رسائل ودّ بين ماكرون وأردوغان تُمهد لمصالحة براغماتية..

حسابات انتخابية تدفع أردوغان تصحيح مسار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي

التوترات التي فجرها أردوغان مع فرنسا والاتحاد الأوروبي أرهقت الاقتصاد التركي

أنقرة

تبادل الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والفرنسي امانويل ماكرون رسائل ودّ بعد حرب كلامية وصلت حدّ نعت الأول للثاني بأنه "مريض عقلي"، في إشارات ايجابية قد تمهد لمصالحة دبلوماسية بين البلدين ومن ثمة تصحيح مسار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وتهدئة التوترات التي فجرتها تركيا على أكثر من جبهة بداية بتدخلها العسكري في سوريا ثم ليبيا وصولا إلى عمليات التنقيب في شرق المتوسط التي دفعت بروكسل لفرض عقوبات على أنقرة.  

وكان أردوغان أول من عبّر عن رغبته في ما وصفه بـ"تصحيح مسار العلاقات" مع الشركاء الأوروبيين مدفوعا بأزمة اقتصادية وتوجس أيضا من استدارة أوروبية نحو معارضي الرئيس التركي ومن ضمنهم رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أغلو الذي كان جزء من النظام قبل أن ينشق عنه ويؤسس حزبا لمنافسة حزب العدالة والتنمية وسط توقعات بتشكيل جبهة بين الأحزاب الناشئة (حزب داوود أغلو وحزب الوزير السابق علي باباجان) وأحزاب المعارضة الرئيسية للإطاحة به (أي أردوغان).

ويحظى داوود أغلو بالقبول أوروبيا كونه كان مهندس العلاقات واتفاق الهجرة الذي كبح طوفانا من اللاجئين إلى أوروبا انطلاقا من السواحل والحدود التركية.     

كما تأتي تحركات أردوغان في ظل توتر مع الولايات المتحدة قد تتصاعد بعد تنصيب الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن في 20 يناير/كانون الثاني وهو توتر ناجم عن قضايا خلافية عالقة بين الحليفين تتصدرها قضية شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية اس 400 التي تعارضها واشنطن ودول حلف الناتو.

والعلاقات بين تركيا وفرنسا المتوترة أصلا من سنوات، تدهورت في الأشهر الماضية، وذهب أردوغان إلى حد اتهام ماكرون بأنه "يكره الإسلام"، مشككا في "صحته العقلية".

والشهر الماضي اعتبر أن ماكرون "يطرح مشكلة لفرنسا"، داعيا البلاد إلى "التخلص منه".

ويأتي تغيير موقف أردوغان في حين تسعى تركيا لتحسين علاقاتها مع أوروبا بسبب الصعوبات الاقتصادية وقبل تولي الرئيس المنتخب جو بايدن مهامه الذي لن يكون متساهلا مع أنقرة كسلفه دونالد ترامب.

ويعمل الرئيس التركي مثقلا بكم هائل من المشاكل والتوترات الداخلية والخارجية على أكثر من جبهة، لتخفيف جبهات المواجهة قبل الانتخابات القادمة التي سيخوضها بشعبية تهاوت على وقع مجمل تلك الأزمات.

واتفق ماكرون وأردوغان في تبادل للرسائل، على استئناف الحوار لتخطي التوتر الشديد بين أنقرة وباريس، كما أعلن الجمعة وزير الخارجية التركي.

ونقلت عدة صحف الجمعة عن وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو قوله إن أردوغان كان أول من بادر بمراسلة ماكرون ليتمنى له سنة جديدة سعيدة وليقدم تعازيه بعد الاعتداءات التي استهدفت فرنسا في الخريف الماضي.

وأضاف تشاوش أوغلو "هذا الأسبوع تلقينا رد الرئيس ماكرون، إنها رسالة إيجابية جدا يؤكد فيها رغبته للقاء رئيسنا واستهلها بـعزيزي طيب بالتركية".

ووفقا للوزير التركي سيجري الرئيسان محادثة هاتفية قريبا أو لقاء عبر دائرة الفيديو المغلقة قبل لقاء محتمل وجها لوجه.

