دروب «قافلة السلام» تصل إلى الولايات المتحدة ..

مؤتمر واشنطن يبحث «خريطة طريق» لترسيخ التسامح في العالم

مؤتمر واشنط لترسيخ السلام

وكالات

تواصلت أعمال «مؤتمر واشنطن» لليوم الثاني؛ برعاية «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» من أجل التوصل إلى خريطة طريق للتحالف بين الأديان في العالم؛ بغرض ترسيخ ثقافة التسامح وتعزيز السلم العالمي وحماية مستقبل البشرية. وانطلقت الفعاليات في فندق «ماريوت- جورج تاون» في واشنطن بحضور عدد كبير من رجال الدين والعلماء والأكاديميين والباحثين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني والمهتمين بصناعة ثقافة السلام من مختلف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الإسلامية والعالم. 

واستهل الجلسة الافتتاحية الشيخ عبدالله بن بيه رئيس «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، فرحب بالحضور، متوجهاً بالشكر للعلماء والقساوسة والحاخامات والأئمة على مشاركتهم بأعراس السلام، كما رحب بمحمد بن عبد الكريم العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي، وسفير الولايات المتحدة لحرية الأديان سام براون، ووزير خارجية فنلندا تام سوينك شوين، الذي يشارك في مؤتمر واشنطن بصفة رسمية، ممثلاً حكومة بلاده، وداعماً لنشاط قافلة السلام الأمريكية. وقدم الشيخ ابن بيه تصوراً أولياً لمرحلة ما بعد «مؤتمر واشنطن»، مؤطراً للصيغة التي يُفترض أن يقوم وفقها نشاط قافلة السلام، في ضوء ما تحقق من نتائج إيجابية، واقترح مرتكزات تؤسس لانطلاق «حلف الفضول الجديد» للتحالف بين الأديان والفلسفات معاً، وأن جوهر المشروع يقوم على أبعاد إنسانية على كل المستويات الأخلاقية والدينية.

وتحدث الشيخ ابن بيه عن دور «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» منذ انطلاقته الأولى قبل خمس سنوات، مؤكداً أن عمله يقوم على شقين: شق يبحث في ظاهرة العنف وجذورها، والآخر يقوم على المبادرات والتعاون مع الأصدقاء الباحثين عن السلام؛ دون أن ينفي بروز العديد من المشاكل الفكرية في الشق الأول، وخاصة في ما يتعلق بأسئلة مثل: هل الدين سبب ظاهرة العنف، أم العنف ناشئ عن عوامل أخرى، والدين وسيلة؟. إذن كيف نعالج تلك الدعوى؟. وكيف يكون الدين حلاً وليس مشكلة؟. وحين توجد دعوى مظلومية، هل السلم أولاً أم العدالة؟.

وفي إطار الإجابة عن تلك التساؤلات، قال الشيخ ابن بيه إن الظواهر في السلوك البشري، تعود إلى عوامل متعددة، منها ما هو موضوعي، وما هو ذاتي، ومنها ما هو حقيقي، وما هو وهمي. وهذا ما يجعل البحث متشعباً، هذا فضلاً عن تأثير خلفية الباحث أو المحلل الثقافية، التي تلعب دوراً مهماً في تحديد الأسباب، وهو ما يحتم سبرها مجتمعة، وفحص تأثيرها؛ لتحديد العامل الغالب فيها، الذي يفترض التركيز عليه بالمعالجة، ما يستدعي أن تكون الحلول مركبة، بمعنى أن تتلاقى جميع المقاربات في التفسير الصحيح للظاهرة. ذلك لأن العنف؛ كسائر أنماط السلوك والأفعال البشرية، هي كامنة في النفس قبل أن تظهر للعيان. من هنا يترتب على رجال الدين البحث في نصوصهم وتراثهم، للعثور على أسس التسامح والتعايش، التي يسهم إحياؤها في إرساء قيم الخير والسلام في النفوس، مؤكداً أنه يمكن التصدي لمروجي الكراهية، المتلبسين بلبوس ديني؛ بالرجوع إلى النصوص والتأويل المناسب لها.

وأضاف الشيخ ابن بيه: إن منتدى تعزيز السلم يقدم الرواية والرؤية، رؤية الإسلام في دعوته للسلام والتسامح، اعتماداً على النصوص، والتأويل الصحيح؛ بعكس الرواية المحرفة على يد الغلاة، الخارجين عن الضبط الديني والعقلي. مؤكداً أن هذا الانحراف ليس بجديد، وإنما هو وارث الحَرفية في الفهم والتأويل، من دون تعليل، والاجتزائية في الدليل، والوقوف على الفروع من دون أصول، والأخذ بالجزئيات وإهمال الكليات. وهذا ما نعمل على تفكيكه بالبحث والممارسة؛ بغرض التأكيد على أن الدين ليس سبباً للحروب ولا الكراهية، على الرغم من الأمثلة الأليمة في الماضي والحاضر، المطبوعة في الذاكرة الإنسانية. 

وتناول الشيخ ابن بيه مقولات فلاسفة التنوير، التي أقصت الدين، واعتبرته «أفيون الشعوب»، كما فعل ماركس، أو أبعدته عن الشأن العام؛ لأنه من دون سند عقلي؛ حسبما يعتقد ديفيد هيوم، أو إحلال الدين العملي كما في دعوة كانت، الذي استبعد الأديان التوحيدية، معتبراً إياها إيديولوجيات دوغمائية، ولا يمكن أن تكون أساساً للسلام. ولاحظ الشيخ ابن بيه أن الفيلسوف الألماني فريريك نيتشه كان أكثر بصيرة، عندما قال في كتابه «ما وراء الخير والشر»: «إن الذين أوجدوا القيم في البشرية قلة في التاريخ ومنهم موسى وعيسى ومحمد».