ناقد يمني يكشف..

"الأدب النسائي".. النسوية ليست الأنثوية

نساء تمردن على سلطة الذكورة (لوحة للفنان صفوان دحول)

فيصل عبدالحسن

في كتابه “الرواية النسوية العربية.. مساءلة الأنساق وتقويض المركزية” قام الباحث اليمني عصام واصل بتفكيك الكثير من الإشكاليات المتعلقة بالأدب النسوي في المدونة العربية، مقدما أجوبة حول تساؤلات عديدة ارتبطت بهذا الأدب وجنس كاتبه.

نساء كاتبات

 عمد الكاتب إلى اختيار أعمال سردية اتخذت من مناهضة العنف الذكوري والاضطهاد الاجتماعي مادة أساسية لها. وبدأ تحليله معتمدا النظرية النسوية التي استمدت وجودها من فرضية جوهرية مفادها أن المرأة ــ في إطار علاقتها بالرجل ــ تتعرض دائما للعنف والتهميش والتدجين وسلب الهوية، فتسعى للتمرد ومناهضة النظام الأبوي.

واعتبر واصل أن تمرد المرأة على سلطة الذكورة يعيد لها التوازن المفقود في علاقتها بالرجل، ويجعل لها قضية، فحاولت الروائية العربية من خلال ذلك التعبيرعن هذا التمرد في ما كتبته من أعمال روائية.

وقد تعرفنا في الوطن العربي على أسلوب نسائي معروف للكتابة عن قضايا المرأة، جاء من نسج أديبات: كغادة السمان، عالية ممدوح، نوال السعداوي، أحلام مستغانمي، آمال مختار، زينب حنفي، هيفاء بيطار وغيرهن.

هؤلاء أسسن أولا لمعرفة مسردة تتعلق بالمرأة، لنستشف منها أنساقا معرفية لم نكن نعرفها. وثانيا، يحيلنا أدبهن إلى قيم جمالية نستمد منها الفرح والمشاعر الذوقية الباذخة، حول جمال الأنثى، وما أغدقه الله عليها من الصفات البديعة، لاستمرار البهجة بوجودها، وتواصل الحياة من جيل إلى آخر كتحصيل حاصل.

ومحافل الكاتبات السردية جاءت بألسنة متكلمات، تناولن فيها سيرهن وذكّرن بأسعد أيامهن، وأكثرها حزنا، وما تشعر به سيدات بمختلف الأعمار مما مر بهن من تجارب عاطفية أو اجتماعية أو سياسية.

الرواية النسوية العربية ومناهضة العنف الذكوري
الرواية النسوية العربية ومناهضة العنف الذكوري

أعمال سردية نسائية كثيرة هيمنت عليها القضايا النسوية، وضعها الكاتب أمام تساؤلات مركزية، كالاشتغال على قضايا المرأة وحدها من دون الرجال في نظام مجتمعي أبوي، الرجل فيه هو القطب المسيطر. ووضح كيف تجلت هذه القضايا في تسمية هذه الروايات، متطرقا إلى الجمل الافتتاحية والختامية التي تم اختيارها لهذه الروايات، ومتسائلا هل كان لذلك دلالات مفاهيمية ومعرفية لها علاقة بأصل الموضوع النسائي؟ وحلل تمظهرات علاقة المرأة بالرجل من وجهة نظر نسوية، وما مآلات مسارات الأحداث والسلوك لهذه الشخصيات الروائية في رواية كتبتها امرأة؟

كتابة رجولية

لخص الناقد أسئلته بسؤال مركزي، حاول الإجابة عنه في فصول كتابه الأربعة، فقد تساءل: هل يمكن دراسة الكتابة النسوية لذاتها، بناء على خصائصها، مجردة من نزعة النفور والتهميش نتيجة إلصاقها بالمرأة فقط؟

وتوافق الكاتب مع رأي الناقدة كيت ميليت التي رأت أن مهمة واضعات النظرية النسوية “هي أن يكشفن عن الآلية التي تتم بها هيمنة الرجال على النساء، والتي ترجعها في تعريفها البسيط، والمتعدد الجوانب إلى النظام الأبوي. وطالبت أن يكشفن أيضا عن الأيديولوجيا التي يمكن أن تكون أكثر الأيديولوجيات تغلغلا في حضارتنا التي يعود مفهومها الأساسي للقوة”.

