حبر على ورق..

بعد تعثر المفاوضات مع صندوق النقد.. لبنان على أبواب الجحيم؟

متظاهرون في لبنان ضد الفساد السياسي والطائفي

بيروت

هل ينحدر لبنان إلى "الجحيم" إذا تعثر دعم صندوق النقد الدولي؟ فالمفاوضات بين ممثلي الصندوق والحكومة توقفت عملياً، فيما يبدو البلد المأزوم وكأنه يستجدي دعماً بالمجان دون أي نية للإصلاحات التي لم يعد التغاضي عنها خياراً.

ويتخبط لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، وخسر عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم، وتآكلت قدرتهم الشرائية، فيما ينضب احتياطي الدولار لاستيراد مواد حيوية مدعومة مثل القمح، والأدوية، والوقود.

وتخلّف لبنان في مارس(آذار) الماضي، وللمرة الأولى في تاريخه عن تسديد مستحقات سندات اليوروبوندز التي تفوق قيمتها 30 مليار دولار. ثم طلب مساعدة صندوق النقد.

ويقول مصدر لبناني مفاوض: "غادر صندوق النقد الجلسة عبر الإنترنت، وتوقفت المفاوضات".

ويوضح مصدر آخر مطلع على سير التفاوض "لم يلمس ممثلو الصندوق جدية من الوفد اللبناني، فلا أحد يريد الإصلاح. تصارع كل جهة لبنانية، من أجل مصلحتها، بينما تترك البلد يحترق".

وبدا التباين جلياً بين تقديرات الحكومة لخسائر الدولة والمصارف المالية، وتقديرات المصرف المركزي، وجمعية المصارف، علماً أن القسم الأكبر من ديون الدولة، للمصارف.

وقدّرت الحكومة الخسائر بـ241 ألف مليار ليرة، وتدخل البرلمان عبر لجنة تقصي حقائق قالت إن "الخسائر تتراوح بين 60 و91 ألف مليار ليرة". لكن صندوق النقد يعتبر أرقام الحكومة أقرب إلى الواقع.

إحراق لبنان

ويقول المصدر المطلع إن البرلمان يتصرف كما لو أنه "ممثل لمصالح القوى السياسية لا الشعب".

ويرى المفاوض اللبناني أن "اللوبي الذي يبدي استعداداً ليحترق البلد حتى لا يُكشف ما ارتكبه، قوي جداً ومؤثر".

ويشهد لبنان منذ عقود أزمات متلاحقة، وانقسامات طائفية، وسياسية عميقة حالت دون قيام دولة فعلية، وطغى منطق التسويات، وتقاسم الحصص على الإصلاح، وتُوجّه الى السياسيين اتهامات بتقاضي رشاوى، وعمولات على كل المشاريع العامة.

وفي أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، انتفض مئات آلاف اللبنانيين ضد الطبقة السياسية، واتهموها بالفساد والعجز.

وتراجع زخم التحركات مع تفشي فيروس كورونا.

ويعيش نصف اللبنانيين تقريباً اليوم تحت خط الفقر، ولامس معدل البطالة 35%.

وبات كثيرون عاجزون حتى عن ملء ثلاجاتهم. وانتحر أربعة لبنانيين في يومين خلال الأسبوع الماضي، بسبب ظروفهم الصعبة.

وتقايض أمهات على مواقع التواصل الاجتماعي ثيابهن، أو مقتنيات منازلهن، بحليب، وحفاضات، في مشهد لم يعتده لبنان في أقسى الظروف.

وفي الشهر الماضي، استقال مستشار وزارة المالية هنري شاوول، ومديرها العام آلان بيفاني العضوان في الوفد المفاوض، بسبب "غياب إرادة حقيقية للإصلاح"، حسب قولهما.

وتصر وزارة المالية على أن المفاوضات مع صندوق النقد مستمرة، وأن ما طلبه الصندوق هو توحيد الأرقام والإسراع بتنفيذ الإصلاحات.

