.


أنتمي إلى جيل، لم تكن لديه أقنية فضائية تطحن أحاسيسه وعقله، على مدار 24 ساعة؛ فالتلفزيون (في لبنان) يومها، لا يبدأ بثه إلا عند السادسة مساء ولا يستمر إلى أكثر من منتصف الليل. كان مسموحا لنا بمتابعة الرسوم المتحركة، وربما برنامج أو اثنين.

لم تكن لدينا ألعاب كومبيوتر، ولا مواقع إلكترونية أو مواقع تواصل اجتماعي. لذا كانت القراءة تشكل السبيل الوحيد – المتاح أمامنا – للتسلية. أصلا كان من المعيب علينا، وبرغم طفولتنا، ألا نمسك بكتاب أو مجلة مخصصة لمن هم في أعمارنا. كنّا نُجبر على القراءة. كان الأهل يشترون لنا بعض المجلات، وعلينا أن ندخر من "مصروفنا" (تلك القروش القليلة) لكي نتمكن من شراء كتاب. أضف إلى ذلك كلّه، كانت المدرسة تقدم لنا الكتب كهدايا، إن تفوقنا في الامتحانات الفصلية، وبالطبع في امتحانات آخر السنة.

نشأنا مع القراءة. لم تعد واجباً مفروضاً، بل أصبحت خياراً ذهبنا فيه إلى أقصاه. ما الذي بقي في ذاكرتي من قراءات الطفولة؟ أشياء كثيرة لا أستطيع تعدادها. ولكن بما أنه يتوجب اختيار أمر، سأقول بدون تردد "سلسلة المغامرين الخمسة". ما زلت أذكر "تختخ" و"محب" و"عاطف" و"نوسة" و"لوزة" (وبالطبع الكلب، زنجر، الذي طالما أنقذ هؤلاء المغامرين من ورطات صعبة). ما زلت أذكر، كيف كان تختخ، يجد حلا لكل المشكلات التي تعترض طريقهم، وبخاصة حين يأتي المفتش سامي طالبا منه المشورة. كنّا نعيش الرواية – المغامرة، ولا نقرأها فقط.

أضعت الكثير من أعداد تلك السلسلة، بعد هذا العمر... لكنني احتفظت بما تبقى لي منها، برغم تنقلاتي وتغيير مكان سكني في السنوات القليلة الماضية. وما فعلته منذ سنة، تقريبا، أنني حمّلت الأعداد الناقصة من أحد المواقع الإلكترونية، وأعدت طبعها ورقيا، وقمت بتجليدها فنيا مع زميلاتها الباقيات عندي، لتعود السلسلة بأكملها، لكي تحتل رفا في مكتبتي. أعتقد أنني في ذلك، رغبت في ترميم طفولة ضاعت بين الحروب التي عشناها في الواقع، وبين مكان قصي كان يقدم لنا حياة أخرى، أجمل.