في ظل تعثر جهود السلام..

تقرير: "هانس غروندبرغ".. رابع مبعوث أممي إلى اليمن منذ العام 2011

اختيار مبعوث ينتمي للاتحاد الأوروبي يحمل رؤية الاتحاد للحل في اليمن

صالح البيضاني
كاتب وباحث وسياسي يمني، عضو مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، عضو الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
واشنطن

في مشهد بالغ التعقيد وفي ظل مسار سياسي معطل في بلد يعاني من آثار سبع سنوات من الحرب وأكثر من عقد من الأزمة المتصاعدة، أعلنت الأمم المتحدة رسميا عن تعيين الدبلوماسي السويدي هانس غروندبرغ مبعوثا خاصا إلى اليمن، خلفا للدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث الذي تم تعيينه وكيلا للشؤون الإنسانية للأمين العام للأمم المتحدة، بعد مهمة وصفت بالمتعثرة والفاشلة في حلحلة الملف اليمني وتمرير خطة شاملة لوقف إطلاق النار.

اختيار مبعوث ينتمي للاتحاد الأوروبي يحمل رؤية الاتحاد للحل في اليمن، يبدو اعترافا ضمنيا من قبل لندن وواشنطن اللتين كانتا تتوليان إدارة الملف، بتسليم الملف اليمني للاتحاد الأوروبي، ما يعني استمرار النهج غير الواقعي في التعامل مع الأزمة اليمنية خلال الفترة القادمة

ويأتي تعيين غروندبرغ كرابع مبعوث أممي إلى اليمن منذ العام 2011 في ظل تعثر جهود السلام في اليمن وفشل الجهود الدولية والأممية في إخراج خطة وقف إطلاق النار “الإعلان المشترك” إلى النور، نتيجة لرفض الحوثيين لها، مدفوعين بشعور من القوة الفائضة والقدرة على المضي قدما في مشروعهم العسكري لبسط سيطرتهم على البلاد، في منأى عن أي تسويات سياسية لا يلجأون لها عادة إلا في لحظات الضعف والانكسار، كما حدث في مراحل سابقة.

تعيين جاء، كما يقول مراقبون، كنتيجة مباشرة لفشل الضغوط المزدوجة التي قادها المبعوثان الأممي والأميركي إلى اليمن لدفع الجماعة المتمردة المدعومة من إيران للقبول بخطة تلبي بعض الاشتراطات القديمة التي ظل الحوثيون يشهرونها في المحافل الدولية وجولات الحوار.

ويعد اختيار مبعوث ينتمي للاتحاد الأوروبي ويحمل رؤية الاتحاد للحل في اليمن، اعترافا ضمنيا من قبل لندن وواشنطن اللتين كانتا تتوليان إدارة الملف، بفشل جهودهما لإحلال السلام، وتسليم الملف اليمني للاتحاد الأوروبي، ما يعني استمرار النهج الرومانسي وغير الواقعي في التعامل مع الأزمة اليمنية خلال الفترة القادمة.

وتحتوي السيرة الدبلوماسية لغروندبرغ قدرا مقبولا من الخبرة بالملف اليمني وتعقيداته، حيث عمل قبل تعيينه كمبعوث أممي إلى اليمن، سفيرا للاتحاد الأوروبي لدى اليمن منذ سبتمبر 2019، إضافة إلى امتلاكه سجلا دبلوماسيا طويلا في الشرق الأوسط، حيث عمل في العديد من البعثات الدبلوماسية السويدية وبعثات الاتحاد في الخارج، بما في ذلك توليه مناصب دبلوماسية في القاهرة والقدس، كما عمل رئيسا لقسم الخليج في وزارة الخارجية السويدية، وترأس مجموعة عمل الشرق الأوسط والخليج التابعة للمجلس الأوروبي خلال رئاسة السويد للاتحاد الأوروبي في العام 2009.

مسيرة أممية متعثرة

بات سجل اليمن حافلا بالتسويات الجزئية والاتفاقات الفاشلة والمسارات المعطلة التي قادتها المنظمة الدولية لدفع عربة السلام المعطلة في اليمن الذي يعاني من أزمة سياسية خانقة منذ العام 2011 تطورت إلى صراع محتدم ثم حرب مفتوحة في مارس من العام 2015.

وبدأت مسيرة التدخل الأممي في اليمن في أبريل 2011 مع تعيين المغربي جمال بنعمر مبعوثا إلى اليمن وهو ذات الشهر الذي أعلنت فيه دول مجلس التعاون الخليجي عن مبادرتها لحل الأزمة اليمنية التي نشبت عقب الاحتجاجات المطالبة برحيل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وامتد دور بنعمر بعد التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في نوفمبر 2011 ليشمل الإشراف الأممي على تنفيذ بنود تلك المبادرة.

أقرب الفرص لإحلال السلام في اليمن تعود لجهود الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ، بالنظر إلى الضعف العسكري والاقتصادي الذي كان يعتري الحوثيين في تلك الفترة، قبل أن يتراجعوا عن توقيع الاتفاق في اللحظات الأخيرة وفقا لإحاطة أدلى بها ولد الشيخ الذي أطلق الحوثيون النار على موكبه

وقد اتهم بنعمر على نطاق واسع في الأوساط السياسية اليمنية بأنه ومن خلال الغطاء الأممي الممنوح له، عمل على تنفيذ أجندة سياسية ساهمت في تخفيف العزلة المفروضة على الحوثيين من خلال زيارات قام بها لمعقلهم في صعدة، وصولا إلى دوره في التنسيق لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، والحرص على مشاركة الحوثيين فيه ومن ثم إشرافه على توقيع “اتفاق السلم والشراكة” عشية اجتياح الحوثيين لصنعاء، وهو الاتفاق الذي منح المشروعية للانقلاب الحوثي ومهد لاستكمال سيطرتهم على مؤسسات الدولة.