ومن الإصلاحات المطلوبة تقليص النفقات العامة، وتحسين الإيرادات الضريبية، وضبط الحدود، وإصلاح المرافق العامة على رأسها قطاع الكهرباء، الذي كبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية بين 1975 و1990.

ومن المقرر أن يناقش الصندوق إصلاح قطاع الكهرباء مع الجانب اللبناني في جلسة تقنية هذا الأسبوع.

حبر على ورق

ورغم تعهد الحكومات المتعاقبة منذ انتهاء الحرب الأهلية بالإصلاح، بقي التعهد حبراً على ورق.

ويرى مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية ناصر ياسين أنه "لا توجد نية سياسية للإصلاح".

ويقول: "لا يفضل الزعماء إصلاحات جدية تحت ضغط صندوق النقد، أو الدول المانحة، أو ضغط الشارع، مقابل أن يبقى وضع البلد مترنحاً دون أن ينهار لمنع خسارتهم كل شيء".

ويعني تحقيق الاصلاحات، وفق ياسين، "تجريدهم من الكثير من أدوات عملهم، وسلطتهم واستحواذهم على الدولة، والاقتصاد، والمجتمع عبر شبكات تابعة لهم، وعبر تغذية المحسوبيات، والزبائنية".

ويقول المصدر المطلع على المفاوضات: "على الطبقة السياسية أن تفهم أن زمن التسوّل انتهى ولم تعد تنطلي على أحد الوعود الكاذبة بالإصلاح".

ويقول مصدر غربي مطلع على مضمون المحادثات، رفض كشف هويته، إن "جلسة التفاوض الأخيرة سارت بشكل سيء للغاية" وانتهت بطلب صندوق النقد من الوفد اللبناني "التوقف عن خداعنا".

ويروي أن وزير المالية غازي وزني، حاول احتواء التوتر بطلب الانتقال للبحث في نقطة أخرى، فأتاه الجواب "ليس هناك نقطة تالية"، ولم يُحدّد أي موعد بعد لاجتماع التفاوض المقبل.

ويطالب الصندوق الحكومة بتدابير سريعة بينها تحرير سعر الصرف، والتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وتقييد رؤوس الأموال بشكل رسمي، حسب المصادر.

ومنذ انطلاق المفاوضات، ارتفع سعر الصرف من 4 إلى 9 آلاف مقابل الدولار في السوق السوداء، فيما تفرض المصارف قيوداً مشددة على الودائع، وتمنع الزبائن من سحب دولاراتهم.

ماذا لو لم يحصل لبنان على دعم صندوق النقد؟

يجيب المصدر الغربي "لا أرى ما الذي يمكن أن يشكل بديلاً عن مساعدة الصندوق، فالبلد ينهار، والليرة كذلك، بينما المسؤولون في إنكار".

ويطمح لبنان إلى دعم خارجي بأكثر من 20 مليار دولار، بينها 11 مليار أقرها مؤتمر "سيدر" الذي انعقد بباريس في 2018، مشترطاً إصلاحات.

ويجزم المصدر الغربي أن أحداً من المانحين، لن يستثمر في لبنان في ظل عملة غير مستقرة، وبلا برنامج مع صندوق النقد.

ويقول: "توقيع صندوق النقد هو ما سيعيد تصحيح السمعة".

وفي موقف لافت، حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الأربعاء، من "خطر انهيار" لبنان.

وقال: "على السلطات اللبنانية أن تستعيد زمام الأمور، وأسمح لنفسي أن أقول لأصدقائنا اللبنانيين، نحن حقاً مستعدّون لمساعدتكم، لكن ساعدونا على مساعدتكم".

وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الأربعاء: "نحن داعمون للبنان طالما أنه يقوم بإصلاحات بشكل صحيح، ولا يشكل وكيلاً لإيران"، حاملاً على حزب الله المدعوم من طهران والذي يُشكل حالياً الجهة السياسية الأقوى، في لبنان.

ويقول المصدر اللبناني المطلع بانفعال: "مع دولار متفلت لا سقف يمنعه من بلوغ عتبة 25 أو 50 ألف ليرة وتضخم يومي، سيتجه لبنان من دون صندوق النقد الدولي، إلى الجحيم".