الأزمة اللبنانية..

فرنسا تدعو اللبنانيين إلى تشكيل الحكومة قبل أن يغرق المركب

الحريري قدم نفسه مرشحا لتشكيل الحكومة من بوابة اعادة تنشيط المبادرة الفرنسية لحل أزمة لبنان

بيروت

حمّل الرئيس اللبناني ميشال عون الأربعاء رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي يرجّح أن يكلّف غدا بتشكيل حكومة جديدة، من دون أن يسميه، مسؤولية معالجة الفساد وإطلاق ورشة الإصلاح، متهما القوى السياسية بالتسبّب بالأزمة التي آلت إليها البلاد.

ولم يعلن حزب الله موقفه من تسمية الحريري، لكن المحللين السياسيين يؤكدون أنه راض بتسميته، بدليل إعلان أبرز حلفائه، حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، تأييد الحريري لرئاسة الحكومة.

وقال الحزبان المسيحيان الرئيسيان، وهما التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، إنهما لن يرشحان الحريري لرئاسة الوزراء.

وتقول مصادر سياسية بارزة إنه لا يزال بوسع الحريري الحصول على أغلبية ضئيلة وسط أصوات نواب البرلمان الذي تمثل جماعة حزب الله الشيعية وحلفاؤها الأغلبية فيه.

وكان الحريري قد تولى رئاسة الحكومة السابقة بعد صفقة 'العهد' في 2016 والتي جاءت بعون للرئاسة بعد شغور المنصب لنحو عامين على اثر انتهاء ولاية سلفه اميل لحود.

ويجري عون غدا الخميس استشارات نيابية لتكليف رئيس حكومة جديد يرجح أن يكون الحريري، بعد أن أعلنت غالبية من النواب تأييدها لتسميته.

وبعد اعتذار أديب، منح ماكرون في 27 سبتمبر/أيلول مهلة جديدة للقوى السياسية من "أربعة إلى ستة أسابيع" لتشكيل حكومة، متهما الطبقة السياسية بـ"خيانة جماعية".

ويبدو واضحا أن عودة الحريري إلى ترؤس الحكومة يندرج ضمن المبادرة الفرنسية. وقد أعلن أخيرا أنه مرشّح لرئاسة الحكومة ضمن ثوابت المبادرة الفرنسية. وقال إنه يعتزم تشكيل حكومة اختصاصيين تضع خلال ستة أشهر الإصلاحات على سكة التنفيذ.

وتوجّه الرئيس اللبناني في كلمة نقلتها بعض محطات التلفزة من القصر الرئاسي إلى النواب بالقول "أملي أن تفكروا جيدا بآثار التكليف على التأليف وعلى مشاريع الإصلاح ومبادرات الإنقاذ الدوليّة، لأنّ الوضع المتردّي الحالي لا يمكن أن يستمرّ بعد اليوم أعباء متراكمة ومتصاعدة على كاهل المواطنين".

وأضاف "اليوم مطلوب مني أن أكلّف ثم أشارك في التأليف، عملا بأحكام الدستور، فهل سيلتزم من يقع عليه وزر التكليف والتأليف بمعالجة مكامن الفساد وإطلاق ورشة الإصلاح؟".

ويتعرض عون لحملة عنيفة من شريحة واسعة من اللبنانيين الذين يضعونه في مصاف كل السياسيين العاجزين والعاملين من أجل مصالحهم الخاصة، بينما يُتوقع أن تثير تسمية الحريري غضب المحتجين.

ويتبادل الزعماء السياسيون الذين يتولون السلطة منذ عقود الاتهامات بعرقلة التقدم بينما يواجه لبنان أسوأ أزماته منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى عام 1990.

والبلد بحاجة ماسة إلى الأموال، لكن المانحين الأجانب أوضحوا أنهم لن ينقذوا لبنان المثقل بالديون ماليا ما لم يتخذ خطوات لمعالجة الفساد وهدر الموارد.

وقال في كلمته "أين سائر مشاريع الإصلاح؟ أين الـ47 بندا التي عرضت على رؤساء الكتل والأحزاب جميعا في لقاء جامع في قصر بعبدا، فاعتمد جزء كبير منها ولكن لم ينفذ شيء؟"، "صمت أي مسؤول وعدم تعاونه بمعرض التدقيق الجنائي، إنما يدلان على أنه شريك في الهدر والفساد".

وتابع عون الحليف السياسي لحزب الله "سأبقى أتحمل مسؤولياتي"، مضيفا "هل سيلتزم من يقع عليه وزر التكليف والتأليف بمعالجة مكامن الفساد وإطلاق ورشة الاصلاح؟". ومطلوب منه اختيار المرشح الذي يحظى بأكبر قدر من الدعم.

واتهم قوى سياسية من دون أن يسميها بعرقلة مساعي الإصلاح، وآخرها التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. وقال "حين حملت مشروع التغيير والإصلاح في محاولة لإنقاذ الوطن، رفع المتضررون المتاريس بوجهي"، مضيفا "الإصلاح بقي مجرد شعار يكرره المسؤولون والسياسيون وهم يضمرون عكسه تماما".

وتفاقمت متاعب اللبنانيين بسبب تفشي كوفيد-19 وانفجار المرفأ الذي راح ضحيته قرابة 200 شخص في أغسطس/آب ودفع الحكومة للاستقالة.

وحصلت في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 تظاهرات شعبية غير مسبوقة في لبنان استمرت أشهرا ودفعت حكومة الحريري إلى الاستقالة بعد أسابيع. وحمّل اللبنانيون في "ثورتهم" المسؤولين السياسيين الذين يحكمون منذ عقود مسؤولية التدهور الاقتصادي والمعيشي بسبب تفشي الفساد والصفقات والإهمال واستغلال النفوذ.

في 15 يناير/كانون الثاني 2020، تسلمت حكومة من اختصاصيين برئاسة حسان دياب السلطة لمدة سبعة أشهر، لكنها لم تنجح في إطلاق أي إصلاح بسبب تحكم القوى السياسية بها.

حركة امل حليفة عون وحزب الله لا تمانع تكليف الحريري بتشكيل الحكومة

في أغسطس/اب، تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمساعدة في حل الأزمة وزار لبنان مرة أولى ثم مرة ثانية في الأول من سبتمبر/أيلول. وانتهت الزيارة الثانية بالإعلان عن مبادرة قال إن كل القوى السياسية وافقت عليها ونصت على تشكيل حكومة تتولى الإصلاح بموجب برنامج محدد، مقابل حصولها على مساعدة مالية من المجتمع الدولي، لكن القوى السياسية فشلت في ترجمة تعهداتها ولم ينجح الدبلوماسي مصطفى أديب الذي سمي لتشكيل الحكومة بتأليفها بسب الانقسامات السياسية.

ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان لبنان الأربعاء إلى الإسراع في تشكيل حكومة جديدة عشية استشارات نيابية سينبثق عنها تكليف شخصية بتشكيل فريق وزاري في بلد يشهد انهيارا اقتصاديا.

وحذّر لودريان أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الفرنسي من أنه "كلما تأخرنا، غرق المركب أكثر. إذا لم يقم لبنان بالإصلاحات المطلوبة، فإنّ البلد نفسه معرّض للانهيار".

وأضاف "لا يمكن أن يكون الشعب اللبناني ضحية إهمال وعدم كفاءة قادته"، معتبرا أن "النزعات القديمة والمحاصصة حسب الانتماءات وحسب الطوائف، عادت" فيما الوضع الحالي لا يسمح بذلك.