من عام 1990-1994م بين الشمال والجنوب..

تحليل: قراءة موضوعية عن "الوحدة" ونتائجها الكارثية (الحلقة الثانية)

توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية بين الجنوب والشمال

عدن

نشر الكاتب العميد الركن/علي مثنى هادي قائد القوات الجوية والدفاع الجوي في جيش الجنوب سابقاً عن الوحدة اليمنية ونتائجها الكارثية على الجنوب.

 

وفيما يلي نص الحلقة (الثانية):

 

مقدمات وأسباب أزمة الوحدة:

 

من اللحظة الأولى وتحديداً من بعد إعلان قام الوحدة الاندماجية السياسية، بين دولتين بخصوصياتها الوطنية والديموغرافية، وشعبيهما المستقلين تماماً في الجنوب والشمال، وعلى حدٍ سواء عاشا في قصور وغموض نجم عنهما تساؤلات ومخاوف كثيرة وكبيرة جداً( داخل النظام والحزب والجيش) ناهيك عن رفض السلطة التشريعية، بكل توجهاتها القبلية والدينية والمدنية، وطيف شمالي واسع للطريقة التي تمت بها هذه الوحدة، وفي هذه الظروف الموضوعية والذاتية والمحلية والدولية الغير مؤهلة أبداً لقيام أي صيغة اتحادية سواء الاندماجية لمخاطرها وفشلها لاحقاً، أو الفدرالية بين دولتين مختلفتين تماماً، في توجهاتهما وأهدافهما السياسية والايدلوجية، والمذهبية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والهيكلية والقانونية والثقافية والتعليمية والسلوكية، وغيرها من الاختلافات الجوهرية العميقة حيث ثبت جلياً وبالملموس، هذه التركيبة للدولتين والشعبين مباشرة، عندما التقى الطرفان بنفسيتين وثقافتين مختلفتين وقناعتين مؤصلتين ايدلوجياً، وكلاهما مبنيتين على العداءات السياسية الايدلوجية، وشكّل النظامين السياسيين المتخاصمين أصلاً والمتصارعين دوماً على مدى سنين طويلة، ناهيك عن عداءات الحروب القديمة والحديثة، في الماضي البعيد والقريب، على حدٍ سواء، ولقد فاحت رائحة الثأر كثقافة عدائية مؤدلجة، ضد الجنوبيين ودولتهم وقيمهم، ولوحظت في النفوس وفي المعاملات من اللحظات الأولى لأيام الوحدة، ناهيك عن ثقافة وقناعة النظام السياسي في الشمال، بكل مكوناته وخاصة القبلية والدينية بمذاهبها المختلفة، بأن الشمال هو الأصل، والجنوب هو الفرع، ولابد أن يعود الفرع إلى الأصل.

 

وهنا حلت الكارثة، وبدا المسلسل يعرض السيناريوهات المختلفة متعدة المواضيع، بدءً من سيناريو تعميم أعراف وعادات الشمال القبلية، بمساوئها وسلوكياتها الاقطاعية الفوضوية كافة، والتي شكلت خطراً كبيراً على السلم الاجتماعي للعهد الجديد، حيث تم تعميم تجربة شئون القبائل لكل الجنوب وهذه كلها كانت من المقدمات الخطيرة امام تشكل الدولة الموحدة الجديدة، التي تم الاتفاق على بنائها وتشكيلها، بحيث تكون هذه الدولة هي الحاضنة الوحيدة لكل الكيانات القبلية وغيرها، من خلالها يتمكن العهد الجديد من بناء دولة النظام والقانون، الذي يحمي مصالح الجميع، بما فيهم تلك التكوينات القبلية والدينية والمذهبية المظلومة، أصلاً والظالمة لرعاياها البسطاء من عامة الناس لكن قوة العادة لدى شيوخ تلك القبائل والتكوينات الأخرى، العسكرية والدينية والاقطاعية والتجارية، قاومت هذا التوجه الجديد، وساهمة بقوة وإصرار على وأده.

