العمالقة الجنوبية تقلب الموازين..

تقرير: "الهجوم على أبوظبي".. خطأ استراتيجي يغير مسار حرب اليمن

الإمارات تمتلك قوات حقيقية على الأرض قادرة على تغيير موازين الصراع.

أبوظبي

اعتبر مراقبون سياسيون الهجوم الحوثي على الإمارات وتوسيع دائرة التوتر في المنطقة خطأ استراتيجيا سيغير مسار الحرب اليمنية على الصعيد العسكري والسياسي والدبلوماسي وسيسهم في تحجيم الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران وفرض عقوبات اقتصادية عليها من قبل المجتمع الدولي.

وقال المراقبون إن الإمارات التي استهدفها المتمردون تختلف عن أيّ جهة أخرى في الملف اليمني، فهي تمتلك قوات حقيقية موالية لها على الأرض هي ألوية العمالقة التي نجحت في قلب موازين القوى بمجرد انضمامها للمعارك في شبوة ومأرب، وهي القوات التي نجحت في إظهار تهاوي الشرعية اليمنية بمختلف مكوناتها، وخاصة حزب الإصلاح الممثل للإخوان المسلمين.

وتعرض الحوثيون إلى موجة غير مسبوقة من الإدانات الدولية بعد تنفيذهم هجمات على دولة الإمارات، في ظل مؤشرات متزايدة على إمكانية إدراجهم مجددا على قائمة المنظمات الإرهابية من قبل الإدارة الأميركية ودول غربية أخرى باتت تلوّح بمراجعة سياساتها تجاه الجماعة الحوثية.

وشهدت الأيام القليلة الماضية تحولا لافتا في مسار المواجهات العسكرية بعد تحرير مديريات شبوة الثلاث؛ بيحان وعسيلان وعين، كما انتقلت المواجهات إلى محافظة مأرب حيث تمكنت قوات العمالقة الجنوبية التي تدعمها الإمارات من تحرير مديرية حريب والتقدم باتجاه مديريات أخرى يعتقد خبراء عسكريون أنها على موعد مع التحرير من قبضة الميليشيات الحوثية.

ويشير خبراء استراتيجيون إلى مأرب باعتبارها حجر الزاوية في معركة تحجيم الحوثيين حيث بدأت المواجهات منها في مارس 2015 وتحولت إلى قاعدة لتحرير محافظات ومناطق مجاورة لها مثل الجوف والبيضاء ونهم قبل أن تخسر الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا هذه المناطق المحررة بسبب تفشي الفساد وسوء الإدارة في الجيش الوطني اليمني وبسبب حسابات سياسية خاصة لبعض القوى المهيمنة على الشرعية.

وفي تصريح لصحيفة العرب الدولية حول آخر تطورات المواجهة العسكرية في محافظة مأرب قال الباحث السياسي اليمني عبدالوهاب بحيبح إن قوات العمالقة حققت تقدما استراتيجيا جديدا بعد استعادة مديرية حريب جنوبي مأرب، وذلك بعد ساعات من استكمالها السيطرة على الحجب مركز مديرية عين بمحافظة شبوة، وبذلك تم تأمين مديرية عين تماما وأصبحت حريب محررة بالكامل.

وأشار بحيبح وهو من أبناء مأرب إلى أن هذا التطور الميداني المتسارع لقوات العمالقة أتى نتيجة لاستراتيجية عسكرية ناجحة نفّذتها بمباغتة الميليشيا الحوثية من الاتجاه الشرقي الجنوبي من خثردة ومبلقة نزولا على عين ووصولا إلى مركزها الحجب، وتوجهت شمال غرب للسيطرة على مدفون وقرن عبيد وجبل الحقيل المطل على الوسيعة ومركز مديرية حريب من الجهة الجنوبية، مع التحرك الموازي من الشرق والشمال.

ولفت بحيبح إلى أن خيار توسيع الهجوم من قبل قوات العمالقة من عدة محاور جاء كنتيجة حتمية وذلك للحفاظ على أرواح المدنيين الذين استخدمتهم الميليشيا دروعا بشرية، حيث نجحت استراتيجية العمالقة في تحقيق النصر وإلحاق هزيمة ساحقة بالميليشيا وإبعاد حريب المكتظة بالسكان عن ويلات الحرب والدمار، كما أن هذا التكتيك العسكري الناجح وضع الميليشيا أمام طوق عسكري أفقدها التوازن وسرّع من سقوطها.

