قصة قصيرة..

المضيفة الحسناء

فتاة حسناء تنظر من نافذة الطائرة المحلقة في السماء - أرشيف

د. علوي عمر بن فريد
كاتب وباحث تاريخي جنوبي يكتب لدى صحيفة اليوم الثامن

"ناصر" شاب في الخامسة والعشرين من العمر، فارع الطول، حنطي البشرة، وسيم الطلعة، أنهى دراسته الجامعية وتم تعيينه في وظيفة حكومية في نفس المدينة النائية التي تربى ونشأ فيها، وكان يقضي الإجازة في "جدة" عند بعض أقاربه هناك..
الحياة مختلفة وشتان بين جدة ومدينته الصغيرة التي تقع على أطراف الصحراء، الفرق بينهما شاسع للغاية ، لقد استمتع كثيرا في الإجازة بما شاهد من حياة المدن المتطورة وعندما حان موعد سفره اتجه في الصباح الباكر مسرعا في سيارة ابن خاله "احمد" الذي أصر أن يوصله بنفسه إلى المطار وحاول إقناعه بالرجوع عند البوابة الرئيسية لمبنى المطار إلا أن أحمد أصر أن يدخل معه حتى إلى صالة الركاب وتوادعا أمام رجال أمن المطار وافترقا.
دخل ناصر إلى البوابة الأخيرة ووضع حقيبته الصغيرة وساعته وخاتمه وأقلامه والأدوات المعدنية الأخرى في صندوق بلاستيكي وحاول العبور تحت بوابة التفتيش ولكن رجال الأمن أعادوه مرة أخرى وبعد 3 محاولات اجتاز البوابة وذهب مسرعا للحاق بركاب الطائرة الذين تجمعوا في أوتوبيسين كبيرين لنقلهم إلى باب الطائرة.. ثم أخذ دوره في طابور طويل وأخذ يصعد السلم درجة درجة، وعلى باب الطائرة قابله مضيفان شاب وفتاة وأخذا يرحبان ويبتسمان للركاب.
تعلقت عيناه بالمضيفة الحسناء وتسمر مكانه أمامها وتوقف الطابور الطويل لثوان وهي تحدق فيه وتبتسم له.. وشعر بانقباض في يده وخدر يسري فيها وتسارعت نبضات قلبه وتحركت قدماه إلى الأمام داخل الطائرة وشق طريقه بين المقاعد حاملا كرت الصعود أخذ يتفحص رقم مقعده وينظر إلى أرقام الكراسي.. ومر بجوار شاب آخر من المضيفين وأشار له إلى الخلف فواصل سيره حتى استقر في مقعده بجوار جناح الطائرة.
انسابت حركة الركاب وأخذ الجميع مقاعدهم رغم أن بعض الكراسي بقيت فارغة دون ركاب..
أخذ يتطلع أمامه لعله يرى تلك المضيفة الحسناء الفاتنة التي قابلته بابتسامة جميلة عند مدخل الطائرة.. ومرت دقائق معدودة، وإذ هي نفسها تتجه إلى مؤخرة الطائرة وهو يتفحصها وعيناه تحدقان فيها ، يا إلهي.. جمال وسحر وفتنة لا تقاوم، ورشاقة في الجسم وتناسق في القوام، بيضاء البشرة موردة الخدين وشعرها الكستنائي ينسدل على كتفيها كالحرير وخصلاته تتطاير فوق وجهها انها آية في الجمال.. وأخذت تسير على الممر حتى وقفت بجواره و طلبت من الركاب ربط الأحزمة، وكان أمامه رجل عجوز وزوجته وقامت بمساعدتهما في ربط الأحزمة وكانت فرصة ليتأملها عن قرب ويشبع ناظريه منها وتمنى أن تبقى في الجوار أطول فترة ممكنة.
استدارت نحوه وتفرست في وجهه من جديد والابتسامة تعلو وجهها، وتخاطبه بصوت ناعم: اربط الحزام من فضلك !! وانتبه لصوتها وكان شارد الذهن كأنه منوم مغناطيسيا ولاحظت شروده وابتسمت بدلال أكثر وانصرفت إلى غيره، وارتعشت يداه وهو يتناول حزام المقعد يريد أن يربط الحزام على وسطه، ويبلع ريقه بعد أن جف حلقه..
وقال في نفسه يبدو أنها مهتمة بي وقد لاحظت نظراتي لها، إنها فتاة أحلامي التي طالما حلمت بها وانتظرتها طويلا، هكذا خيل له ثم حدث نفسه وشجعها على ذلك وعاش في حلم جميل.
