أول مسلسل عربي يتجاوز عتبة الأجزاء العشرة..

مسلسل "باب الحارة" يدخل مرحلة جديدة في مشواره الفني الطويل

شخصيات راسخة في ذاكرة المشاهدين

نضال قوشحة

رغم كل ما يوجّه لحركة إنتاج دراما البيئة الشامية في سوريا من نقد سلبا وإيجابا، فإنها لا تزال مطلوبة لدى شرائح كثيرة من الجمهور العربي، وهي محل اهتمام الجهات الإنتاجية والشاشات العربية. ومن أهم هذه الأعمال مسلسل “باب الحارة” الذي حقّق شهرة عربية كبيرة، وها هو يدخل مرحلة جديدة ليصبح أول إنجاز عربي درامي يتجاوز الأجزاء العشرة.

في نظرة بحثية مجردة لحركة الدراما العربية والسورية خصوصا، يحضر مسلسل “باب الحارة” الشهير كأول عمل درامي عربي يتجاوز عدد حلقاته الثلاثمئة في أجزائه العشرة، وهو بذلك يسجل رقما لم يسبق أن حقّقه عمل سوري أو عربي آخر.

ولا شك في أن مسيرة العمل كانت مليئة بالمنعطفات والمتغيرات المنطقية حينا وغير المنطقية أحيانا أخرى، ففيه تداخلات إنسانية مختلفة حملت الكثير من طبيعة العلاقات الفنية والإنسانية. فظهرت الخلافات التي وصلت إلى المحاكم، كما تغيّبت شخصيات وغيّبت أخرى وتداول على كتابته وإخراجه العديد من الأشخاص وشارك فيه نجوم كبار وفنانون جدد.

تناوله النقد إيجابا وسلبا، وتميّزت فيه أجزاء على أجزاء وشخصيات على أخرى. ولا شك أنه حقّق خلال فترات من وجوده متابعة قياسية على مستوى الحضور العربي وصار طقسا رمضانيا مؤكّدا على العديد من الشاشات العربية، خاصة في سهرات عروض رمضان الدرامية.

مشوار طويل

مسلسل “باب الحارة” ظهر للمرة الأولى عام 2006، وقام بتأليفه مروان قاووق وكمال مرة وأخرجه بسام الملا، ونتيجة للنجاح الجماهيري الهائل الذي حقّقه في ظهوره الأول أنتجت منه خمسة أجزاء متتالية لاحقا حتى العام 2010 عندما توقف إنتاجه، ليعود مجددا عام 2014 في الجزء السادس ويتابع الوجود سنويا حتى الجزء العاشر عام 2018، وقد تعاقب على كتابة وإخراج المسلسل العديد من الكتاب والمخرجين.

فالأول كتبه مروان قاووق وكمال مرة، والثاني والثالث مروان قاووق، بينما كتب الرابع والخامس كمال مرة، وكتب عثمان جحا وسليمان عبدالعزيز الجزء السادس والسابع، وكتب سليمان عبدالعزيز الجزء الثامن والتاسع، ليعود مروان قاووق كاتب الجزء الأول ليكتب الجزء العاشر والحادي عشر، ويعلن أنه حضّر الجزء الثاني عشر.

أما في الإخراج، فقد أنجز العمل العديد من المخرجين. فالأجزاء الخمسة الأولى كانت لبسام الملا، بينما قدّم الجزء السادس والسابع عزام فوق العادة بإشراف بسام الملا، وأخرج ناجي طعمة الجزء الثامن والتاسع، بينما أخرجه في العاشر محمد زهير رجب الذي يقدّم الآن الجزء الحادي عشر.

أما في التمثيل، فقد شارك فيه عبر أجزائه مئات الفنانين في سوريا بدءا من الصف الأول وحتى الفنانين الجدد، منهم: أسعد فضة، عباس النوري، منى واصف، بسام كوسا، صباح الجزائري، أيمن زيدان، سلمى المصري، جمال قبش، فايز قزق، ديمة قندلفت، ميسون أبوأسعد، نوار بلبل، تيسير إدريس، نجاح سفكوني، جلال شموط، وفاء موصلي، هدى شعراوي، قاسم ملحو، زهير رمضان، علي كريم، مصطفى الخاني وسامر المصري.