 

 

 

 

هنا لابد من التوقف قليلاً عند هذه المعادلة الخطيرة، التي توحي بأن الدولة في الشمال، التي صاغتها ثورة سبتمبر ورسختها، قد انهارت تماماً وحلت محلها قوى أخرى، وهي القوى القبلية الاقطاعية الدينية المذهبية، المتحالفة مع النخب العسكرية التي ناصبت الثورة العداء على مدى سنين الثورة، حيث تمكنت هذه القوى من تشديد قبضتها والسيطرة على كل حلقات الدولة، حيث نشأ تحالف قبلي عسكري ديني مذهبي، وإسلام سياسي حتى يوم إعلان قيام الوحدة، وكما يبدو أن الرئيس صالح، قد خاض معركة صعبة وقاسية مع استخدامه المرونة بينه وبين تلك القوى؛ للإبقاء على ما يمكن الإبقاء عليه، من منجزات وأهداف ثورة سبتمبر، حيث أعاد الروح لبعض قيم سبتمبر، وكوّن تحالف مع اللبراليين النخبة والقوميين والاشتراكيين والسبتمبريين والرسمالية الوطنية، التي ساندت ثورة سبتمبر، وكانت جزءً منها، وخاصة في مناطق جنوب الشمال وغربها، تعز، إب، الحديدة، ذمار، البيضاء، ومناطق أخرى.. في الوقت نفسه، فتح قنوات اتصال مع النظام في الجنوب، حيث كانت هذه الاتصالات واللقاءات محورها الوحدة، لأنها هي القوة الفاعلة للضغط وإضعاف تلك القوى، والبدء في قص أجنحتها، وبناء التحالفات معها طوعاً وكرهاً، والتي تخدم توجهاته، وخاصة ما قبل الوحدة وما بعدها، وكان له ذلك لكننا سنلاحظ بطريقة قاطعة من أن الرئيس صالح من خلال أحاديثه ظل يتحين الفرصة دائماً للثأر من الجنوب بسبب نتائج حرب 1979م، وهذا ما ظهر جلياً بعد الوحدة والحرب.

 

 

 

 

حيث استمرت التداعيات والخلافات حول الوليد الجديد، وكلاً يريد أن يصيغ ويطبّق ما تم الاتفاق عليه، بدءً من مشروع الدستور وكل الاتفاقيات، حسب القناعات الايدلوجية للطرفين، حيث تمسك الجنوبيون بكل ما اتفق عليه وأهمها الدستور كأساس للدولة الجديدة، على الأقل في المرحلة الانتقالية بينما تمسك الشماليون بما اتفق عليه، ولكن بطريقتهم الخاصة، حيث أبدوا الاعتراضات على الدستور أولاً، وبدأوا بالخروج عن ميثاق الشرف للوحدة( وأنها تجب ما قبلها)، من خلال الحملات الدعائية الرسمية والشعبية، ضد الجنوبيين ودولتهم، حيث تم وصفهم بالكفار والشيوعيون القتلة، وبأنهم ليسوا سوى مجموعات من المولدين، ولا ينتمون إلى اليمن، وإن الفرع يجب أن يعود إلى الأصل والعكس هو الصحيح.

 

 

 

 

واستمرت الحملات ضد الجنوبيين، ومعاملتهم كغرباء غير مرغوب فيهم، وخاصة في مؤسسات الدولة المختلفة، ولم يكتفوا بذلك، بل أقدموا على اغتيالات وملاحقات لكوادر دولة الجنوب وانصارها. استمر التأزيم وتعقدت الأمور بشكل مخيف، وتوسعت الخلافات حول مستقبل الوحدة واستمراريتها، حتى وصلت الامور إلى ما يشبه القطيعة بين طرفين الوحدة، استدعي فيها إشراك الطيف السياسي بكاملة، والوجهاء والحكماء من مختلف التكوينات، ليساعدوا في إيجاد حل لهذه المشكلة المعقدة، حيث تمكنت اللجنة التي اختيرت من إصدار وثيقة وطنية غاية في النضج والمسؤولية سميت بوثيقة الاجماع الوطني اطلق عليها وثيقة العهد والاتفاق، وكانت كذلك وثيقة الاجماع الوطني، لو كتب لها النجاة، والغريب ان الطرفين وقعا عليها أمام العالم كله، ولكن من لحظة التوقيع على تلك الوثيقة ازدادت الأزمة تغيّراً وتوسّعاً وخرجت الأمور عن السيطرة وانظم إلى الصقور المتصارعة، ألف صقر وصقر ليزيدوا حدة الخلافات والقطيعة ودفع الأمور إلى المجابهة حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه حيث توسعت دائرة العداء وتمت التعبئة القذرة لقيادتين مختلفتين ذات طابع عدائي مشحون بالحقد والكراهية المشبعة بروح الشمالي والجنوبي وبروح الثأر والإلغاء بروح الايدلوجية والتكفير وهكذا وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.. دم، إلغاء، سيطرة وعلى ماذا ...؟ على الأرض والثروة.

