دراسة خطة لحظر جماعات إسلامية..

تحليل: إلى أين تقود جهود أوروبا المكثفة لمراقبة منصات التطرف؟

لا فرق بين جماعات الإسلام السياسي واليمين المتطرف إلا في الأهداف

واشنطن

تدرس دول أوروبية حظر جماعات الإسلام السياسي على أراضيها بعد عقود من التغاضي على أنشطة تلك الجماعات التي كانت تتستر بالمظلومية وتعرضها للقمع في دول المنشأ.

الخطط الأوروبية التي تتصدرها فرنسا تأتي كاستفاقة أحيتها عمليات إرهابية أو إحباط مخططات إرهابية في الفترة الأخيرة، حيث التفتت حكومات في دول الاتحاد الأوروبي لجماعات إسلامية تنشط على أراضيها وانتبهت لخطر ماثل بعد أن وظفت دورا للعبادة وأنشطة خيرية في عمليات استقطاب وتجنيد وبث لخطابات الكراهية والتطرف.

واتضح لحكومات أوروبية أن لتلك الجماعات واستنادا لدلائل ووثائق، مآرب أخرى سياسية واجتماعية إلى درجة أن عدة دول بينها ألمانيا وفرنسا وأخيرا النمسا أكدت أن تلك الجماعات أسست شبكات سرية معقدة باتت تهدد النسيج المجتمعي والأمني من خلال خطب وأنشطة هدفها الاستقطاب وغسل الأدمغة ومن ثمة الانجرار طوعا أو تغريرا إلى التطرف الديني.

وبعد أن عرضت فرنسا مؤخرا مشروع قانون لمكافحة ما تسميه "الأصولية الإسلامية" بعد أن عدلت تسميته إلى "قانون حماية قيم الجمهورية" وهو مشروع مثير للجدل لجهة قابلية تأويل بنوده بما يتيح قمعا واسعا للحريات واستهدافا للمسلمين ومنح الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة، تناقش الحكومة النمساوية حاليا مسودات لسن قانون يحظر جماعات الإسلام السياسي على أراضيها.

ويبدو المشكل المطروح في فرنسا أو النمسا أو غيرهما من الدول الأوروبية هو العشوائية في التصنيف أو الاستهداف بحيث أن ثمة خلط كبير سارعت باريس لتوضيحه دون أن تنجح في إقناع منتقديها، وهو أن حملتها ومشروع قانونها لا يستهدفان المسلمين ولا الإسلام بل الجماعات التي تتستر بالدين لمآرب سياسية وبث الكراهية ونشر التطرف وهو أمر مفتوح على أكثر من تأويل طالما أنه ليس ثمة ضوابط ومحددات تفسيرية دقيقة.

والمفارقة أن هذه الحكومات ذاتها آوت واحتضنت جماعات تدرك أنها ليست سلمية وعرفت منذ تأسيسها بتبنيها العنف منهجا على غرار جماعة الإخوان المسلمين التي احتضنتها بريطانيا على سبيل الذكر ووفرت لها ملاذا آمنا لعقود تحت مسمى المظلومية من جهة ولتوظيفها في خدمة أجندات خارجية.

والمفارقة أيضا أن تلك الحكومات هي من رخص لتلك الجماعات ووفرت لها وأتاحت لها تكوين شبكات مالية معقدة مولت من خلالها نشاطاتها التي هي اليوم محور قلق أوروبي على المستويين الرسمي والشعبي.

ومشاريع القوانين أو المسودات القانونية المطروحة للنقاش في أكثر من دولة أوروبية هي عمليا انقلاب على ما سبق من نهج سياسي منح جماعات الإسلام السياسي هامشا واسعا للتحرك ولترسيخ وجودها في بعض المجتمعات الغربية.

ويأخذ هذا "الانقلاب" صفة المراجعة في التعامل مع تلك الجماعات لجهة التوقي من خطرها ولجهة محاصرة فروعها وشبكاتها الممتدة وبالتالي تقويض خطابها المتطرف الذي أنتج ذئابا منفردة أشدّ تطرفا قادها في النهاية إلى ارتكاب فعل إجرامي إرهابي هزّ فرنسا بداية بأكثر من عملية إرهابية دموية آخرها عملية ذبح ثلاثة أشخاص في نيس ثم عملية فيينا في النمسا التي ظلت في منأى عن الإرهاب لفترة طويلة.

