من عام 1990-1994م بين الشمال والجنوب..

تحليل: قراءة موضوعية عن "الوحدة" ونتائجها الكارثية (الحلقة الاولى)

توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية بين الجنوب والشمال

عدن
نشر الكاتب العميد الركن/علي مثنى هادي قائد القوات الجوية والدفاع الجوي في جيش الجنوب سابقاً عن الوحدة اليمنية ونتائجها الكارثية على الجنوب.
وفيما يلي نص الحلقة (الاولى) :
أولاً: الظروف الموضوعية والذاتية في الشمال والجنوب قبل الوحدة:
في عام 1990م شهد اليمن شماله وجنوبه وحدة يمنية عن طريق سياسة البنية الفوقية، ومن هرم البنية العليا التي قام بها حاكم الشمال، وحاكم الجنوب، وعلى ضوءها أقيمت اندماجية للوحدة، وذلك على أنقاض دولتين كانتا قائمتين إحداهما في الشمال هي الجمهورية العربية اليمنية، ذات التوجهات القبلية الإقطاعية والدينية بأطرافها المتعددة الزيدية المذهبية، والسلفية التكفيرية الجهادية، والشافعية المهادنة والمظلومة، وكذلك الرأس مالية الطفيلية، وكل ما هو محكوم بعقلية الماضي السبأئي الاستقوائي، والمذهبية الدينية المحافظة والمتعصبة، حيث تزاوجت هذه السلوكيات على مدى قرون، لتنتج تحالف ديني قبلي إقطاعي ورأسمالية طفيلية ممثلة للشركات الأجنبية في إدارة شئون البلاد باستقواء وظلم وهيمنة وعبث فئة محددة بعينها محصورة بين أنصار المذهب الزيدي وأئمته العدنانيون(السادة) والقبائل الزيدية القحطانية( حاشد وبكيل وغيرها..).
    وهؤلاء هم أتباع المذهب الزيدي  " نسبة إلى الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب" وقد قتل بالكوفة بأمر من الخلافة كونه كان يسعى للخلافة كأحد أبرز أهل البيت المحسوبين على الإمام علي بن أبي طالب.
" وعلى رغم من النهاية التي لاقاها، إلا أن أرائه وأفكاره لم تنته بل ظل صداها يتردد في العالم الإسلامي حتى يومنا هذا وتجد لها استجابة عند كثير من المسلمين، ومنها نشأت الطائفة الزيدية لتتمثل تعاليمه وأقواله وأحاديثه وفتاويه واتجاهاته الدينية مذهباً يلتزمون به" (2)
    لقد " نجح الإمام الهادي وعمه محمد بن إبراهيم في تأسيس الإمامة الزيدية الهادوية في اليمن وتعزيزها عبر تشجيع الهجرات المتتالية وطبعت بالطابع المذهبي الديني كفتوى تدعو للنزوح من أرض الآثمين والظالمين كواجب ديني قبل وبعد إقامة الإمامة الزيدية في اليمن سنة 284هـ ـ 897م" (3)
     وقد " كان  أكثر النازحين من أتباع الهادي هم من أهل طبرستان وسموا بأسماء عدة كان أحد هذه التسميات المهاجرون من الطبريين" (4)
 وبالمناسبة فهذا المذهب يعتبر من المذاهب المعتدلة والوسطية بين كل المذاهب في الإسلام، وهو مذهب يميل إلى العدل، ومقاومة الظلم، ويجيز الخروج على الحاكم الظالم، لكن هذا المذهب غلب عليه اختياره الحكم المطلق؛ فتحول المذهب الديني إلى مذهب سلطة وثراء ؛ فأفقدته السلطة كل مقومات المذهب الفقهي الديني الثوري المناهض لكل أنواع الظلم والاستبداد؛ فتحول من مذهب ديني ثوري مناهض للظلم والاستبداد، إلى مذهب مناصر للظلم والحاكم الظالم، وكل ذلك بفعل مغريات السلطة والحكم، والثروة والمال، وبحبوحة العيش الرغيد، حيث رضخ طواعيةً لفكر وسلوك وثقافة القبيلة المبني على الثقافة والسلوك الأبوي المتخلف، وعنوانه الأعراف والقيم الإقطاعية الغير منضبطة سلوكاً وأداءً وممارسةً، وخاصة لذلك السلوك الرافض لقيم الدولة العصرية المتحضرة والمدنية بثقافتها وقوانينها، إلا ثلةً قليلة منهم، حيث تخلت القبيلة عن القبلية كسلوك عقلاني منصف، وتمسكت بالقبيلة التي لا يضبطها