خارج القطاع النفطي..

السعودية: خطط لاستثمارات ضخمة بهدف تنويع مصادر الدخل

السعودية تضبط إيقاع النفقات لتنويع مصادر الدخل

الرياض

تخطط السعودية لاستثمارات ضخمة بهدف تنويع مصادر الدخل من خارج القطاع النفطي وهي الخطة التي جاءت بفعل الحاجة إلى مصدر إيرادات من غير قطاع الطاقة بعد الصدمة النفطية في منتصف 2014 والتي تهاوت فيه أسعار النفط من ذروتها (أكثر من 100 دولار للبرميل) إلى نحو 20 دولار، ما أثر على التوازنات المالية للدول المنتجة للبترول والتي تعتمد بشكل مفرط على عائدات الطاقة في تمويل موازناتها.

والخطة السعودية التي تقدر بنحو 7 تريليونات دولار قد تحقق قفزة نوعية لكنها أيضا ستشكل في مرحلة ما ضغوطا على المالية العامة. وتحتاج السعودية إلى أسعار نفط أعلى من أجل تنويع موارد اقتصادها بدلا من الاعتماد على الخام.

ويقول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن برنامجا بتريليونات الدولارات، يستهدف تنويع مصادر الدخل، سيتطلب أن تقلص شركات تابعة للدولة توزيعات الأرباح التي تدفعها للحكومة من أجل تعزيز الإنفاق الرأسمالي.

ولم يتضح بعد حجم خفض توزيعات شركات مثل مجموعة أرامكو السعودية للنفط، التي كانت توزيعات أرباحها البالغة 75 مليار دولار العام الماضي ضرورية لدعم إيرادات الدولة، لكن محللين يقولون إن أي تقليص سيتطلب تعويضا على الأرجح من أسعار نفط أعلى.

وقال جان ميشيل صليبا، اقتصادي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى 'بنك أوف أميركا' في مذكرة بحثية "إذا خُفضت التوزيعات، فسيدعم سعر أعلى للنفط تحويلات أرامكو إلى الدولة عبر الضرائب ورسوم الامتياز كبديل".

ويجعل هذا إيرادات النفط في مركز إستراتيجية المملكة التي تستهدف إنفاقا محليا يبلغ 27 تريليون ريال (7.2 تريليون دولار) بحلول 2030.

ويعني حجم خطة الاستثمار أن السعودية، أكبر منتج في أوبك قد تحتاج إلى كبح الإمدادات خلال السنوات المقبلة لدعم أسعار النفط.

وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري، إن هذا لوحظ بالفعل في أوائل 2021 مع تنفيذ المملكة تخفيضات إنتاج أحادية وإبقائها الإنتاج ثابتا في أبريل/نيسان.

وأضافت "تمكنت السعودية من الإبقاء على تماسك مجموعة أوبك+ حتى الآن، لكن كانت هناك بعض المؤشرات على ضغط داخلي وخارجي أكبر لزيادة إنتاج المجموعة من مايو (أيار)". وتضم أوبك+ منظمة أوبك وحلفاء من خارجها بقيادة روسيا.

ويمكن أن تفوق المنافع المالية لارتفاع أسعار النفط الأثر الواقع على الاقتصاد نتيجة لخفض إنتاج الخام.

وقال متحدث باسم وزارة المالية السعودية إن لدى المملكة وأوبك+ رؤى نظر للوقت الحالي وللمدى الطويل بشأن إبقاء أسعار النفط مستقرة "لمصلحة جميع الأطراف المعنية" وإنهما ستواصلان التعامل مع الأحداث العالمية ومشاكل الإمداد والطلب بما يتفق مع هذا الهدف.

وفي حين يعود للشركات المشاركة في البرنامج الجديد أمر تقدير سبل تمويل استثماراتها، قال المتحدث إن الوزارة تتوقع مجموعة من مسارات التمويل "تكون توزيعات الأرباح فيها واحدة من خيارات شتى مثل القروض الميسرة والديون وأدوات التمويل الأخرى".

وبعد تضررها كثيرا من انخفاض إيرادات الخام وأزمة فيروس كورونا العام الماضي، خفضت الحكومة السعودية ميزانيتها للعام 2021 نحو سبعة بالمئة لكبح عجز ارتفع إلى ثلاثة أمثاله تقريبا في العام الماضي ليبلغ 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، من 4.5 بالمئة في 2019.

