تأليف محمد هشام عبية..

"بطلوع الروح" مثال جيد في دراما الموسم الرمضاني الفائت

مسلسل "بطلوع الروح".. كوادر باذخة لخراب البشر والحجر

وكالات

إذا كانت الدراما هي ”الحياة منقوص منها عنصر الملل“، كما يراها المنتج والمخرج الإنكليزي ألفريد هيتشكوك، فإن مسلسل ”بطلوع الروح“، تأليف محمد هشام عبية، وإخراج كاملة أبو ذكري، هو مثال جيد في دراما الموسم الرمضاني الفائت.

المسلسل مبني على قصة حقيقية، مشغولة بحرفية عالية على صعيد النص والإخراج وبقية العناصر الدرامية.

ويحكي العمل قصة ”روح.. منة شلبي“، و“أكرم.. محمد حاتم“، مصريي الجنسية، ولهما ابن وحيد، وتتخلخل سعادتهما بسبب بضعة اتصالات مريبة يجريها ويتلقاها الزوج، جعلت الزوجة تتشكك في مضمونها، ما يُقلقها ويجعلها في حيرة كبيرة من أمرها رغم حبها الشديد لأكرم.

    ويقترح عليها زوجها إجازة في تركيا ليعيدا التوازن إلى حياتهما، لكن روح تكتشف أن تلك الرحلة ناجمة عن اتفاق بين أسامة وصديقه المقرب ”عمر.. أحمد السعدني“، الذي يساعد زوجها ويقوم بالترتيبات اللازمة لتنسيبه إلى تنظيم داعش في العراق وسوريا، بوصفه مجاهداً.

    ويمضي بعض الوقت لتجد روح نفسها في مدينة الرقة السورية التي ظلت لسنوات تحت حكم داعش، خاصةً بعد اختطاف ابنها الوحيد، وإجبارها على الالتحاق بالمعسكر الداعشي.

    الجميل في الحلقات الخمس عشرة للمسلسل، هو تقنية الـ“تيزر“ التي اتبعها الكاتب في مقدمة كل حلقة ليضعنا في ماضي الأحداث، ومنها عرفنا أن عمر كان زميلها في الجامعة، وكان قد أحب روح، لكنها استهانت بحبه، فجذب زوجها ليصير مجاهداً كنوع من الانتقام منها.

    وبتقنية الإرجاع إلى الخلف، نكتشف أن عمر هو الرجل الثاني في دولة الخلافة بعد أبو جهاد، لذا استطاع توريط صديقه أكرم بالمشاركة في إحدى العمليات العسكرية التي يموت فيها، علَّه يستطيع بعدها الاستحواذ على حبيبته السابقة، ولكن هذه المرّة بقوة ”الشرع الجديد“.

    وتدخل نساء الجهاديين عنوة إلى مكان مليء بالأرامل ليقضين فترة ”العدّة“، قبل أن يتم توزيعهن على مجاهدين آخرين، عملاً بالشريعة التي يطبقها داعش في الرقّة.

    في هذه الأثناء، يُقتل أبو جهاد بانفجار لابتوب مفخَّخ، لكن ”زوجة الأمير وقائدة لواء الخنساء.. إلهام شاهين“ المرأة الشهوانية، القاسية، لم تنضم إلى نظيراتها من الأرامل، بل على العكس، عرضت الزواج على عمر.

    وفي تصعيد آخر لسيرورة الحكاية، تعلم أم جهاد بمحبة عمر لروح، فتعمل على إعدامها، بعد محاولتها الهرب من استراحة العدة، لينقذها عمر في اللحظة الأخيرة، معلناً إياها ”سبيّته“ وحلاله، بمعنى أنه ينتشلها من الموت، تاركاً أم جهاد في حالة من الهياج الشديد، لينتهي المسلسل بنجاح روح بالهروب من الرقة مع ابنها.

      هذه الدراما بشخصياتها المركبة، وأبعادها النفسية العميقة، والانقلابات في مصائرها، والتصعيد المستمر في الأحداث، جعل المشاهدين يندغمون معها، لا سيما أن المخرجة كاملة أبو ذكري باهتمامها بأدق التفاصيل جعلتهم من لحم ودم، والتصوير الذي تم في لبنان قارَبَ مناخات مدينة الرقة إلى درجة معقولة، ما وضع متابعي المسلسل أمام كوادر باذخة لخراب البشر والحجر.

      أضف إلى ذلك البناء الدرامي المتين للمسلسل ككل، والعناية بالتشويق في كل حلقة، والنَّفاذ إلى الأعماق الإنسانية لشخصيات مثل نساء داعش وخاصة شخصية لينا زوجة أسامة، والختام بالهرب من الإرهاب وظلمه وظلامه، كان مدروساً بعناية وواقعية.

      ولولا بعض الأخطاء التي لا تمر على المطلعين، لكان مسلسل ”بطلوع الروح“ هو العمل الأمثل، فمثلاً ارتدت نساء ”لواء الخنساء“ عُصبات على رؤوسهن تُمثِّل علم القاعدة وليس علم داعش، كما أن سُبحة أم جهاد مرفوضة في العُرف الداعشي، أضف أن استخدام توصيف الرسالات السماوية في إحدى خُطَبِها لا ينتمي إلى فقه تنظيم داعش في العراق وسوريا.