الرؤيا الأدبية..

المعرفة ونقد النص

محمد عابد الجابري: نظرية الأدب تبحث في إمكانية قيام معرفة ما بالنص الإبداعي

أزراج عمر

هل يمكن للنقد الأدبي أن يعمل بمعزل عن الجهاز المتمثل في مفاهيم ونظريات المعرفة أم أن ذلك أمر متعذر فعلا لأن ذلك  الجهاز يؤثر في تقرير مصير معمار نظرية الأدب وتطبيقاتها، وفي هذا الصدد يلاحظ المرء بروز منظرين في حقل النظرية النقدية يؤكدون أنَ وجود نظرية الأدب في صورتها الحديثة مشروط بالضرورة بالعلاقة التفاوضية التي تقيمها مع المفاهيم والنظريات الفكرية بما في ذلك المفاهيم والنظريات ذات المرجعية العلمية التي توظفه للكشف عن العوالم المضمرة للنصوص الإبداعية سواء كانت شعرا أو مسرحيات أو روايات الخ.

وإذا كانت نظرية المعرفة حسب تقدير الناقد الثقافي المغربي الراحل محمد عابد الجابري  “تختص بالبحث في إمكانية قيام معرفة ما عن الوجود بمختلف أشكاله ومظاهره”، فإن نظرية الأدب تبحث هي أيضا في إمكانية قيام معرفة ما بالنص الإبداعي باعتباره وجودا مستقلا عن منتجه من جهة، والنظر إليه كمقاربة فنية للعالم تتحدد مهمتها في السعي إلى تمثَل، أو اختراق، تعقيدات دراما الحياة وحوار الناس مع لغز الكون وعلاقاتهم الإنسانية ضمن دوائر شرطي الطبيعة والتاريخ من جهة أخرى.

إنه من غير المعقول استبعاد الوشائج التي تربط بين المعرفة الفلسفية والمناهج المشتقة منها وبين نظرية الأدب وكذا الرؤيا الأدبية والتجربة التي يحاول نص أدبي ما القبض عليها في مجتمع وعصر معينين.

لا شك أن النظرية الأدبية لا تقتصر على معالجة شعرية النص، أي الكشف عن الكيفية التي بمقتضاها تتجاور وتتحاور وتتفاعل العناصر المكونة لهذا النص الإبداعي أو ذاك كما أنها لا تختزل مهمتها في تأويل معناه أو دلالاته بل إن النظرية الأدبية تدرس الشفرات المعلنة والمضمرة لهذين القطبين من أجل إدراك بنية وفرادة ذلك النص الإبداعي.

وفي هذا السياق يمكن أن يحاجج المرء أن الروابط بين النظرية المعرفية في مختلف المجالات بما في ذلك مجال الموسيقى والفيزياء وبين النظرية الأدبية تلتقي على نحو إبداعي خلال تفعيل النظرية داخل طقوس العملية النقدية التطبيقية، أي عندما تدخل المفاهيم والنظريات المعرفية في الخدمة ضمن عوالم النصوص الأدبية.

فالمعرفة الفلسفية، مثلا، تبحث في شروط قيام المعرفة وفي الكيفيات التي يتم بها وفيها تحقق هذه الشروط وذلك لتعيين الطرق التي تؤدي إلى بناء التجربة الفكرية والمعرفية، أما النقد  الأدبي الذي يستلهم النظريات المعرفية فهو عملية بناء وحدة المعنى والشكل، أو لنقل بناء المعمار الفني المنتج للمعنى.

في هذا الخصوص يمكن لنا أن نتأمل التوظيف المثمر الذي قام به إدوارد سعيد لمفهوم “الطباقية” الفني الذي استعاره من الموسيقى لنقد الرواية الغربية الكولونيالي ولمفهوم “الهجنة” الذي اقترضه من علم الأعراق والسلالات لدراسة التناص بين الهويات الثقافية في العالم ما بعد الكولونيالي.