وكان شاب نمساوي في العشرين من عمره مدان في السابق بمحاولة السفر للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قد نفذ في مطلع الشهر الماضي هجوما في فيينا حيث أطلق النار على مجموعة أشخاص فقتل أربعة وأصاب أكثر من 20 آخرين.

وقد بدأت الحكومة النمساوية في مناقشة أول مسودات لسن قانون يحظر جماعات الإسلام السياسي وهو أول تحرك عملي وإجرائي بعد هجوم فيينا.

ويأتي هذا التطور في توقيت متقارب مع عرض فرنسا مشروع مكافحة الأصولية الإسلامية. وكان الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون قد زار النمسا بعيد هجوم فيينا ضمن تحرك لتنسيق الجهود في مكافحة ما تسميه باريس بـ"الأصولية الإسلامية".

وفي أعقاب اجتماع لمجلس الوزراء، قالت الما تساديك وزيرة العدل النمساوية في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع إنه من المنتظر تنفيذ الحظر المعلن للإسلام السياسي بوصفه حظرا لجمعيات يمينية متطرفة ذات دوافع دينية حتى يظل القانون متوافقا مع الدستور ويحفظ الحقوق الأساسية.

وأكدت زوزانه راب وزيرة الثقافة مرارا أن القانون يستهدف بشكل واضح الإسلام السياسي الذي تم توصيفه بصورة شاملة في مواد القانون.

وكانت المحكمة الدستورية النمساوية قد ألغت قبل أيام قليلة حظرا لارتداء غطاء الرأس في المدارس الابتدائية ورأى قضاة المحكمة أن الحظر مُنصب على غطاء الرأس الإسلامي ويركز على دين واحد الأمر الذي يعد مخالفة لمبدأ المساواة.

ومن المنتظر أن تحظر الحزمة القانونية التي ستبقى قيد المراجعة لمدة ستة أسابيع، رموز العديد من المنظمات إلى جانب حركات إسلامية وكذلك رموز 'حركة الهوية' اليمينية المتطرفة.

وتشمل الحزمة القانونية أيضا المراقبة الإلكترونية وإعداد سجل للخطرين وحظر حيازة السلاح مدى الحياة لمرتكبي الجرائم الإرهابية وإعداد دليل للأئمة.

وتم تأجيل مشروع قانون ثان كان المستشار النمساوي زباستيان كورتس أعلن عنه وعُرِف باسم "غلق الطريق مدى الحياة" أمام المدانين في قضايا الإرهاب والذي ينص على تنفيذ نوع من الحجز الاحترازي للأشخاص الخطرين، ليتم النظر في مشروع القانون في العام المقبل.

وتأتي مسودات قانون حظر جماعات الإسلام السياسي في النمسا على أرجح التقديرات ضمن مشروع أوروبي أوسع سيشمل تلك الجماعات في عواصم أوروبية أخرى بدأت تعد عدّتها أمنيا وقانونيا بعد أن أعادت فتح ملفات الكثير من الجمعيات والهيئات التي تنشط على أراضيها تحت ستار الدين.

ومعظم تلك الجمعيات والجماعات معلومة للسلطات الأوروبية التي بدأت تناقش على عجل تعزيز المراقبة الالكترونية لمنتديات ومنصات تستخدمها جماعات يشتبه في تطرفها وأيضا تعزيز التنسيق بين الأجهزة المعنية (أمنيا واستخباراتيا بالأساس) وتشديد المراقبة داخليا وعلى الحدود بين الدول (الأوروبية).

ومع ذلك فإن ثغرات كثيرة لاتزال قائمة وتحتاج إلى معالجة جذرية ليس فقط في ما يتعلق بجماعات الإسلام السياسي بل الجماعات اليمينية المتطرفة التي تتبنى تقريبا نفس الأساليب.