ضابط، ولا يردعها رادع، وكل شيء في حياتها، فوضى في فوضى، ونهب في نهب، وقتل في قتل، وثأر في ثأر‘ وعنجهية في عنجهية، وثراء في ثراء، وكل ذلك على حساب الناس والرعية، وهذا بسبب الخلفية التاريخية بطبيعة القبائل وحياتها الصعبة والمظلمة، والمبنية على الاستقواء والظلم، والجهل والتهميش للبسطاء وعامة الناس في القبيلة، وكذلك بسبب معاناة العدنانيون والسادة على مدى قرون من التاريخ الإسلامي؛ حيث مورست بحقهم كل أشكال الظلم والقتل والتهجير، من قبل الأمويين والعباسيين في بلاد الشام، والعراق ووسط الجزيرة العربية في نجد والحجاز،.. وحتى أئمة المذهب الزيدي الذين استقر انصارهم في اليمن بعد سقوط دولتهم في طبرستان.. مع التأكيد أن التهجير القسري لآل البيت والعلويين السادة تحديداً، كان في اتجاه اليمن من دون غيرها،  حيث استقرت في اليمن أعداد كبيرة منهم،.. ولابد من التوضيح هنا ، بشأن مسألة مهمة، وهي أنهم وبعد ان احكموا قبضتهم بحلقات الأمور الدينية والدنيوية في اليمن، وذلك بحكم تعليمهم و تفقههم في الدين، وادعاؤهم في نسبهم بانتمائهم لآل البيت، فقد استطاعوا أن يقيموا تحالفات ناجحة مع القبائل، وتمكنوا من نشر أصول المذهب الزيدي في أوساطهم، وتأسيس الدولة الزيدية في اليمن 284هـ ـ 897م، ومع مرور الزمن نشأت خلافات حادة فيما بينهم، وذلك بسبب تسلط الأئمة وأتباعهم، حيث تمادى بعض هؤلاء الأئمة في ظلم الناس من خلال النهب والثراء الغير مشروع، وذلك على حساب القبائل التي تحالفت معهم، والتي مكنتهم من السيطرة على البلاد، وفرض سلطتهم الدينية والسياسية معاً، وقد خلصت كل هذه الممارسات والسياسات إلى خلق عداوات ذات طابع سلالي عرقي ما بين العدنانيين القحطانيين كحكام مطلقين من دون غيرهم، وهو بالمناسبة مستمر في وجدان وثقافة الطرفين حتى الآن، ويبدو ان القبائل القحطانية قد احكمت قبضتها على العدنانيين، وخاصة الأئمة منهم، وبالذات بعد قيام ثورة 26 سبتمبر التي أسقطتهم وأزاحتهم عن الحكم، وقضت على نظامهم الملكي.
 لقد كانت ثورة 26 سبتمبر حدثاً فريداً بكل المقاييس في ذلك الوقت العصيب، والذي كانت تعيشه اليمن،  من تخلف جهل وغياب كامل على العالم، وما يعتمل فيه من احداث وتقدم وتطور، حيث استطاعت الثورة إحداث تغيرات شاملة في بنية المجتمع اليمني.
   لقد واجهت الثورة كل التحيات الكبيرة المتعددة من قبل أعداءها في الداخل والخارج، إلا أنها تمكنت من الصمود بفضل التحالفات الوطنية والشعبية والدعم العربي والدولي، خاصة مصر والاتحاد السوفيتي، وقد كان لبعض القبائل مثل حاشد وبكيل وقبائل أخرى منها الشافعية، في عموم اليمن دوراً كبيراً في دعم الثورة، وبعض آخر من تلك القبائل وقف مع الصف المعاد للثورة والجمهورية، وقد حاول كثير من رؤساء اليمن الشمالي إحداث تغييرات بنيوية شاملة؛ مما أزعج التحالفات القبلية الاقطاعية والدينية من هذه التوجهات الجديد، والتي كانوا يعتقدون بأنها ستمس بنيانهم التنظيمي القبلي المذهبي، رغم انهم كانوا يديرون شؤون العهد الجديد، ووضع التحالفات بين كل قوى الثورة وانصارها وقبائلها حتى انهم كانوا يقرضون الرؤساء والوزراء والقادة العسكريين ويعينوهم ويعزلونهم متى ما شعروا ان ذلك ضرورياً، ويخدم توجهاتهم التي تبقي القبيلة هي المسيطرة والصانعة لكل القرارات، ومن خرج عن طوعهم ازاحوه أو قتلوه، حتى أنهم أنشأوا وزارة لشؤون القبائل، وبميزانيات هائلة، حيث كانت القضية نقطة خلاف الرؤساء مع القبيلة على مدى عقود وحتى اللحظة، ولكن التغييرات استمرت في كل مناحي الحياة.
