بعد أحداث 2011..

تحليل: "المذهبية الدينية".. سلاح إيران للتغلغل في اليمن

امتداد طبيعي للثورة الإسلامية في طهران

د. نرمين محمد توفيق

من باب المذهبية تسللت إيران بل تغلغلت بقوة في اليمن، فمن المعروف أن أهل اليمن ينتمون إلى المذهب الزيدي، الذي يعد أقرب طوائف الشيعة إلى المذهب السني، غير أن إيران استطاعت التغلغل من خلال الحوثيين وتحويلهم من المذهب الزيدي إلى المذهب الجعفري الإثنا عشري، وظهر هذا التغير والولاء لإيران بوضوح بعد أحداث 2011 وما أعقبها من حراك شعبي في اليمن، فعلى مدى الشهور الأولى للأحداث كان الإعلام الإيراني يصر على تصوير وترويج ما يحدث في اليمن على أنه «امتداد طبيعي للثورة الإسلامية في طهران».

كيف توغلت إيران في اليمن؟ وكيف استغلت الأحداث السياسية لصالحها؟ وكيف وظفت ضعف الدولة اليمنية وحولته إلى قوة تصب في ترسيخ نفوذها في المنطقة؟ وما مدى قدرة نظام الملالي على تخطي الفروق الجوهرية بين المذهب الزيدي الذي يتبعه عدد كبير من سكان اليمن وبين المذهب الجعفري الإثنا عشري المنتشر في إيران؟

الخلاف الفقهي بين الزيدية والإثنا عشرية

رغم أن طائفة الزيدية -التي ينتمي لها أكثرُ من نصف أهل اليمن- وطائفة الجعفرية الإثنا عشرية -المنتشرة في إيران- تنتميان إلى المذهب الشيعي، فإنهما تختلفان بشكل جوهري؛ حيث يعتبر معظم المؤرخين أن الزيدية أقرب فرقة- أو طائفة- شيعية إلى «أهل السنة»، ويستند هذا الرأي إلى ابتعاد الزيديين عما يمكن اعتباره غلوًا في العقيدة الإثنا عشرية وباقي العقائد الشيعية الأخرى.

وسُمي الزيديون بهذا الاسم نسبة إلى مؤسس المذهب «زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب»، الذي صاغ نظرية شيعية في السياسة والحكم تختلف عن الإثنا عشرية ؛ حيث إن الإمامة عند الزيديين تقوم على البيعة، وليس الوراثة؛ إذ يتم اختيار الإمام من قبل أهل الحل والعقد؛ كما أنهم لا يؤمنون بالعصمة إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، رافضين بذلك مبدأ الغيبة وتوارث الإمامة التي تؤمن بها طائفة الإمامية الإثنا عشرية، وفي الوقت نفسه يتمسك الزيديون بالعديد من القضايا التي يتمسك بها الشيعة كأحقية أهل البيت في الخلافة، وتفضيل الأحاديث الواردة عنهم على غيرها، فالملامح الشيعية واضحة في مذهبهم على الرغم من اعتدالهم عن بقية فرق الشيعة.

ويقول الزيديون إنه لا مواقف عدائية لهم تجاه الخلفاء الراشدين، إذ يعتبرون أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب من كبار الصحابة الفواضل، ولا يرفضون إمامتهما؛ لأنهم يأخذون بمبدأ جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل حتى مع إيمانهم بأفضلية علي بن أبي طالب، فهم لا يعارضون الصلاة خلف إمام من السنة، على عكس الإثنا عشرية الذين يرفضون إمامة أبي بكر وعمر بشكل قاطع، بل إن غلاتهم يكفرونهما، كذلك لا يُقر أتباع الزيدية بزواج المتعة، ولا يمارسون التقيَّة، ولا يقدِّسون القبور والأضرحة، ولا يحجون لها، كما أن المهدي في مفهوم العقيدة الزيدية ليس منتظرًا، وليس شخصية مقدسة، ويتفقون مع أهل السنة والجماعة في العبادات والفرائض مع اختلافات قليلة.

هذه الاختلافات جعلت أدبيات المذهب الجعفري الإثنا عشري، مليئة بالاتهامات لأتباع المذهب الزيدي، وأنهم ينكرون على من يلحق الزيدية بالإمامية؛ لأن الإمام زيد بن زين العابدين ليس ضمن أئمتهم الإثنا عشر، ويرد علماء الزيدية على المذهب الجعفري الإثنا عشري ويعتبرونه منحرفًا عن الطريق الحق، لذا ظل اليمن لسنوات طوال بعيدًا عن إيران وكانت العلاقات التي تربطه بالدول العربية أقوى كثيرًا من علاقته بإيران، قبل أن يتغير هذا المشهد.

