قصة قصيرة..

أيام ممطرة

لازال  المطر يتدفق بقوة .. والرياح تضرب النوافذ

أحمد الجعشاني

تسللت إلى غرفتي ..  قطرات من ماء المطر البارده .. حتى ايقظتني .. كان هطول المطر غريزا .. وصوت الرعد والرياح كان مرعبا.. مما اثار الخوف في نفسي...لا زلت أخاف من صوت الرعد. منذو كنت صغيرا .. ولكني احب المطر ... و منظر المدينه بعد المطر..ارى البيوت والاشجار.. كأنها تتزين حين يلبسها المطر.... فتبعث الانشراح في الصدر..والرغبة في الخروج الى الحدائق.. والاماكن المطلة على البحر .. المطر يتساقط بغزارة على البحر .. منظر جميل وساحر وفيه من إلاثارة .. كم كنت اعشق البحر ...  كنت صغيرا حين احتضني البحر .. خلف مدرستي .. كان البحر .. وكثيرا ما كنت اركض من مدرستي الى البحر .. نلعب على ذرات الرمل الناعمه والمبتلة .. وطرشات الموج تبلل ملابسنا .. كان البحر ملاذنا للهو .. كنت أجد في  البحر مكان ابوح فيه اسراري .. اتنفس  أحلامي.. حتى الأشياء الصغيره .. التي  غابت عن ذاكرتي .. كان البحر يجمعها من شتات الماضي  .. استلذ الجلوس امامه منفردا .. يحلق خيالي الى ذلك الفضاء البعيد ..

 
لازال  المطر يتدفق بقوة .. والرياح تضرب النوافذ  
تحركت من سريري .. إلى النافذة المفتوحة.. فلامستني قطرات من ماء المطر من النافذه المفتوحه..كانت الاشجار تتهاوى من العاصفه .. والمطر ينساب بين أغصانها..والطيور تختبئ من المطر ..فهي تعرف كيف تختبئ ..مثل الكلاب والقطط  الكل يختبئ .. تحت مظلة تحميه من المطر ..مازال المطر ينزل بكثافة..كأن السماء تذرف دموع الغضب ..


  تملكتني الرغبة والحنين إلى الماضي..انه حنين وشوق.. ومشاعر تتدفق الى تلك الليالي الممطرة في عدن ..لانستطيع التخلص من الماضي.. كم كنت اتمنى أن يعود الزمن ..إلى الوراء..الى الاماكن وهي في مكانها..الى البيت القديم.. والحارة العتيقة.. والساحة  التى كنت نلعب فيها ..

كان المطر ينزل علينا من ثقوب السقف المتهالكة ..فتسرع امي بجلب الاوعيه.. من أواني  المطبخ وقدور تضعها تحت المطر ..حتى لاتبتل ارض غرفتنا الصغيره.. وتسحب الفرش والوسائد من تحت أجسادنا.. ننهض من النوم.. ونساعد امي في نقل الماء من الاواني الممتلئة..و ابي يطلع ضهر السقف المتهالك ليفتح سارية الماء.. كان المطر يوم صعب و شاق لابي وامي.. بينما نحن نفرح حين ينزل المطر..  كنا صغار. نركض تحت المطر .فوق الأرض المبتلة والوحل.. فتنزلق أقدامنا في الوحل. وتتسخ ثيابنا المبللة بالمطر..وفي الساحة القريبه منا. تتشكل برك  الماء الراكدة .. فتصبح مسابح..نعوم  فيها .. ونصنع من الطين في الوحل المبتل. العاب كثيره نلهو بها..كنا سعداء بالمطر..مثل أهل القرى يفرحون بالمطر فهو غيث السماء الذي يمنحهم السعادة..يدعون ربهم طمعا في نزول المطر..وآخرون في المدينه يدعون ربهم خوفا من المطر .. هي ايام من حياتنا  تتوالى مابين السعادة والخوف. .
لازال الليل طويل .. والمطر يثير العواطف الجامدة.. والمشاعر المخبئة.. فهيا لازالت في قلوبنا..احاسيس نفتقدها مع تزاحم الايام..احس الان برغبة بالاحتضان..ولحظات العناق ورغبة الاحتواء ..ابحث عن الدفئ في ليالي الشتاء البارده..قبل قدوم  الخريف في محطة الفصول الاخيرة ومراحل العمر الباقيه ..وقد يتوقف المطر..وتذبل الأغصان في الشجر..وتهاجر الطيور إوكارها..بحثا عن الربيع في مكان اخر..لكني ساظل اعشق الشتاء.. فهو يمنحني الدفئ تحت لحاف الذكريات ..وحنين  الايام الممطرة.. ساحتمل صوت الرعد ولهيب الصواعق.. فالمطر يضفي لي حياة اخرى نعيشها رغم قسوة البرد في الشتاء.. فالمطر يطفئ لوعة الهجران..وفقدان الأمل..وحلم العودة.