 

 

 

 

وتأسيساً على ما سبق فقد بيّنا أن مشروع الوحدة الاندماجية كان قراراً انفرادياً قاتلاً وخطأً تاريخياً كبيراً أقدمت عليه قيادة الدولتين الفوقية( العليين) رغم توجهاتهما ونواياهما المخلصة، ولكن هذا لم يشفع لهما، حيث تحولت هذه التوجهات الطيبة العاطفية، إلى عدائيات مخيفة طالت النخبتين الفوقيتين بالصميم نتج عنها أزمة وطنية خطيرة توجها الشمال بحرب عبثية ظالمة غير متكافئة، كان وقعها مادياً ونفسياً وسياسياً وإنسانياً ووجودياً على عامة الناس وبسطاء الرعية في الإقليم كله لكن ما تعرض له الجنوب وسكانه ومكوناته يصعب وصفه مطلقاً، حيث تفنن الأخوة الأعداء بهدم وتدمير كل ماله صلة بدولة الجنوب وشعبها من بسطاء وعامة الناس، بأعمال جرى تشبيهها من قبل كثيرين بأفعال هولاكو وجنكيز خان في العراق وسوريا قبل قرون من التاريخ الإسلامي.

 

 

 

 

لقد أثبتت أزمة الوحدة والحرب 90 ــ 94م أن اليمنيين يعيشون خارج التاريخ تماماً وأنهم عادوا إلى الوراء قرون عديدة، ليعيدوا لنا وبقوة إنتاج العهد السبأئي المظلم والمتخلف، والمبني على قوة الإلغاء والاحتلال والسبي والقتل، وهكذا عاشت اليمن على مدى أربع سنوات 90 ـ 94م على وقع ذلك العهد المخيف المظلم للأسف الشديد حيث أنه ليصعب معها تخيل ما حصل حينها، وحصل لاحقاً وما زال يحصل الأن.

 

إن المتتبع للأزمات اليمنية قديمها وحديثها خلال ما يقرب من تسعة وخمسين عاماً من أواخر القرن العشرين إلى بداية القرن الواحد والعشرون،( قرون الطفرة الحضارية) يرى أمامه فقط خلطاً كبيراً بين المفاهيم والقيم كافة، فلا فرق هنا في اليمن بين الوطنية واللا وطنية، ولا مصلحة لعبارة الصديق، ولا تجدد العلاقة مع الشقيق، الذي يصبح فجأة عدواً بين لحظة وأخرى، ولوجد نفسه في حالة ضياع دائم، لا ينتهي عندها معرفة الفواصل، التي تبدأ منها السلطة وتنتهي عندها إرادة الواحد ( الحاكم والشيخ) فلا الوحدة هي الوحدة، ولا الثورة هي الثورة، ولا الانفصال هو الانفصال، ولا الديمقراطية هي الديمقراطية، ولا أحد يميز بين عالم القبيلة وحجم الوطن، ونقطة الدولة، وفاصلة القرية، ولو تمعّنا النظر في منظار الأزمة اليمنية، والذي هو دائماً منظار للقتل والتخريب والدماء والصراعات والإلغاء، لوجدنا أنفسنا عائمين في بحر من الألغاز لا حدود له، فليس مطروحاً بجدية أي شيء، وليس أحد مستعداً للإجابة على ما يطرح بأي شيء، بما في ذلك التاريخ الواقعي والصحيح للبلاد، الذي هو في النهاية ملك للجميع يفترض أن يكون متعارفاً عليه عند الخاصه والعامه.