حاليا، يدخل مسلسل “باب الحارة” مرحلة جديدة في مشواره الفني الطويل والعاصف بالمتغيرات والأحداث. ففي قلب مدينة دمشق يصوّر الجزء الحادي عشر منه الذي كتبه مروان قاووق ويخرجه محمد زهير رجب. وفي هذا الجزء تحديات كبيرة كما يقول طاقمه، وهو الذي كان يفترض أن يصوّر في الموسم الماضي، لكن الحجر الصحي المتعلق بوباء كورونا أجل تصويره حينذاك.

وفي الجزء الحادي عشر ستعود شخصيات كانت بعيدة عن الأحداث، وستظهر شخصيات أخرى تفعّل الحالة الدرامية لخلق تقاطعات إنسانية جديدة لإضفاء المزيد من التشويق في الحكاية.

وهنا تظهر شخصية أبوسرور التي يؤدّيها رضوان عقيلي، وهو شقيق الإيدعشري الشخصية التي ظهرت في الجزء الأول وأدّاها بسام كوسا باقتدار فصارت شعبية، ثم انتهت بموت الشخصية في نهاية الجزء الأول، لكن أبوسرور شقيقه الشرير الذي لا يختلف عن أخيه إلّا بالمظهر الخارجي يأتي حاملا رغبة دفينة في الحصول على ما تركه شقيقه ويعيش صراعات عنيفة لتحقيق ذلك. وبالتوازي مع ظهور هذه الشخصية ستحضر العديد من الشخصيات الجديدة وسيشهد الجزء الجديد عودة ممثلين قدامى، مثل رنا الأبيض وزهير رمضان وسحر فوزي ورامز عطاالله.

ومسلسل “باب الحارة: حارة الصالحية” في جزئه الحادي عشر من إنتاج شركة قبنض وتأليف مروان قاووق وإخراج محمد زهير رجب وتمثيل كل من: رضوان عقيلي ونجاح سفكوني وسلمى المصري ونظلي الرواس وزهير رمضان وعلي كريم وسحر فوزي وعبير شمس الدين ورامز عطاالله وقاسم ملحو ومصطفى المصطفى ويحيى بيازي وتيسير إدريس وهدى شعراوي وميلاد يوسف ويامن الحجلي وتولين البكري ورنا الأبيض.

ظاهرة اجتماعية

“العرب” زارت موقع العمل والتقت مخرجه محمد زهير رجب لتسأله عن الجديد في مسلسل “باب الحارة”، يقول “حاولنا في هذا الجزء الاقتراب أكثر من نبض الناس في مرحلة أربعينات القرن العشرين، ففي هذه المرحلة، عاشت دمشق وسوريا عموما نهضة فكرية وثقافية كبيرة وحراكا حضاريا، تجلى في وجود حركة نشيطة في المجال الإبداعي، فكانت الكثير من الصحف والمجلات والمنتديات الأدبية والصالونات وكذلك ارتياد المسارح والسينما وسماع الموسيقى بألوانها، كان هناك انفتاح على الآخر بكل تلويناته، كان مجتمعا يضجّ بالحراك والحيوية”.

ويضيف “من هناك قرّرنا توثيق ذلك في مسلسلنا، لكي نصوّر للناس حقيقة ما كان يجري في دمشق حينها. إضافة إلى الحس الوطني الذي كان متوقدا، حيث كان الناس على تماس مباشر بآخر مستجدات وطنهم على المستوى السياسي”. والجزء الجديد من العمل سيشتغل على إبراز الكثير من الأحداث التي تعنى بالوطن والمرأة والثوار الذين سيحاول المخرج تقديمهم بصورة جديدة عميقة وواقعية.

