البشرية تودعه غير آسفة..

تحليل: 2020.. عام الوباء وصفقة القرن واتفاقات التطبيع مع إسرائيل

اموات واصابات

سعيد عريقات

تودّع البشرية عام 2020 غير مأسوف عليه، ففي نظر العالم أجمع، ومنه العالم العربي الإسلامي، كان العام كابوساً ثقيلاً جثم بأهواله على صدر الإنسانية أجمع.

وتجسدت تراجيديّة المشهد مُنذ بدء العام، بالوباء الذي أفزع الكرة الأرضية برُمتها؛ وهو جائحة كورونا المستجد (Covid-19) ، الذي تسبب حتى اليوم بسقوط 1.780 مليون وفاة حول العالم، وأكثر من 81 مليون إصابة بين مريضٍ ومتعاف وأضعاف ذلك العدد من المنكوبين بسبب تداعيات هذا "الطاعون" على الاقتصادات العالمية.

هذا الوباء الخطير أصبح عنواناً لإغلاق البلدان والمدن، والأحياء والحواري، في محاولات شبه يائسة للحد من آثاره المُروعة؛ وحرم الأهل والأحبة والأصدقاء والجيران من ملامسة بعضهم البعض؛ وحرم الناس من المشاركة بالأفراح أو المآسي، وتركهم سجناء وراء قضبان "التباعد الاجتماعي". ولم يتصوَّر أحد بأن تغلق المجالات الجوية، أو تتوقَّف رحلات الطائرات، والقطارات، والحافلات، وحتى السيارات الخاصَّة التي قيدت حركتها وحريتها في التنقل؛ دول تحظر دخول مواطنين من بلدان أصدقائها وحلفائها فيما أصيبت مطارات العالم الشهيرة بشللٍ شبه تام جرَّاء الإغلاق.

اموات واصابات ...

هذا الكم المرعب من أموات وإصابات "كوفيد-19" يعني أن معظم البشر الذين يجوبون ألأرض يعرفون شخصا ً أو قريبا أو صديقا أو جارا تأثر واكتوى بهذا المرض بشكل مباشر، مما وضع الأنظمة الصحية والسياسية والإدارية للدول والحكومات في العالم أجمع على المحك وقيد الامتحان؛ أكانت غنية ومتقدمة، أم فقيرة ومتخلفة.

زوال ترامب ...

عام "كوفيد-19" ينتهي ويأخذ معه رئاسة دونالد ترامب لأكبر قوة في تاريخ البشرية، هذا الرئيس الذي وجد هدفا ملحا لاستخدام هذه القوة للتنكيل بالفلسطينيين، ومكافئة جلاديهم ومحتليهم ، وناكري إنسانيتهم. ترامب الذي أحاط نفسه بمستشارين من المستوطنين ، مثل صهره جاريد كوشنر، أو سفيره في إسرائيل، ديفيد فريدمان ، أو جيسون غرينبلات ، إلخ..، بدأ دورته كرئيس بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ليتفنن بعد ذلك بمعاقبتهم (الفلسطينيين) : تارة يقطع المساعدات عن "الاونروا" بصدد إنهائها اعتقادا منه بأن ذلك سيعني تصفية القضية الفلسطينية. وتارة أخرى يمنح أرضهم للمستوطنين، مصفقا ومشجعا لقتلهم على يد قناصة إسرائيل تحت ذريعة الدفاع عن النفس. ومن الواضح أن ترامب، لم يرفض أي فكرة أو مقترح من حاشية المستوطنين ، لمعاقبة الفلسطينيين.

ترامب، الرئيس الأميركي المنتهية ولايته بسبب هزيمته أمام الرئيس المنتخب جو بايدن، بدأ عامه الأخير كرئيس، بإطلاق "صفقة القرن" سيئة الذكر، يوم 28 كانون الثاني 2020 ، التي كان قد طبل وزمر ، وحشد المؤيدين لها عربا وغير عرب، وابتز الكثيرين من أجلها عبر ثلاث سنوات طويلة.

خطة تصفية القضية الفلسطينية ...

باختصار،"صفقة القرن" التي هي خطة أعدها رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو ، لتصفية القضية الفلسطينية وتلبية للمطالب الإسرائيلية، فلا حق للعودة، والقدس موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل - حتى الأقصى هناك إشارة لتقسيمه زمانياً والسماح لليهود للصلاة فيه، والأرض في الضفة الغربية ستكون تحت السيطرة الإسرائيلية لتصبح دويلة "الكنتونات" ، شريطة حسن سلوك الفلسطينيين.

خطة ترامب هذه ، ليست كلها محبة مبدئية (من قبل ترامب) في إسرائيل، مما يستوجب قراءتها في سياق السباق في الانتخابات الرئاسية، حيث سعى الرئيس لإرضاء خزانه الانتخابي من المسيحيين الإنجيليين الذين يمثلون نحو ربع سكان الولايات المتحدة (تتراوح أعدادهم بين 60 الـ 100 مليون، لا أحد يعرف) وهم مؤمنون مبدئيون بوجوب دعم إسرائيل لكون ذلك يعجّل بعودة المسيح.

تجسيد للامر الواقع ....