 

 

 

 

يجب أن يعرف القاصي والداني، أن أزمة الوحدة والأعداد الرسمي للسلطة الشطرية الشمالية بسبق وإصرار للحرب على أرض وشعب الجنوب كان السيناريو المعد منذ اليوم الأول للوحدة قد وصلت إلى اصقاع الدنيا، وخاصة بعد إصدار وثيقة العهد والاتفاق.. هنا يجب التوقف والنظر بحق للأسباب والظروف الكثيرة جداً، التي أدت إلى هذه الأزمة الخطيرة، والحرب معنوياً ووطنياً وسياسياً وقانونياً، حيث كان للازمة مجموعة أسباب نورد في ما يلي أهمها:

 

1ـ صياغة هذا النوع من الوحدة، بمعزل عن التأكيد على حقوق المتعاقدين في هذه الشراكة، بحيث إذا أخل أياً من الطرفين بتعهداته، يحق للطرف الاخر إلغاء هذه الشراكة.

 

2ـ عدم تحديد حقوق كل طرف في السلطة والثروة، إذ مُثّل الجنوب الأكثر مساحة وثروة في البرلمان بـ 56 دائرة انتخابية، وهذه خدعة كبيرة وخطأ فادحاً واستخفافاً بحق الشراكة، والناس.

 

3ـ على الرغم من هشاشة اتفاقيات الوحدة، إلا أن العهد الجديد قد انحاز له عامة الناس، مما أزعج القوى الرافضة للتغيير وبناء الدولة الجديدة( دولة الق

نظام والقانون) والتي ستحدث خرقاً واضحاً في تركيبة دولة القبيلة وقيمها ومكوناتها.

 

ومما زاد الطين بلة هو أن القوى السياسية التي تشكلت منها لجنة إصلاح ذات البين، قد وضعت المخرج المناسب لهذه الأزمة، بإعداد وثيقة العهد والاتفاق، التي سموها وثيقة الاجماع الوطني، والتي تمثل ثورة حقيقية ضد كل ما هو قائم، تنتهي معها التجاذبات الجهوية والقبلية، والتحالفات الدينية بمذاهبها المختلفة، والتقاسمات الحزبية المتنوعة بأهدافها.

 

لقد أزعجت هذه الوثيقة القوى القبلية الاقطاعية الدينية، وبعض النخب العسكرية المرتبطة بهذه القوى، حيث اعتبروا الوثيقة انقلاباً على مصالحهم ووجودهم القبلي والديني والاقطاعي، وتركيبتهم الديموغرافية والمذهبية.

 

4ـ إن الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، عُدت شرط رئيسي مرافق ومكمل لهكذا وحدة وكان هذا دليل على هشاشة وجهوية التفكير بمثل هذا مطلب وكأنّ الديمقراطية صارت جزءً مكملاً من الثقافة المجتمعية لها جذورها وحضورها في الواقع اليمني، ولدى النخبة.

 

لقد أضرت الديمقراطية ضرراً كبيراً بحقوق الناس جميعاً وبالذات الجنوبيين، الذين أصبحوا في العهد الوحدوي الهش أقلية سكانية وليسوا شركاء سياسيين يمثلون دولة بكاملها، حيث تغلبت الأكثرية الشمالية العددية على الأقلية الجنوبية، وذلك باسم الديمقراطية اليمنية وما زالت ضربة موجعة وقاسية ومدمرة للوحدة وللجنوبيين على حد سواء.

 

الاستنتاجات والدروس:

 

1ـ لقد مرت ثلاثون عاماً على إعلان قيام الوحدة الاندماجية واليمن، هو ذلك اليمن المأزوم والممزق وجدانياً وأخلاقيا، والفاقد للوحدة والوجدانية، والقابع تحت وطأة الظلم والتهميش والعبودية المجتمعية بكل أشكالها والوانها، من قبل نخب الإقطاعيات القبلية، والإقطاعات الدينية، والإقطاعيات العسكرية، والإقطاعات التجارية الطفيلية، ومن قبل الدولة وأجهزتها المختلفة المدنية والعسكرية، والقضائية والحزبية، الجهوية والإعلامية في مختلف حلقاتها حيث اصبح الظلم والتهميش سمة الحياة العامة في بلاد السعيدة.