وعلى المستوى الاجتماعي يقول رجب “ستعود شخصية أبوجودت رئيس المخفر الشهير زهير رمضان، وصراعه العنيف والغريب مع رئيس مخفر آخر مشابه له اسمه أبومشعل يلعب دوره قاسم ملحو في توليفة ثنائية أراهن على أنها ستحقّق صدى طيبا”.

ومن الأشياء اللافتة للنظر في مسلسل “باب الحارة” والخاصة به، أنه حقّق مكانة من الوجود لدى الجمهور العربي على مستوى الحضور الشعبي العام، ففي العديد من العواصم العربية وجدت بعض الفعاليات التجارية، خاصة المطاعم، التي سميت باسم “باب الحارة” وصارت علامة على وجود البيئة الدمشقية في تلك المدن.

وعن ذلك يقول المخرج “أعلم من خلال اتصالاتي اليومية مع زملاء في المهنة سواء كانوا كتابا أو مخرجين أو ممثلين أو مدراء قنوات تلفزيونية عربا، حجم المتابعة الكبيرة الذي يحظى بها المسلسل. ففي مصر يتابعونه بشغف، وكذلك في المغرب العربي والخليج، العمل صار سمة هامة عن وطن اسمه سوريا وشكلا فنيا مبهجا يحبه الناس ويطلبونه باستمرار”.

ويضيف “مسلسل باب الحارة تجاوز كونه مسلسلا يقدّم حكاية مشوّقة وأحداثا متتالية فحسب، وصار مرتبطا بحالة فنية محبّبة لدى الناس ومنسوبة إلى بلد محدد يحمل خصوصيته الاجتماعية. الكثير من الاتصالات تأتيني سائلة عن الجزء الجديد وهي تعبّر عن اهتمام كبير من قبل الناس لمتابعة المسلسل، وهذا ما يضعنا كفريق عمل أمام مسؤوليتنا في إنجاز جزء جديد منه يقدّم لهم ولنا هذا الطموح”.

المخرج سيشتغل على إبراز الكثير من الأحداث التي تعنى بالوطن والمرأة والثوار الذين سيحاول تقديمهم بصورة جديدة

ويعترف مخرج المسلسل في جزئه الجديد أن “باب الحارة” صار علامة فنية سورية مشهورة وحاضرة في وجدان المواطن العربي عموما، وهو فخور بالعمل فيه، مسترسلا “أنا أسميه مشروعا فنيا سوريا قدّم الكثير من الفن والحضارة عن سوريا للمشاهد العربي. رغم قناعتي التامة بأنه عمل غير كامل، فهو ككل عمل إنساني له وعليه، ولكننا نحاول دائما أن نقدّم فيه كل ما هو جديد ومفيد وحقيقي، وهذا ما يحبه الجمهور”.

وعن آفاق استمراره بعد أن وصل إلى الجزء الحادي عشر، يضيف محمد زهير رجب “كثيرا ما نُسأل في هذا، ودائما تكون الإجابة أن الأمر متعلق باستجابة الجمهور له وطلبه، فطالما كان الجمهور متابعا لهذا العمل سيكون موجودا. سمعت وقرأت العديد من الآراء التي كانت تنتقد العمل على البيئة الشامية وخاصة من بعض الجهات المنتجة أو حتى الفنانين والذين كان بعضهم يطلب أن تتوقّف عجلة الإنتاج في البيئة الشامية. لكن بمرور الوقت ورغبة الجمهور أثبتت أنها ما زالت قادرة على المضي قدما، لذلك وجدنا أن هذه الجهات الإنتاجية المنتقدة وبعض الفنانين ورغم انتقاداتهم لأعمال البيئة الشامية فإنهم عملوا فيها وأنتجوا لها”.

وهو لا ينكر أنّه يقدّم ما يحبه ويطلبه الناس، مؤكّدا أن صناع البيئة الشامية طوروا من أدائهم في السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي جعلها دراما مواكبة للعصر تحمل الجديد والمشوّق، و”النتيجة أنها ما زالت مطلوبة، والمثال ما نحن بصدده الآن، إذ نصوّر الجزء الحادي عشر من أحد أشهر مسلسلاتها على الإطلاق”.