قصة قصيرة..

بقايا التلاقي

الكاتب والصحافية ولاء عمران - ارشيف

ولاء عمران
كاتبة وصحافية لدى صحيفة الجمهورية المصرية ومجلة حريتي وصحيفة اليوم الثامن
رأيته فجأة واقفا أمامى ..تسمرت قدماي وكدت أفقد توازني حينما تلاقت أعيننا ..لم أكن أتخيل مطلقا أن أراه بعد كل هذه السنوات.إعترت جسدي قشعريرة حينما اقترب مني وأخذ يتأملني ..ومد يده ليصافحني ..شعرت ببرودة في يديه ..لم أميز هل هي برودة الشتاء أم أنها نابعة من داخله ..ظل يتحدث عن أشياء كثيرة ولم أكن خرجت من ذهول المفاجأة فلم أستوعب حديثه ..أقترح أن نجلس في مكان ما ..وافقت دون تفكير ..لا أعلم لماذا ؟ كان دائما غائبا عن عيني ..حاضرا في قلبي وفي فكري وفي خيالي ..ربما تكون هذه سذاجة ..لا أدري فكل ما أعرفه أنني لم ولن أحب غيره ..ذهبنا إلي مكاننا القديم الذي شهد أول لقاء جمعنا معا ..وكانت هذه رغبتي ..المكان هو المكان بكل تفاصيله ..ولكن هناك شيء تغير ..نفس الشجره التي كانت فروعها ممتدة إلي الخارج وكأنها كانت تأبي أن يجلس أحد في ظلها وكأنها كانت تنتقم منا من كثرة ما جرحناها بحروفنا وتواريخ ميلادنا .. كنت أضحك وأقول له ماذا لوكانت فروعها ممتدة هنا ناحيتنا لكي نستظل بها ونحتمي بها من لهيب الشمس ورزاز المطر ..رباه كم من الفصول مرت علينا هنا ..عشقت معه كل الفصول ..عشقت الصيف بجفائه ..والشتاء بسخائه ..عشقت كل لحظة كنت فيها معه وكرهت كل لحظة كان فيها بعيدا ..
ذات يوم كنا في فصل الخريف ..كان اخر لقاء بيننا ..لم نكن نرتب لذلك ولكنه كان الأخير ، أخبرني أنه سيسافر لكي يكمل حلمنا الجميل ..سافر وتبخر الحلم ،واختفى
مازلت أذكر البيت الجميل الذي بنيناه معا من الرمال علي شاطيء البحر ..كان رائعا .. كل ركن فيه جزء من حلمنا الكبير ..ولكننا لم نعمل للأمواج حسابا ، ودعته على أمل أن ألقاه ..وعدني أنني سأظل في عقله وفي خياله وفي قلبه ..عاهدني ألا يفارقني أبدا ..انتظرت كثيرا وطال انتظاري ..لم يرسل لي خطابا واحدا يطمئنني ، هل نسي الحب الكبير والحلم الجميل ؟إختلقت له الأعذار ولكني أدركت الأن أني كنت مخطئة
كنت أتردد علي هذا المكان كثيرا فأشعر فيه بأنفاسه تملأ المكان وأشم فيه رائحة دخان سيجارته وأتخيله معي هنا ..نخطط ونرسم مستقبلنا وأحلامناا..كنت أحسب كل شيء وأدرسه جيدا ..ومعه نسيت أن الشيء الوحيد الذي لايخضع للحسابات هو القدر ..
لا أعلم كم من الوقت مضى وأنا جالسه معه ولاأعلم هل قلت له هذا الكلام ام كان مجرد ذكريات تصورت أني قلتها ..ولكني تنبهت له وهو يحدثني .. نظرت إليه .. كانت نظرات عينيه باردة تماما مثل يديه ..مشاعر غريبة ومتضاربة انتابتني ..رفض ..وحنين ..لم يذكر لي مبررا واحدا لغيابه ..لم يذكر لي سبب ابتعاده عني .. كان يتحدث كأن شيئا لم يحدث
يملأ الرفض عقلي ويزيح الحنين ,,ألهذا الحد كنت باردا ..ألهذه الدرجة كنت لا تبالي
لمحت خاتم في إصبعه ..سألته عيناي ..ولكنه لم يعبأ بسؤالها ..وقتها شعرت بكرامتي التي أهدرتها طواال هذه السنوات وأنا في انتظاره ..نظرت إلي المكان وإلي الشجره وإلي السماء التي أظلمت فجأة وتلاحم رزاز المطر مع دموع عيناي وكأن السماء كانت تشاركني أحزاني وتبكي من أجلي ..كرهت رجوعه وتمنيت لولم يأت
ودعت المكان بغير رجعة ..فالذي تبقي بيننا لم يعد يكفي ،فالذكريات أقوي من الحاضر ..
والأمس أكثر نضارة من الغد .. ولامعني ولاقيمة لأن نشيع سويا حبا احتضر .. .. ..