وتابع “هذا التقدم الاستراتيجي في حريب نقل المعارك إلى عقبة ملعاء التي تعد بوابة لتحرير مديرية الجوبة”، متوقعا أن “تتجه المعركة القادمة إلى مديرية الجوبة نظرا لموقعها الاستراتيجي، فهي تعد مفتاحا لمدينة مأرب، كما أنها تجاور مديرية الوادي وأيضاً مديريات جبل مراد ورحبة وحريب ومنها سيتم التوجه إلى تحرير ماهلية وقانية والعبدية نظرا لوجود الخط الرئيسي الدولي الرابط ما بين مأرب والبيضاء”.

واعتبر باحثون ومحللون سياسيون التحرك المتسارع في جبهات مأرب جزءا من استراتيجية جديدة لمواجهة الحوثيين واستعادة مناطق واسعة سيطروا عليها في الأعوام الأخيرة نتيجة أخطاء الجيش الوطني اليمني.

وسرّعت مهاجمة الحوثيين لدولة الإمارات من استراتيجية التحالف الجديدة في مواجهة الحوثيين عسكريا وسياسيا، في حين أكد مراقبون للشأن اليمني أن الميليشيا المرتبطة بإيران ارتكبت واحدا من أكبر أخطائها الاستراتيجية التي ستنعكس عليها في الفترة المقبلة على كافة الأصعدة.

وقال الباحث السياسي اليمني سعيد بكران إن الحوثي هاجم أبوظبي لأنه ليس أمامه إلا هذا الفعل الانتحاري في محاولته لمنع الإمارات من إعادة صياغة المشهد العسكري، مشيرا إلى أن الحوثي يدرك جيدا أن الإمارات تعمل في الميدان بآليات مختلفة وجديدة هو غير قادر على اختراقها أو التصدي لها.

وتابع “لكن هذه الخطوة الانتحارية أعطت نتائج عكسية وأظهرت تصميما إماراتيا واضحا على المزيد من العمل عسكرياً ودبلوماسيا وسياسياً لسحق الجماعة وإزالة خطرها”.

واعتبر بكران أن الحوثيين أخطأوا في حساب قرارهم خوض مواجهة مباشرة مع الإمارات “كون الإمارات ملتقى مصالح العالم ونقطة تلاقي الحضارات وأيّ تهديد لها ولأمنها هو تهديد للمجتمع الدولي بأسره”.

من جهته، أشار المحلل العسكري اليمني وضاح العوبلي إلى أن “قيام الحوثيين بارتكاب أعمال إرهابية تثبت مدى تخبطهم، وحجم ما يشعرون به من انهزامية أفقدتهم صوابهم، فلجأوا لاستهداف الأعيان المدنية في أبوظبي، وهم بهذا كمن يلف حبل المشنقة حول عنقه”.

وحول نتائج وانعكاسات استهدافهم لدولة الإمارات، أضاف “مما لا شك فيه أن الحوثيين ارتكبوا خطأً استراتيجيا سواء على المستوى العسكري أو على المستوى السياسي، وهم بهذا وفروا كل العوامل والمرتكزات التي تجعل المجتمع الدولي يدرك حقيقتهم الإرهابية، بعد عام كامل من الدلال وغض الطرف الأميركي”.

وأكد العوبلي أن التصعيد الحوثي باتجاه الإمارات ساعد في إنضاج موقف إقليمي ودولي برزت أولى نتائجه من خلال الإجماع الذي حظي به قرار مجلس الأمن لإدانة الأعمال الإرهابية التي ارتكبها الحوثيون باستهدافهم للأعيان المدنية في أبوظبي، وكذلك الإجماع في الجامعة العربية وهي المرة الأولى التي يحدث فيها إجماع عربي بهذا المستوى من دون أيّ اعتراض أو تحفظ من أيّ دولة.

وفي ذات السياق، وصف الباحث السياسي اليمني ماجد الداعري مهاجمة الحوثيين للإمارات بأنها بمثابة تجاوز الخطوط الحمراء للمصالح الدولية، كون الهجوم سيضع الحوثيين لا محالة على قائمة العقوبات الدولية وإعادة تصنيفهم كجماعة إرهابية كون الإمارات تمثل مصالح دول كبرى.

وتوقع الداعري أن تشهد الفترة المقبلة تشديدا للقبضة العسكرية في مواجهة الحوثي ومضاعفة العزلة الاقتصادية عليه كون الهجوم يستهدف المصالح الدولية وليس الإمارات بحد ذاتها، وهو ما يعدّ مغامرة غير محسوبة النتائج يمكنها أن تستدعي تدخّل دول كبرى في تكثيف الغارات الجوية ودعم القوى الوطنية المناهضة للحوثي عسكريا وسياسيا.

----------------------------------

المصدر| العرب