وقررت أنقرة وباريس تعميق المباحثات في بعض المجالات كمكافحة الإرهاب أو ملفي سوريا وليبيا حيث هناك خلافات عميقة بين الرجلين بحسب الوزير التركي.

وأكدت الرئاسة الفرنسية حصول تبادل للرسائل، لكن دون كشف مضمونها، فيما قال قصر الإليزيه "نحتاج الآن إلى خطوات ملموسة" تبادر بها أنقرة.

وأعرب الاتحاد الأوروبي اليوم الجمعة عن رغبته في بناء علاقات مع تركيا قائمة على الربح المتبادل، مؤكدا الحاجة إلى حوار بنّاء بين الطرفين.

وعقد متحدث المفوضية الأوروبية بيتر ستانو، مؤتمرا صحفيا بالعاصمة البلجيكية بروكسل، تطرق فيها إلى العلاقات الأوروبية التركية، مضيفا أن الخطوات البناءة وخفض التوتر من مصلحة تركيا والاتحاد الأوروبي لإقامة علاقات بناءة بين الطرفين، مشيرا إلى أن ذلك سيصب في مصلحة شعوب دول الاتحاد والشعب التركي.

ولفت إلى أن تركيا والاتحاد يتمتعان بشراكة في العديد من المجالات، مضيفا "نريد تأسيس وضع يقوم على الربح المتبادل"، مثمنا التصريحات الإيجابية القادمة من تركيا مؤخرا عن رؤية مستقبلها مع أوروبا.

واستدرك "لكن في الوقت نفسه، ما يهمنا هو الحقائق والإجراءات والجهود المبذولة للحد من التوتر وإقامة حوار بناء مع أعضاء الاتحاد الأوروبي".

وخلال اجتماع مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي في أنقرة، الثلاثاء الماضي قال الرئيس التركي إن بلاده وأوروبا تتشاركان نفس الجغرافيا منذ ألف عام، مضيفا "كما أن التاريخ التركي لا يمكن قراءته دون أوروبا، كذلك تاريخ أوروبا لا يمكن فهمه بدون الأتراك".

وتابع "نحن كشعب نرى مستقبلنا مع أوروبا. ومنذ 60 عاما نكافح من أجل نيل العضوية، ورغم الظلم وسياسات الكيل بمكيالين التي تعرضنا لها، لم نحد عن هدفنا النهائي بنيل العضوية".

وعن قرب انطلاق المباحثات الاستكشافية بين تركيا واليونان، أبدى متحدث المفوضية الأوروبية رغبته في تجاوز البلدين الخلافات عبر الحوار.

وقال أردوغان اليوم الجمعة، إن الاتحاد الأوروبي لم يفِ بعد بأي من الوعود التي قدمها لتركيا وأن الطرفين دخلا مسارا جديدا في العلاقات، مؤكدا أن بلاده تسعى منذ عام 1968 إلى ضمان مواصلة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في مسار إيجابي.

ولفت إلى أن اللقاءات الثنائية متواصلة بشكل مكثف في ما يخص تطورات شرقي البحر الأبيض المتوسط والعلاقات مع البلدان الأوروبية، معلنا أنه ينظر بإيجابية حيال طلب اليونان عقد لقاء مع رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس.

وبيّن أن وزيري خارجية البلدين أجريا محادثات ثنائية بالفعل. وقالت تركيا إنه يمكن استئناف المباحثات الاستكشافية.

والاثنين الماضي، أعلنت وزارة الخارجية التركية إجراء الجولة الـ61 من المحادثات الاستكشافية بين تركيا واليونان خلال يناير/كانون الثاني الجاري بإسطنبول.

وانطلقت الجولة الأولى من المحادثات الاستكشافية بين البلدين عام 2002، من أجل تحضير أرضية لحل "عادل ودائم وشامل" يقبله الطرفين من أجل مشاكل بحر إيجة. وانعقدت آخر جولة منها (رقم 60)، في 1 مارس/آذار 2016 بالعاصمة أثينا.

وبعد ذلك التاريخ استمرت المفاوضات بين البلدين على شكل مشاورات سياسية، دون أن ترجع إلى إطار استكشافي مجددا.