وهي تعتزم خفض النفقات إلى 941 مليار ريال في 2023 من 990 مليارا هذا العام، وبالتالي فإن هدف الأمير محمد لإنفاق حكومي يبلغ عشرة تريليونات ريال بين 2021 و2030 يشير إلى أن إنفاق العام الجاري سيظل دون تغير في المتوسط على مدار السنوات العشر القادمة. وقد يؤدي هذا إلى ضغوط على خزينة الدولة.

وتتوقع وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية عجزا ماليا بنحو 40 مليار دولار هذا العام، على افتراض سعر نفط 59 دولارا للبرميل في المتوسط ومتوسط إنتاج 8.7 ملايين برميل يوميا وإنفاق تريليون ريال.

وقال كريسيانيس كروستينس المدير في فريق التصنيفات السيادية لدى فيتش، إن الحكومة ستحتاج سعرا للنفط عند 76 دولارا للبرميل لضبط ميزانيتها هذا العام، لكن في ظل سياسة التوزيعات الحالية ومع تعافي الإنتاج، قد ينخفض السعر الذي يحقق تعادل الإيرادات والمصروفات إلى نحو 60 دولارا للبرميل.

وتابع "لذا يبدو من الواضح بالنسبة لي أن تحقيق خطط الإنفاق تلك، مع قبول خفض في توزيعات أرباح أرامكو، يتطلب أن تجني الحكومة إيرادات غير نفطية أعلى أو أسعارا/إنتاجا أكبر للنفط أو إدخال بعض التعديلات على هدفها للتوزان المالي بحلول 2023".

وكان استطلاع أجرته رويترز الأسبوع الماضي أظهر أن أسعار النفط ستستقر عند حوالي 63 دولارا للبرميل هذا العام، إذ يدعم توزيع اللقاحات الطلب وتواصل أوبك+ كبح الإمدادات.

وقال رافي بهاتيا المحلل لدى ستاندرد أند بورز غلوبال إنه إذا قادت الإستراتيجية إلى زيادة استثمارات الشركات الكبيرة في الاقتصاد وتنويع الموارد ونمو أكبر، فإن هذا سيدعم بدوره الإيرادات المالية في المدى المتوسط.

وقال المتحدث باسم وزارة المالية السعودية، إنه من المستبعد حدوث تغيير كبيرة في خطط الانضباط المالي متوسط الأجل التي وردت في ميزانية 2021.

وتابع "نتطلع إلى العمل في شراكة مع القطاع الخاص عبر سبل مختلفة مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص والخصخصة وغيرها من سبل تحويل الإنفاق الرأسمالي بدرجة أكبر عن عاتق الحكومة خلال هذه الفترة".

ويأتي برنامج الاستثمار المحلي السعودي فيما يظل الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة دون القدر المستهدف.

وبلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر العام الماضي 5.5 مليار دولار لكن الخطة التي أعلن ولي العهد السعودي خطوطها العريضة تتوقع تدفقات من الاستثمارات الأجنبية المباشرة تتجاوز 500 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة.

وقال صليبا من بنك أوف أميركا إنه حتى لو نحينا هذا جانبا، فإن تحقيق أهداف الاستثمار المحلي سيكون صعبا.

وقال "يبدو أن القسم الأكبر من برنامج الاستثمار سيضم القطاع العام بمفهومه الأوسع (مثل صندوق الاستثمارات العامة وأرامكو السعودية وسابك)، لكن تظل هناك فجوة تمويل".

وكان صندوق الاستثمارات العامة قال إنه يستهدف استثمارات سنوية بـ150 مليار ريال بين 2021 و2025.

وتمديد هذا المعدل حتى 2030 سيرفع استثمارات الصندوق الإجمالية إلى 1.5 تريليون ريال بين 2021 و2030.

وقال صليبا "يشير هذا إلى أن استثمارات صندوق الاستثمارات العامة ستحتاج لأن تصل إلى مثليها حتى تبلغ مستوى الثلاثة تريليونات ريال وهو هدف يبدو طموحا للغاية في تصورنا".

وقال الأمير محمد إن صندوق الاستثمارات العامة يعتزم التخارج من بعض حصصه في الشركات والمشاريع المحلية وإن أرامكو، التي أُدرجت في 2019، ستبيع مزيدا من الأسهم لدعم خزائن الصندوق.

ويمول صندوق الاستثمارات العامة نفسه عبر ضخ رأس المال من الحكومة وتحويل أصول حكومية والاحتفاظ بأرباح الاستثمارات ومن خلال الاستدانة.