ومع انتهاء مسيرة بنعمر، عينت الأمم المتحدة الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوثا خاصا إلى اليمن، والذي تكللت مسيرته الدبلوماسية في اليمن بعقد مشاورات الكويت في العام 2016 التي استمرت قرابة المئة يوم وكانت بحسب مراقبين أقرب الفرص لإحلال السلام في اليمن، بالنظر إلى الضعف العسكري والاقتصادي الذي كان يعتري الحوثيين في تلك الفترة، قبل أن يتراجعوا عن توقيع الاتفاق في اللحظات الأخيرة وفقا لإحاطة أدلى بها ولد الشيخ الذي تعرض في وقت لاحق لرفض حوثي وصل حد إطلاق النار على موكبه ورفض استقباله في مطار صنعاء من قبل الجماعة الحوثية.

أما تعيين الدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث مبعوثا أمميا إلى اليمن في العام 2018 فقد مثّل مرحلة جديدة في جهود الوساطة الأممية، حيث عمل غريفيث وفقا لرؤية بريطانية تجاه الملف اليمني، بعيدا عن تأثيرات دول الإقليم التي كان لها دور ملموس في تحركات وجهود المبعوثين السابقين بنعمر وولد الشيخ.

واتسمت فترة غريفيث بالاتفاقات الجزئية التي لم تطبق على أرض الواقع  ومن أبرزها اتفاق السويد الذي وقع في ديسمبر 2018 بين الحكومة اليمنية والحوثيين وتسبب في إيقاف معركة الحديدة، وتلت هذا الاتفاق الشكلي جولات أممية عديدة ولقاءات حول ملفات جزئية لم يفلح خلالها غريفيث في تفكيك بعض تعقيدات الأزمة اليمنية التي أنهى مسيرته معها بتقديم خطة شاملة لوقف إطلاق النار واستئناف المشاورات السياسية حظيت بموافقة الحكومة اليمنية ودول التحالف العربي ودعم واشنطن والاتحاد الأوروبي، لكنها تعثرت نتيجة الرفض الحوثي المستند على التحولات العسكرية والسياسية التي شهدها الملف اليمني في الآونة الأخيرة.

تحديات هائلة

لا يبدو أن وضع المبعوث الأممي الرابع إلى اليمن سيكون أفضل حالا من سابقيه، بالنظر إلى حجم التعقيدات المحلية والإقليمية والدولية المتصلة بالملف اليمني التي سترافقه.

فعلى الصعيد المحلي يواصل الحوثيون تصعيدهم العسكري باتجاه مدينة مأرب، ونحو الأراضي السعودية التي يستمرون في استهدافها بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، مدفوعين بحسابات بعضها قائم على استثمار ضعف الحكومة الشرعية وتشتتها وارتباك المجتمع الدولي وخصوصا الأميركي تجاه الملف اليمني، إلى جانب حسابات أوسع مرتبطة بمصالح طهران وتعزيز حضورها في مفاوضات استئناف الاتفاق النووي التي تجري في فيينا.

ومما قد يزيد من صعوبة عمل غروندبرغ استنفاد الدول التي كانت تعد فاعلة في هذا الملف كل جهودها للضغط وتسوية الأرضية أمام الجهود الأممية والدفع بخيارات التسوية السياسية، وفي مقدمة ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين مارستا خلال الفترة الأخيرة من عمل المبعوث السابق غريفيث ضغوطا هائلة نجحت في انتزاع موافقة الحكومة اليمنية والتحالف العربي على خطة “الإعلان المشترك” التي أعدها غريفيث وخضعت لمراحل من التعديل، غير أن جهود الدولتين لم تفلح بعد ذلك في إجبار الحوثيين على الموافقة على الخطة، على الرغم من إشهار واشنطن بشكل غير مسبوق لسلاح العقوبات التي طالت قيادات عسكرية حوثية وشبكات لتمويل الجماعة ماليا مرتبطة بإيران وصولا إلى ضبط شحنات سلاح مهربة قبالة بحر العرب.

ومع قراءة التحولات السياسية اليمنية والإقليمية والدولية المحيطة بالملف اليمني، تبدو مهمة غروندبرغ متكئة في المقام الأول على رؤية حالمة لدول الاتحاد الأوروبي للحل في اليمن لا تنسجم مع المعطيات الحقيقية على الواقع، وهو ما يراهن عليه الحوثي كثيرا في استكمال مشروعه لفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض وملء الفراغ السياسي وكسب عامل الوقت في تعزيز مكاسبه السياسية والعسكرية، مع بروز مؤشرات على العودة بعجلة الجهود الأممية إلى الوراء، والبدء من نقطة الصفر في الأزمة اليمنية وعدم البناء بشكل جدي على جهود المبعوث الأممي السابق وخطته لإحلال السلام في اليمن التي رفضها الحوثيون بعد أن لبت مطالبهم الأساسية التي ظلوا يتذرعون بها لرفض أي تسوية سياسية والمتمثلة في فتح مطار صنعاء وتخفيف القيود المفروضة على ميناء الحديدة ووقف العمليات العسكرية التي باتوا يحصرونها في عمليات التحالف العربي لدعم الشرعية التي باتت العائق الرئيسي أمام استكمال سيطرتهم العسكرية على مأرب ومناطق يمنية أخرى.

--------------------------------

المصدر| العرب