كما يمكن رؤية خطة ترامب "صفقة القرن"، كتجسيدً للأمر الواقع القائم على الأرض والذي فرضته إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر . سيطرة إسرائيل وتوسعها كان وفقا لإستراتيجية فرض الحقائق على الأرض، هذه الحقائق التي بدّلت التعامل مع الصراع وسبل حله ، من صراع على حق يجب أن يعود لأصحابه، لواقع مفروض على الأرض يجب التعامل معه ومراعاته. لذلك غيّبت القضايا المركزية في الصراع حتى في المنظور الأميركي التقليدي، والتي سميت منذ اتفاقات أوسلو بقضايا الحل النهائي، مثل القدس واللاجئين، المستوطنات، والدولة ، إلى قضايا أخرى اقتصادية ومعيشية، ووهم دولة هلامية مقطعة الأوصال تجمع بينها الجسور والطرقات والأنفاق .

ترهل عربي ...

كل هذا يترافق مع وضع عربي مترهل وحالة من الوهن السياسي تُصيب الجسد العربي والفلسطيني تجعل الفرصة مواتية لطرح هذه الخطة. حيث أن الانقسامات العربية والحالة السياسية في العالم العربي من سوريا إلى اليمن فليبيا ومصر وغيرها، حالة سيئة جعلت بعض الأنظمة تشارك في خطة ترامب بل وتمولها. كما أن استخدام ترامب لورقة إيران لجعل بعض العرب يشعرون بضرورة الارتباط الأمني، بالولايات المتحدة وإسرائيل بشكل كبير، خوفاً من الخطر الإيراني المختلق الذي لعبت على وتره الولايات المتحدة وإسرائيل، ولموضعة هذه الاخيرة في المنطقة بحيث تصبح قوة أمنية واستخباراتية وسياسية واقتصادية تدخل في تحالف مع ما يسمى دول "الاعتدال السني" في مواجهة إيران، ووضعها في قلب المنطقة والتطبيع مع الدول العربية، على حساب القضية الفلسطينية.

ضغط ممنهج ....

ولذلك رأينا هذا الضغط الأميركي الممنهج والمحموم من هذا الرئيس ، الذي يعتبر أن أميركا هي سيدة الموقف، وبإمكانها ومن حقها أن تبتز الدول التي تعطيها الولايات المتحدة حماية وإجبارها على الهرولة نحو التطبيع في أشهره الأخيرة من السلطة. وعليه، أقامت أربع دول عربية في الأشهر الثلاثة الماضية علاقات مع دولة الاحتلال ألإسرائيلي، هي : الإمارات العربية، والبحرين والسودان والمغرب، وذلك إثر توقيع تلك الدول اتفاقيات سلام (دون أن يكون هناك حالة حرب) تفضي إلى تطبيع كامل، ترعاها الإدارة الأميركية.

وافتتحت الإمارات والبحرين هذه الاتفاقيات باتفاقية تطبيع ، وُقّعت في البيت الأبيض، في 15 من أيلول الماضي، بحضور الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، ووزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، ووزير خارجية البحرين، عبد اللطيف الزياني.

وفي 23 من تشرين الأول الماضي، أعلن ترامب عن تطبيع السودان علاقاتها مع إسرائيل، وجاء الإعلان عبر بيان ثلاثي أميركي- إسرائيلي- سوداني، بثه التلفزيون الرسمي السوداني.

ومن ثم أعلن الرئيس الأميركي، في 10 من كانون الأول الحالي، عن توقيع "اتفاقية سلام" بين المغرب العربي وإسرائيل، مدعيا بأن خمس دول عربية أخرى تنتظر توقيع اتفاقيات تطبيع مع الدولة العبرية، دون أن يذكر أسماء تلك الدول، وسط الحديث عن عمان والسعودية، رغم أن الرياض تمسكت رسميًا بـ"المبادرة العربية" لتحقيق السلام.

وتبع ذلك تصريح صهره ومستشاره، جاريد كوشنر، أن تطبيع السعودية علاقاتها مع إسرائيل "لا مفر منه".

التطبيع "طبعا" بثمنه، بحسب ترامب والمطبعين: الأمارات، مقاتلات إف-35 الأميركية؛ السودان، شطب اسمها من اللائحة الأميركية للإرهاب؛ والمغرب، اعتراف أميركي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، والبحرين .

فرض التسوية ...

إسرائيل تريد فرض تسوية على العرب تتجاوز إقامة علاقات بين الجانبين، أو حتى إقامة نوع من التعاون بين دول المنطقة.وهي تريد إلغاء جذريا وشاملا ومنهجيا ومخططا للقومية العربية، وللأمة العربية وتاريخها وثقافتها وقيمها الأخلاقية والدينية، وشخصيتها ، وتحويلها إلى كم من الأفراد في آلية اقتصادية اجتماعية ثقافية جديدة؛ إلى كمٍّ من البشر، وليس أُمة تمتلك موروثها الثقافي والحضاري، وتطمح لتنمية مجتمعاتها لتكون مجتمعات تنعم بالحرية والحضارة الإنسانية.

تكريس للحاضر ...

التطبيع في المفهوم الإسرائيلي لا يتجاوز كونه تكريس للحاضر، والانطلاق منه، وتجاهل الماضي، والتاريخ، والتراث، والحضارة، وهو ما يجب – في المفهوم الإسرائيلي- أن ينعكس على الوجدان العربي، كما في المناهج المدرسية الرسمية، التي ستكون ملزمة بإجراء التحويرات فيها، بما لا يتناقض مع الاتفاقات المعقودة، وعلى حساب الحق الفلسطيني.