     قاطعةً بذلك أشواطاً كثيرة رغم الكوابح الكبيرة محلياً وإقليمياً، والتي واجهت البلاد منذ قيام الثورة، حيث تشكلت على مدى سنين الثورة قوى جديدة تقدمية ووطنية وعصرية فاعلة، من مختلف الأطياف السياسية والمدنية، والاجتماعية، والاقتصادية، والعسكرية والشعبية، من مختلف المناطق اليمن، الشافعي والزيدي، ( صنعاء، تعز، إب، الحديدة، والبيضاء، مأرب، ذمار،).
 ومما يؤسف له، أن الجميع انغمسوا في خلافاتهم الجهوية الحزبية المذهبية؛ مما ساعد على قيام الانقلابات العسكرية الدموية والتنازلات السلمية، وكانت كلها تخدم التوجهات القبلية، إن لم يكن من صنعها، وخاصة قبيلة حاشد وبكيل، حيث توجت القبيلة انتصارها على مشروع الدولة الجديدة وقواها الوطنية، إذ اصبحت القبيلة هي الدولة، والدولة هي القبيلة، وحكم الأقلية على الأغلبية هو السائد حتى اليوم.
وهنا لابد من الإشارة الصريحة، والتأكيد على أن الجمهورية العربية اليمنية، بكل هيكلها ومؤسساتها، ومنجزاتها، أو ما تبقى من منجزات أصبحت جزءاً من ممتلكات القبيلة وحلفائها، وبعض رموزها من العيار الثقيل، وكما يقال أن اليمن هي القبيلة والقبيلة هي اليمن، والدولة هي القبيلة، والقبيلة هي الدولة، وكانت بالاسم فقط بأنها ذات توجه رأس مالي، وكانت مسنودة بقوة من المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومن جميع الدول العربية والإسلامية بنسب متفاوتة.
   أما الدولة الأخرى فكانت في الجنوب هي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي تشكلت على اثار ثورة شعبية مسلحة هي ثورة 14 أكتوبر، دامت أكثر من أربع سنوات، ضد الاستعمار البريطانيين وكانت ذات توجهات وطنية وثورية وأممية؛ حيث اختارت طريق التوجه الاشتراكي، هدفاً مشبعاً بالوطنية المحلية والقومية والمقاومة؛ للثروة والسلطة، والمواطنة المتساوية، حيث قامت هذه الدولة على انقاض اتحاد الجنوب العربي، وسلطات الاستعمار البريطاني في مستعمراته، وبالذات مدينة عدن، التي كانت تدير شؤونها بنظام إداري ومالي ومؤسسي صارم، وقوانين إدارية دقيقة في كل المجالات، إذ كانت تدير وتنظم حياة المجتمع بكل شفافية وحقوقية قانونية، وأصبح ذلك النظام سائداً  في اتحاد الجنوب العربي، الذي كان يتشكل من 23 مشيخة وسلطنة وإمارة.
    لقد قامت الدولة الجديدة في الجنوب، بسن قانون قضى بموجبه توحيد كل تلك الكيانات في دولة واحدة هي جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، حيث بسطت الدولة الجديدة نفوذها وحضورها القوي في كل المناطق، وشكلت سلطاتها المحلية، مستفيدة من كل الانظمة الإدارية والبلدية والمالية، تسيير شؤون المواطنين في مناطق دولة الجنوب كافة.
   وعلى مدى سنين الاستقلال ترسخت البنية التنظيمية والهيكلية القانونية للدولة بفضل الرؤية الواضحة لطبيعة هذه الدولة، التي حددها الدستور بشكل واضح وجلي في كل مجالات الحياة السياسية، والقانونية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والتعليمية، بحيث تكون هذه الدولة هي دولة المواطنة المتساوية دولة الحرية والتقدم، دولة النظام والقانون المبنية على مبدأ المحاسبة والمراقبة، والمكافأة، حيث شكلت التراكمات الإيجابية للإدارة والقانون، وثقافة المجتمع على امتداد الجنوب، لتصبح ظاهرة إيجابية ومدنية وتقدمية وحضرية، تشبعها الجنوبيون من فترة الوجود البريطاني المشهود لهم بالانضباط والدقة والإدارة الراقية.