أخذت الطائرة تتحرك على المدرج رويدا رويدا وعادت المضيفة وانتصبت في مقدمة الطائرة تشرح للركاب وسائل السلامة عند الإقلاع والهبوط على صوت زميلها الذي يأتي عبر ميكروفون الطائرة.
وناصر يتابع حركتها أثناء الشرح، وبعد قليل اختفت في مقصورة ركاب الدرجة الأولى حيث كانت الطائرة تستعد للإقلاع.
انطلقت الطائرة مسرعة على أرض المدرج وصوت محركاتها يهدر و يزداد قوة ثم ارتفعت عن المطار وحلقت في السماء، أخذ ناصر يقرأ قصار السور من القرآن الكريم ليطمئن نفسه وهو يبتعد عن الأرض التي أخذت الأحجام تصغر كلما ارتفعت الطائرة في السماء والخوف يلازمه عندما كان يشاهد اشارات ربط الحزام وممنوع التدخين بالأضواء الحمراء مرسومة فوق مقاعد الركاب..
عشر دقائق مرت بطيئة ثقيلة كالدهر، وبعدها أطفأ كابتن الطائرة تلك الإشارات الحمراء وأعلن المضيف الجوي أنه بإمكان الركاب التجول داخل المقصورة إذا لزم الأمر.
ها هي الحسناء تطل من جديد وفي يدها سلة كبيرة مملوءة بأنواع السكاكر والشوكلاته يتبعها زميلها يدفع عربة بيضاء أمامه وفيها أشكال عديدة من أدوات الزينة والعطور ، أخذت المضيفة تمد السلة أمام كل راكب ليأخذ منها ما يشاء.
حدث نفسه وقال: لا بد أن أكلمها، أصارحها، ولكن يعود ويسأل نفسه كيف يبدأ؟
أخذت تقترب منه وهو يفكر، وهداه تفكيره إلى أن يكتب لها ورقة صغيرة قصاصة ورق، يشرح لها ما في نفسه، وسرعان ما تناول الورقة والقلم وكتب لها رسالة غرام قصيرة جدا فيها عبارات جميلة حالمة، كورها بسرعة، اقتربت منه وهي تبتسم بادلها الابتسامة وشكرها وهي تناوله السلة ومد يده وقد أخفى بين أصابعه تلك القصاصة، وأخذ قطعتين من الشوكولاته ودس لها القصاصة المدورة وسط السلة.
أخيرا ستصل رسالته إليها، انتقلت إلى غيره وهكذا قال في نفسه الحمد لله ستقرؤها ولا بد أنها ستعرف مشاعره نحوها.
مرت بجواره وهي تبتسم فرحة منطلقة واختفت من جديد في الدرجة الأولى، أخذ يقلب الأمر يا ترى ماذا سيكون رد فعلها نحو رسالته هل ستمزقها؟ أم تهملها.. هل سترد عليه؟ أسئلة كثيرة كانت تدور في ذهنه ولكن الشيء الذي أزعجه أنها ربما تطلع زملاءها عليها وقد يسخروا منه.. أو ربما يوبخونه على فعلته تلك، وأخذ يقول لنفسه لا شك أنها لديها الشعور نفسه والحرمان، والإعجاب نفسه والمحبة، أخذ يقلب الأفكار في نفسه ولا يجد جوابا، أقنع نفسه بالصبر والانتظار.
وبعد غياب نحو عشر دقائق عادت مع زميل لها يدفع بعربة أمامه وهي تمشي خلفه وتخرج منها وجبات إفطار للركاب توزعها بيديها الجميلتين، كانت عيناه ترصدان تحركاتها، عيناها، شفتاها، قوامها الجميل، وهي تقترب منه شيئا فشيئا، وقد لاحظ شيئا غريبا عند عودتها. لقد وضعت طبق الشوكولاته فوق العربة من جديد نعم.. إذن لقد عرف سر عودتها، لا شك أنها ردت على رسالته ووضعت الرد في الطبق نفسه، اقتربت منه وهي تبتسم وناولته طبق الإفطار، وضعه أمامه، وعيناه تنظران إلى طبق الشوكولاته ثم أشار لها بيده وسرعان ما فهمت إشارته ومعناها ومدت له بالطبق وفرح كثيراً.. نعم لقد جاء الرد على رسالته وهي تقول: تفضل، تفضل، تفحص الطبق وشاهد قصاصة مدورة وقال في نفسه لقد جاء الرد، أخذها بسرعة والفرحة تملأ عينيه، وواصلت توزيع الإفطار مع زميلها مبتعدة عنه وعلى الفور والشوق يحرقه وقلبه ينبض سريعا ويكاد يطير فرحا، فتح القصاصة وقرأ عبارات الحب الجميلة بداخلها، ولكن سرعان ما خاب ظنه، لقد كانت نفس الورقة التي كتبها عادت إليه، ولم تقرأها أبدا.