غير أن الأمر يختلف عند الحديث عن جماعة «الحوثي» التي توجد في شمال اليمن، فأتباعها ينتمون للفرقة الجارودية، وهي وإن كانت إحدى الفرق الزيدية إلا أنها تختلف عن سائر فرق المذهب باعتبار أنها أقرب إلى الفكر الشيعي الإمامي الممثل بالشيعة الإثنا عشرية كما هو حال شيعة إيران والعراق ولبنان، في حين أن سائر المدارس الزيدية تبدو أقرب للفكر السني، ومن هنا يبرز أن اهتمام إيران بالحركة الحوثية والمجتمع الزيدي في اليمن، نابع من أهداف سياسية بحتة، وليس أخوة دينية مذهبية كما تحاول طهران تصويرها بسبب الاختلاف الكبير بين المذهبين.

لماذا سعت إيران لاختراق اليمن؟

حظي اليمن باهتمامٍ إيراني كبير في الجانب الجغرافي والثقافي والديني، واستغلت انتشار المذهب الزيدي به،  فالمذهب أحد المذاهب الشيعية ويسهل اختراقه إيرانيًّا أو تحويل أتباعه إلى الإثنا عشرية حتى مع الاختلاف بين المذهبين، وهذا ما حدث.

وقد أدركت إيران أهمية البعد الجغرافي والجيو-إستراتيجي التي يحظى بها اليمن من حيث إطلالته، على البحر الأحمر وقربه (أي اليمن) من مضيق باب المندب، وبالتالي فعن طريق السيطرة عليه يصبح مضيق باب المندب ومضيق هرمز بين كماشتي إيران، والأهم من كل ذلك قربه من دول الخليج ومتاخمته لحدود المملكة العربية السعودية فاليمن يمثل البوابة الجنوبية للوطن العربي عمومًا والجزيرة العربية والخليج بشكلٍ خاص، ولا تغفل الاستراتيجية الإيرانية في نظرها لليمن كونه يمثل العمق الديمغرافي البديل والطبيعي للمجتمعات الخليجية التي باتت اليوم مؤشراتها الديمغرافية تُنذِر بالكارثة المحتملة، المتمثلة بالاختلال الديمغرافي الذي يتهددها لصالح إيران وجالياتها الكبيرة في الخليج.

وتنظر إيران لليمن أيضًا بأنه البديل المحتمل والأنسب لمواجهة أي تطورات في المشهد السوري، قد تؤدي لسقوط نظام الأسد وتداعيات ذلك السقوط على النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، فإيران ترى في الحركة الحوثية الشريك الجيد بالنسبة لها، ويمكن أن تلعب دورًا فعالًا في تحقيق طموحاتها السياسية والمذهبية في جنوب الجزيرة العربية، إلى جانب أذرعها في لبنان والعراق وسوريا، ويروج الإعلام الإيراني لتحركات الحركة الحوثية في اليمن ودعمها من خلال تقارير ومتابعة دقيقة لما يجري على الساحة اليمنية، وقد تجاوز الأمر ذلك إلى الحديث صراحةً عن ارتباط الحركات الحوثية بطهران، وأن أي نجاح لها يُعد نجاحًا لإيران وتحقيقًا لأهدافها ومشاريعها السياسية في المنطقة.

خلفية تاريخية عن التوغل الإيراني في اليمن

قبل الثورة الإيرانيَّة عام 1979 لم تَكُنْ هناك علاقات رسميَّة بين اليمن وإيران، وحتى مع مبدأ تصدير الثورة الذي رفعته جمهورية الخميني الإسلاميَّة، لم يكن له أي تأثير على المستوى الشعبي باستثناء بعض النخب «الشيعية» ما دفع بالإيرانيين إلى وضع استراتيجية خاصة لتصدير ثورتهم، وذلك باستقطاب طلابٍ يمنيين للدراسة في الجامعات والحوزات والحسينيات الإيرانية في طهران ودمشق وبيروت على حد سواء، طوال فترة  ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين.

لكن الإشكالية التي واجهت إيران وحالت دون نجاح هذه الفكرة بشكل كبير هي التباين المذهبي بين الحالتين الشيعيتين، الزيدية يمنيًّا، والإثنا عشرية إيرانيًّا، كما سبقت الإشارة، ما قلل من التأثيرِ الكبيرِ لمبدأ تصدير الثورة الإيرانية في اليمن، علاوة على حالة العداء التي كانت حاصلة إيرانيًّا تجاه اليمن بنظامه السياسي الحاكم المُساند حينها لخصمها اللدود نظام صدام حسين في بغداد في ذلك الوقت.

وقد أشار الباحث نبيل البكيري إلى أنه عند إعلان الوحدة اليمنيَّة في مايو 1990م، أدركت بعض الدول ومنها إيران أهمية هذا التحول الكبير في المشهد السياسي اليمني، فعملت على إعادة علاقتها وبقوة خلال تلك المرحلة، وهي المرحلة التي أثمرت اختراقات إيرانية عديدة للحالة المذهبية في اليمن، فعملت على تشكيل خلايا تبشيرية بالتشيع الإثنا عشري، وحاولت التقرب مع الحالة الشيعية الزيدية، من خلال عددٍ من الأنشطة، كدعوة عددٍ من ممثليها لزيارة طهران، تحت لافتات عدة كالمشاركة باحتفائية الثورة الإسلامية ومؤتمرات الصحوة الإسلامية وغيرها.