    لقد استفادت الدولة الجديدة من التراكم الحضاري والمدني، وللإنصاف فقد تطابقت توجهات الدولة والقيادات التي أدارت شؤون الدولة الجديدة، مع المبادئ بكل شفافية وثقة وتم تطبيقها في كل المؤسسات وحلقات الدولة؛ ولهذا اصبحت هذه المنظومة تسمى بدولة المؤسسات وهي كذلك.
     وهكذا استمرت وتواصلت التغيرات الواسعة، في بنية الدولة الجديدة سياسياً وقانونياً، واقتصادياً، واجتماعياً وثقافياً وعسكرياً، حتى أنها احدثت تطوراً كبيراً في النظام السياسي، حيث تجاوزت مرحلة الشرعية الثورية الصعبة بظروفها وانتقلت بشكل سلس على مرحلة الشرعية الدستورية والقانونية لأهميتها حيث ترسخ القانون والدستور في بنية الدولة وفي الوجدان الشعبي العام لمجتمع وهكذا حصل تراكم إيجابي وسلبي هيأ لانتقال النظام السياسي برمته إلى الشرعية الديمقراطية وبذلك نجحت ثورة 14 أكتوبر في تشكيل وبناء دولة النظام والقانون، دولة العدل والمساوة والمواطنة المتساوية، دولة المؤسسات.
  ومن المهم جداً الإشارة هنا على أن الدولة الجديدة واجهت تحديات كبيرة ومؤامرات عديدة لإسقاطها، وإفشال تجربتها النموذجية بثوريتها ومدنيتها إذ كانت هذه الدولة منارة لكل الأحرار، وملاذاً لكل المستضعفين.
  ومن المفيد جداً  التأكيد على أن النظام السياسي في الجنوب ودولته قد تعرض، لهزات عديدة داخلية خطيرة واحداث دامية بين رفاق الثورة والدولة؛ وكان ذلك كله بفعل المؤامرات المحلية والإقليمية والدولية، لإسقاط التجربة وحرفها عن مسارها وللأسف الشديد فقد تعاطى البعض معها ولكنهم فشلوا ورغم ان تلك الهزات الدامية والخطيرة، التي حصلت وتكررت قد اضرت ضرراً كبيراً، عدا ان النظام ودولته وهيبته صمدت وبقيت شامخة، وذلك بفعل وعي الشعب وحبه لدولته ومنجزاتها واستفادوا منها وظلوا يحمونها حتى قيام الوحدة اليمنية، وما يؤخذ على تجربة النظام السياسي أنه أعلن طريقة الاشتراكي على أساس نظري فقط، وهو ما ورد في وثائق الحزب الاشتراكي اليمني الذي تأسس عام 1978م، ودستور النظام على أساس النظرية الاشتراكية العلمية، ونظام التوجه الاشتراكي، وكان ذلك بالاسم فقط، إذ لم يكن هناك توجه اشتراكي في الجنوب، ولم يكن هناك توجه رأسمالي في الشمال، وقد اعتقد أن من وضع ذلك؛ بانهم سيكسبون حليفاً قوياً وهو الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية وهذا الأمر قد ألّب كل البلدان العربية والإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا الغربية الرأسمالية عليه وكل هذه القوى مجتمعه تحالفت مع نظام الجمهورية العربية اليمنية، ودعمتها بالأموال والمساعدات الطائلة التي اهلت نظام صنعاء في القيام بالحروب والمؤامرات المدمرة للجنوب ودولته وادته السياسية، والتي لم تحسم أكيداً إلا بعد الوحدة السلمية والديمقراطية التي قامت بين الجنوب والشمال في مايو عام 1990م، بين قيادة الدولتين الرئيس علي عبدالله صالح عن الشمال، والرئيس علي سالم البيض عن الجنوب، بعد ان اعد الشمال الرسمي وحضّر لحرب 1994م، والتي ألغت وتحاول ان تلغي الجنوب الوطني والشعبي والسياسي منذ ذلك التاريخ الأليم.