 

2ـ ما زالت أقلية النخب تلك وحلفائها تتحكم بشؤون وحياة البلاد والعباد على مدى سنين الوحدة، حيث تمكنت من السيطرة على الثروة والسلطة، والإعلام والثقافة، والأجهزة الأمنية والعسكرية على اختلافها.

 

3ـ اتبعت السلطة على مدى سنين الوحدة سياسات تدميرية وتمزيقية لكل مكونات المجتمع، حيث تُمارس سياسة فرق تسد، بكل أشكالها المعيبة سياسة ودينية، وفكرية وسلالية وعرقية وشطرية ولونية.

 

4ـ على مدى سنيين الوحدة، أُثريت نخب الأقلية وحلفائها ثراءً فاحشاً، على حساب الجنوب والناس والسكان، وتحولت اليمن إلى مجتمع الأثرياء، ومجتمع الفقراء، وهذا سيحدث هزات وزلازل مدمرة على المدى المنظور وما نشاهده اليوم دليل واضح على ذلك.

5ـ على مدى سنيين الوحدة، تراجعت هيبة الدولة في الحياة العامة، وتراجعت معها ثقافة الانتماء الوجداني إلى هذه الدولة، فنخبة الأقلية تملّكت الدولة بكل مفاصلها كافة.

6ـ على مدى سنيين الوحدة، أصبح الفساد ثقافة وسلوك وممارسة يومية يصعب معها وقف التدهور الخطير لحياة الناس وعيشهم، وهذا دليل على أن الفساد والمفسدين هم مجموعة من المافيات داخل وخارج النظام بمؤسساته المختلفة.

 

7ـ من خلال توضيح بعض الاستنتاجات، يصعب التصديق ان الديمقراطية بمكوناتها المختلفة ستكون فاعلة في الحياة العامة، حيث اصبحت الديمقراطية مصدر إلغاء وتهميش وانتهاك صارم للحقوق العامة والخاصة؛ لكونها أصبحت ديمقراطية لنخب وحلفائها الفاسدين والنفعيين.

 

8ـ أثبتت الحياة على مدى ثلاثين عاماً الماضية من عمر الوحدة المنقوصة الشراكة، ان اليمن لا يمكن أن يكون إلا يمناً متعدد الكيانات( كيانين منفصلين يكون فيهما النظام اتحادي فيدرالي برلماني مدني أو إقليمين يكون فيهما النظام اتحادي فيدرالي برلماني مدني مشروط) وقد ثبت ذلك بالممارسة والتجربة من خلال ما شاهدناه وتشهده من فشل الوحدة الاندماجية الاستقوائية فلا يوجد خيار غير ذلك ولا سواه للتذكير فقد اكد البردوني هذا الخيار قبل قيام الوحدة وبعدها.

 

9ـ لقد أفرزت الوحدة الاندماجية 1990 ـ 1994م، وما تلاها مجموعة أزمات خطيرة داخلية وخارجية في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والاخلاقية والوجدانية والسيادية كما نتج عن هذه الأزمة كونها الاخطر بين كل تلك الأزمات ألا وهي أزمة الجنوب (القضية الجنوبية) وتداعياتها الخطيرة( إقرأ موضوعنا حول هذه القضية).

10ـ لقد أنتجت أزمة الوحدة الاندماجية بتداعياتها حرب صيف 1994م، الكارثة التي كانت واحدة من اهم الأسباب التي قضت وألغت الدولة الوطنية التقدمية في الجنوب.

11ـ واخيراً يحق للجميع ان يتساءلوا سواءً اتفقوا أو لم يتفقوا مع ما طُرح هل نحن نعيش الزمن الوحدوي؟ بكل تجلياته وقيمه النبيلة؟ ام أن هناك ضمناً أسمه الوحدة يراد الناس ان يعبدوه؟ وهذا مستحيل ومستحيل جداً أن يحصل؟

 

خاتمة لابد منها:

 

بعد القراءة الموضوعية والتحليل المختصر لازمة الوحدة اليمنية الاندماجية ولما آلت إليه الأوضاع من سوء وتردي في اليمن بفعل السياسات الكارثية التي اتبعت خلال ثلاثون عاماً نلحظ وبالعين المجردة اتساع نطاق هذه الأزمة وتداعياتها لتصل بتطوراتها الدراماتيكية إلى كل مكونات النظام الرئيسية وأجنحته وذلك بفعل ثورة الشباب وانتفاضة الشعب المطالبة بالتغيير لكل الأوضاع السائدة بما فيها تغيير النظام ورموزه حيث انقلب السحر على السحرة كلهم.

