بعد أكثر من عامين على تنحيه تحت ضغط الاحتجاجات الجماهيرية والجيش..

الموت يغيب الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة

رئيس تشبث بالسلطة حتى أسقطه الشارع

الجزائر

توفّي الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة الجمعة عن عمر ناهز 84 عاما، وسيحفظ التاريخ أنه نجح عندما وصل إلى الرئاسة في وضع حدّ لحرب أهلية دامية، لكنّه تشبّث بالسلطة لمدة عشرين عاما، إلى أن اضطرّ للتنحّي عنها مرغما بعد حراك شعبي عارم ضدّه دفع الجيش إلى طلب استقالته.

وبث التلفزيون الرسمي الجزائري قبل منتصف ليل الجمعة السبت بتوقيت الجزائر شريطا إخباريا نقل فيه عن رئاسة الجمهورية "وفاة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة"، الذي اشتهر اشتهرت عبارة بوتفليقة "أنا الجزائر بأكملها"، وكانت تدلّ على تحكّمه الكامل بالبلاد.       

ومنذ تنحّيه، كان بوتفليقة يعيش بعيدا عن الأنظار، في عزلة في مقرّ إقامته المجهّز طبّيا في زرالدة في غرب الجزائر العاصمة. وتولّى الرئاسة في 1999 بينما كان البلد ممزّقاً بحرب أهليّة. ثمّ أعيد انتخابه في 2004 و2009 و2014.

في 2019، ترشّح لولاية خامسة رغم مرض كان أقعده قبل ستّ سنوات، ولم يعد قادراً على الكلام.وأصبح سقوطه حتميًّا بعد أسابيع من التظاهرات الحاشدة ضدّ الولاية الخامسة. وأعلن تنحّيه بعد أن طلب منه الجيش الذي دعم وصوله إلى السلطة الاستقالة.

من حرب الاستقلال إلى الحكم

انضم بوتفليقة إلى حرب الاستقلال ضد فرنسا في سن التاسعة عشرة تحت رعاية القائد بومدين الذي أصبح رئيسا عام 1965. وبعد الاستقلال أصبح بوتفليقة وزيرا للشباب والسياحة وهو في الخامسة والعشرين من عمره. وفي العام التالي عين وزيرا للخارجية.

وأصبح بوتفليقة أول وزير خارجية جزائري وشخصية مؤثرة في حركة عدم الانحياز بعد استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962. ودعا كرئيس للجمعية العامة للأمم المتحدة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية عام 1974 في خطوة تاريخية نحو الاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية.

كما طالب بمنح الصين مقعدا في الأمم المتحدة، وانتقد حكم الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. ودافع بوتفليقة عن دول ما بعد التحرر من الاستعمار وتحدى ما اعتبره هيمنة الولايات المتحدة.

واستقبل أيضا شي جيفارا كما تلقى الشاب نيلسون مانديلا أول تدريب له في الجزائر. وتم منح إلدريدج كليفر، القيادي في حركة الفهود السوداء الذي كان هاربا من الشرطة الأمريكية، حق اللجوء.

وفي أوائل الثمانينات ذهب إلى المنفى بعد وفاة الرئيس السابق هواري بومدين واستقر في دبي حيث أصبح مستشارا لأحد أفراد الأسرة الحاكمة في الإمارة. ثم عاد إلى الوطن في التسعينات عندما كانت الجزائر تشهد حربا بين الجيش ومتشددين إسلاميين مسلحين أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 200 ألف قتيل.

هاجس الاحتفاظ بالسلطة

وقال عنه الصحافي في مجلة "جون أفريك" الفرنسية فريد عليات الذي وضع كتابا عنه "كل حياته، كان لديه هاجسان: الحصول على السلطة والاحتفاظ بها بأي ثمن".

وكان "بو تف" كما يسميه الجزائريون لعب دورا كبيرا في إعادة السلام إلى الجزائر بعد وصوله إلى الرئاسة، إثر حرب أهلية استمرت عقدا من الزمن وأوقعت قرابة مئتي ألف قتيل. إذ أصدر في سبتمبر 1999، أوّل قانون عفو عن المسلحين الإسلاميين الذي كانوا يقاتلون القوات الحكومية ونُسبت إليهم جرائم واسعة، مقابل تسليم أسلحتهم. وأعقب ذلك استسلام آلاف الإسلاميين.

بعد انطلاق ما عرف بـ"الربيع العربي" في عدد من الدول العربية، استبق بوتفليقة العاصفة عبر رفع حال الطوارئ التي كانت معلنة في البلاد منذ 19 عاما، ورفع الأجور مستفيدا من عائدات النفط في البلاد الغنية بالموارد النفطية.

لكنّ الوضع الاقتصادي بقي سيّئا والبطالة مستشرية لاسيّما بين الشباب، ما ساهم في تغذية الاحتجاجات ضده عندما قرر الترشح لولاية خمسة، وهي خطوة اعتبرتها شريحة واسعة من الجزائريّين "احتقارا لهم".

منذ 2013، تاريخ إصابته بجلطة دماغية وحتى تاريخ تنحّيه، أدخل المستشفى مرّات عدّة، وانتقل أكثر من مرة إلى فرنسا للعلاج. وسرت شائعات عن موته مرات عديدة.

وقدّم ترشيحه إلى الولاية الخامسة في الثالث من مارس 2019، بينما كان يُجري في سويسرا فحوصا طبية. وتخلّل فترة حكمه أيضا قمع دام لحركة احتجاج في منطقة القبائل في العام 2001، وفضائح فساد.

وتمتّع أفراد من عائلته بنفوذ قوي خلال حكمه.

في 25 سبتمبر 2019، قضت محكمة عسكرية بالسجن 15 عاما على سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق ومستشاره النافذ، ورئيسين سابقين للمخابرات ومسؤول سياسي، بتهمة "التآمر ضد سلطة الدولة".

في يناير 2021، تمّت تبرئة سعيد بوتفليقة وبقيّة المشتبه بهم من تهمة التآمر، لكن سعيد بقي يُحاكم بتهمة الفساد. وبعد استقالة بوتفليقة، أجريت تحقيقات بشبهات فساد فُتحت على أثرها محاكمات عدة.

وفي 12 ديسمبر 2019، فاز عبد المجيد تبون الذي سبق أن تولّى مناصب رسمية في عهد بوتفليقة، بالانتخابات الرئاسية التي قاطعتها المعارضة واتّسمت بنسبة امتناع مرتفعة (أكثر من 60%).

ورفض الحراك الرئيس الجديد، معتبرا إيّاه من مكوّنات نظام بوتفليقة. وقرّر مواصلة التظاهر، إلى أن منِعت التجمّعات بسبب تفشّي فيروس كورونا.

وفي السنتين الأخيرتين باتت القوى الأمنية تمنع أيّ مسيرة في العاصمة وفي مدن أخرى، فيما سجّلت موجة اعتقالات واسعة في كلّ أرجاء البلاد.

وتقول الرابطة الجزائريّة للدفاع عن حقوق الإنسان إنّ هناك قرابة مئتي سجين في قضايا الحراك والحريات الشخصية في الجزائر.