   ومن الأهم الإشارة التاريخية بأنه لزمن طويل كان نظاما وحكما الشمال والجنوب المختلفين أصلاً يسعيان إلى إلغاء بعضهما وكان للشمال اليمني معارضة في الداخل، وقد كان مأواها في الجنوب، كما كان هناك معارضة في الجنوب ومأواها الشمال، ودول الجوار، ولا يخفى على أحد  أن حروباً داخلية أهلية من بعد الحرب العالمية الأولى داخل الشمال ما بين الأمام والقبائل اليمنية حتى حصار صنعاء وبين الشمال والجنوب حروباً داخلية بين نظام الحكم في الجنوب ومعارضيه منذ الاستقلال الوطني في الثلاثين نوفمبر، وحتى قيام الوحدة اليمنية الاندماجية ، وحتى ما بعد الوحدة والتي ألغيت بفعل حرب 1994م، والتي غدرت بأبناء الجنوب سياسياً وشعبياً وتدخل التاريخ بالحرب التي لامثيل لها حتى حرب الإمامة الزيدية في القرن السابع على الجنوب.
 ولا يستطيع أحد أن ينكر بأن حروباً أهلية بين الشمال والجنوب من أجل السيطرة على الآخر قد نشبت بين الشمال والجنوب بدأ من القرن السابع عشر وما بعده على شكل متقطع حتى انتصار ثورتي السادس عشر من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر الخالدتين وما بعدها وحتى ما بعد قيام الوحدة.
  2ـ إعلان قيام الوحدة اليمنية الاندماجة:
      تناولنا فيما سبق بعض الملامح الاجتماعية والتاريخية والسياسية، للأوضاع في اليمن شماله وجنوبه، وخرجنا بقراءة واضحة، واستنتاج مهم لتلك الاوضاع، وتبين أنه لا يمكن مطلقاً البناء على أساسها أي مشروع استراتيجي كبير ومصيري، يحدد مستقبل الأرض والإنسان، والتاريخ والحقوق العامة والخاصة، كموضوع الوحدة، أياً كان شكلها بهذه السرعة المخيفة والعشوائية المفرطة، والغير مؤهلة قانونياً، حيث تأكد بالملموس وبالعين المجردة، تخلف الأوضاع ومأساويتها، وعدم نضجها موضوعياً وذاتياً، حتى لقيام أي شكل من أشكال التوحد، واستمرار الدولة الشطرية بمفردها؛ فالتراكمات التي تكونت على مدى سنين الثورة في الشمال، لم تكن إلا تراكمات في معظمها سلبية في جميع مناحي الحياة، ولا يمكن البناء عليها مطلقاً، وخاصة الأوضاع المعقدة في الشمال غير الموحد أصلاً، ناهيك عن عدم تواجد الدولة في كثير من المناطق، وخاصة مناطق القبائل وغيابها في كل المجالات، وطغيان العقلية القبلية والإقطاعية والمذهبية وسلوكها على كل مناحي الحياة العامة، بما فيها الدولة بكل مؤسساتها الضعيفة والهامشية، أصلاً، ناهيك أن ثقافة الوحدة الوجدانية والسياسية المبنية على الشراكة الحقيقية والمنصفة القانونية، لم تكن حاضرة أبداً لدى الأطراف جميعها، بما فيها العلويين، منها الأزمات والحروب والاتفاقيات التي تمت خلال سنين وجود النظامين، تلك التي وضعت كأسس أولوية لمداميك أي عمل أو شكل وحدوي قادم.
     لقد فوجئ العالم والناس عامة في الداخل والخارج بقرار الإعلان عن قيام الوحدة الاندماجية، وذلك في 22 مايو 1990م بقرار ومبادرة انفرادية غير مخلصة  وغير موفقة من قبل الرئيس علي عبدالله صالح، والأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني السيد علي سالم البيض، ( وما بني على باطل كان باطلاً ) بغير تفويض من أحد متجاوزين بذلك الاتفاقيات، ومشروع دستور دولة الوحدة، والتسلسل المطلوب لقيام الشكل المناسب للوحدة، وهنا بدأت الكارثة تعصف وتدمر، تلغي وتزيل، تقتل وتشرد، ومن اللحظات الأولى نشبت أزمة سياسية حقيقية بين الطرفين، ظهرت فيها التحالفات الخطيرة واضحة، والنوايا السيئة الإلحاقية المبيتة، إذ تمترس كلاً خلف جمهوريته، وقد كانت انتخابات 1993م، شاهد على فشل ذلك الإعلان الفخ رغم وجود الاتفاقيات المختلفة، وأهمها مشروع دستور الوحدة، الذي رفضته قوى التحالف الشمالي التقليدي القبلي، والديني المذهبي والاقطاعي، وبعض النخب العسكرية المرتبطة بتلك القوى.