ووصل الكاتب إلى استنتاجات تفيد بأن النسوية قضية سياسية وبيولوجية، وأن الأنوثة مجموعة خصائص محددة اجتماعيا وثقافيا، تكتسبها المرأة نتيجة للتربية والتنشئة. وأن الكتابة النسوية تلتزم خطا محددا، وهو معالجة قضايا المرأة، ومناهضة النظام الأبوي، وأن تعدد وتداخل المصطلحات ناتجان عن عدم وجود نظرية، وانعدام التحديد المنهجي المتعلق بالنسوية وإشكالياتها في الفكر العربي.

جاء الكتاب بمقدمة وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة. ناقش في التمهيد سؤال المصطلح وقضاياه الفكرية والفنية والأيديولوجية، ووضح فيه الفروق بين مصطلح نسوي والمصطلحات المجاورة على صعيد الجهاز المفهومي، وعلى صعيد الكتابة وإشكاليات التلقي لكل من هذه المصطلحات.

واتخذ الفصل الأول من “عتبة العنونة وقضايا النسوية” مادة له، منطلقا من فكرة جوهرية مفادها أن لكل عنونة إبداعية هيمنتها على المتن وعلى المتلقي معا. وعنى فيه بما توحيه العنونة الخارجية والداخلية للقارئ، واشتغالها على القضايا النسوية دون غيرها من قضايا المجتمع.

واختص الفصل الثاني بمناقشة القضايا النسوية من خلال الجمل  البدئية والاختتامية، فالبدئية عنيت بمنح القارئ مفاتيح التأويل والرؤى الاستباقية، وركز الكاتب فيه على دور الرجل في تحديد أنماط سلوك المرأة. وحلل الاختتامية في الرواية، التي تعد آخر فضاءات النص، التي عنيت بمآلات الذوات النسوية، وتحديد قضاياها وأبعادها الثقافية والاجتماعية.

واشتغل الفصل الثالث على قضية علاقة الذات “المرأة” بالآخر”الرجل” بوصفها قضية صميمية في النظرية النسوية، وكونها محورا فنيا مهما في الأعمال قيد الدراسة. وتناول في مبحثين تحليل علاقة المرأة بأبيها، بوصف العلاقة بالأب أحد المصادر المهمة للسلطة الأبوية. وفي المبحث الثاني درس علاقة المرأة بزوجها، على اعتبار أنها امتداد للسلطة الأبوية.

وتناول الفصل الرابع “الفضاء السردي” من وجهة نظر نسوية بوصفه مصدرا لاشتغال القضايا النسوية وحيزا للكبت والإلغاء والتهميش للنساء من قبل الرجل. وجعل روايات كـ”يوميات مطلقة” لهيفاء البيطار و”تاء الخجل” للروائية الجزائرية فضيلة الفاروق و”الكرسي الهزاز” للتونسية آمال مختار و”لم أعد أبكي” للسعودية زينب حنفي نماذج سردية لبحثه عن الأدب النسائي الروائي. واعتبرها روايات كتبت بجرأة متناهية عن مباهج وجروح الروح والجسد لدى المرأة، وأضافت هذه المتون وأمثالها للقراء معرفيات طبية ونفسية وفلسفية. وأظهرت إحساسات صادقة عن مشاعر المرأة في لحظات قوتها وضعفها، وإن كتب بعضها برؤية رجولية، كون ثقافة الكاتبة العربية السردية جاءت في معظمها من قراءات لروايات كتبها رجال.

 ونذكر أن كتاب “الرواية النسوية العربية.. مساءلة الأنساق وتقويض المركزية” للباحث اليمني عصام واصل صدر أخيرا عن كنوز المعرفة.