 

لقد انقسم النظام على نفسه وتصدّعت تحالفاته من خلال انضمام قوى كثيرة ذات نفوذ واسع وقوي في منظومة الحزب الحاكم والدولة والقبيلة والجيش إما بانتهازية أو بمصداقية إلى صفوف الثورة وتأييدهم ودعمهم وحمايتهم لهذه الثورة ومطالبها حيث تطورت التداعيات في الميادين والساحات كلها في عموم البلاد تطالب بالتغيير الشامل بما فيها تغيير النظام السياسي وإسقاط كل أجنحته ورموزه وتوسعت دائرة العنف ضد الثوّار المحتجين، حيث أصبح القتل والعنف معها هو سيد الساحات والميادين. لقد اخذت التطورات تنحو منحنى خطير جداً ولا احد بمقدوره وقف هذا التدهور الذي تحوّل من الساحات والميادين على عبثية مجنونة استخدمت فيها كل أنوع الأسلحة ووسائل التدمير بين راس النظام ومؤيديه وراس القبيلة ومؤيديها. وحدث مالم يكن متوقعاً في هذا السيناريو الدموي الخطير ان يتعرض مسجد القصر الرئاسي إلى عملية تفجير رهيبة في عنفها ودمويتها والتخطيط لها استهدفت رئيس الدولة، وأركان حكمه والمتواجدين داخل المسجد لأداء صلاة الجمعة وقد اودت بحياة الكثيرين، وإصابة حياة الكثيرين ايضاً وعلى راسهم الرئيس علي عبدالله صالح، واركان حكمه حيث قدر عددهم بـ(87) مصاباً بإصابات خطيرة جداً تعتبر عملية الاغتيالات السياسية على الاطلاق في التاريخ الحديث وبالتأكيد ستسجل ضد مجهول إلا.

 

لقد تمادى الأخوة الأعداء في قتل بعضهم وقتل الآخرين ايضاً إلى درجة أنه ليصعب تصديق ذلك ومع ذلك شهدنا بأم أعيننا مالم يكن متوقعاً من عبثية المشهد ودمويته وهمجيته وهذا يؤكد للقاصي والداني أن اليمن بهذه العقليات وهؤلاء الأشخاص والمكونات القبلية والعسكرية لا يمكن لها ان تحمل مشروع دولة مطلقاً وعلى هذا فليتنحوا جانباً وليرحلوا بعيداً عن انظارنا حيث أصدقائهم وحلفائهم المغدقين عليهم بالأموال والذين ارتهنوا عليهم وبمساعدتهم فرضوا الوصاية والتبعية الخارجية على اليمن، أن تفجير مسجد القصر الرئاسي يحمل دلالات كثيرة جداً منها سياسية وسيادية خلطت الأوراق والتحالفات داخلياً وخارجياً حيث سجل مشهدها الاول قوة التدخل الخارجي في الشأن اليمني لفرض أجندتها واستراتيجها واهمها وأد الثورة المطالبة بالتغير والتغيير الشامل تحديداً تحت مسميات ومخاوف كثيرة وأسباب متعددة لا بد من البحث عنها نحن وأنتم أيها القراء المحترمين.

الهوامش:

1ـ عصام الدين عبدالرؤوف الفقي، اليمن في ضل الإسلام دار الفكر(ص111)

2ـ نفسه : ص 111

3ـ وف مادلونج دراسات في تاريخ اليمن الإسلامي المعهد الأمريكي للدراسات الإسلامية ، ص 12.

4ـ المصدر نفسه: ص15.

5ـ عصام الدين عبدالرؤوف اليمن قبل الإسلام: ص108،109، حتى 126.

 

 

 

*الكاتب العميد الركن/علي مثنى هادي قائد القوات الجوية والدفاع الجوي في جيش الجنوب سابقاً