وقد استخدم النظام الإيراني حُسين الحوثي الشقيق الأکبر لـ عبدالملك الحوثي الزعيم الحالي هذا التيار من عام 1991. وأسس حسين الحوثي «حزب الحق» في اليمن وشارك في الانتخابات التي جرت عام 1993 وأصبح عضوًا في البرلمان اليمني. وبحسب خطة النظام الإيراني کان من المقرر أن يرفض هذا التيار مواجهة الحكومة اليمنية قبل تشكيله حتى لا يصطدم معها منذ البداية.

 وحسب أوامر صادرة عن النظام الإيراني انشق حسين الحوثي عن حزب الحق عام 1997 وشکل مجموعة تحت عنوان «تنظيم الشباب المؤمن» وذلك علی غرار حزب الله اللبناني وحول اسمها لاحقًا إلى أنصار الله الذي مازال قائمًا. وتحتل هذه المجموعة حاليًّا أجزاء کبيرة من اليمن بما فيها العاصمة صنعاء، وتربطها علاقات قوية بالحرس الثوري الإيراني.

وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وجه النظام الإيراني بوصلة «تنظيم الشباب المؤمن» باتجاه الأفكار المضادة لأمريکا، کما قام التنظيم في الوقت نفسه بمعارضة الحكومة اليمنية، واعتُقِلَ عددٌ من أعضاء «تنظيم الشباب المؤمن»، وفي عام 2003 قام بمواجهة الحكومة عسکريًّا، وعلى أثر هذه المواجهات تم قتل حسين الحوثي في عام 2004.

وكان حسين الحوثي وشقيقه عبد الملك الحوثي ووالدهما بدر الدين الحوثي قد خضع لدورات تدريبية في مجالات دينية وسياسية وأمنية لمدة أکثر من سنة بمدينة قم الإيرانية، في بداية الثمانينيات من القرن الماضي وبعد ذلك ترددوا علی إيران بشکل مستمر. وحسب التقارير الداخلية من قوة القدس أن عبد الملك الحوثي اعتنق الفكر الشيعي الإمامي الممثل بالشيعة الإثنا عشرية، إلا أنه وبتوصية من النظام الإيراني امتنع عن إعلان ذلك حتی لا يصبح معزولًا في صفوف الشيعة الزيدية.

وعليه فإنه طول الفترة بين 1994م وحتى 2004م، كانت العلاقة اليمنية الإيرانية على مستوى جيد، تمكن الإيرانيون خلالها من التبشير المذهبي بشكل كبير، بواسطة كوادر شيعية عراقية ممن كانوا مقيمين في اليمن تحت ذريعة النزوح جراء الحصار الدولي المضروب على العراق حينها، وكان ذلك التبشير على محورين، الأول التبشير بالإثنا عشرية، وكانت نتائجه غير مشجعة، فيما المحور الثاني وهو الأهم وذلك بإقامة علاقة جيدة مع رموز الزيدية الشيعية، التي أثمرت بعد ذلك ما بات يعرف بالظاهرة «الحوثية» التي فجرت في يونيو 2004م ست جولات من المواجهات المسلحة مع قوات النظام اليمني في محافظة صعدة الشمالية على التخوم الجنوبية للمملكة العربية السعودية، وخلال الفترة الواقعة بين 2004م و2011م شابت العلاقات اليمنية الإيرانية نوعًا من الفتور والتوجس والريبة، نتيجة للاتهامات اليمنية المتكررة للحكومة الإيرانية بوقوفها وراء دعم وتشجيع جماعة الحوثي المتمردة، وظلت تلك الاتهامات دون أي إثبات مادي معلن حينها، فيما كانت تصر الحكومة الإيرانية على النفي القاطع، وهو النفي الذي كان يفسره الجانب اليمني بأن الدعم ليس رسميًّا وإنما يقدم للمتمردين الحوثيين من خلال المرجعيات الشيعية وحوزاتها الدينية في الخليج.

التحول في العلاقات بين اليمن وإيران بعد 2011

على مدى سنوات طوالٍ قبل عام 2011، كان هناك عديدٌ من المؤشرات على أن إيران تتدخل في الشأن اليمني الداخلي، سواء عبر دعم الحوثيين في صراعهم مع الحكومة المركزية في صنعاء، أو عبر دعم بعض أجنحة الحراك الجنوبي الساعية لفك الارتباط مع الشمال. وفي حين كان من غير الممكن إنكار الدعم السياسي والإعلامي الإيراني للحوثيين أو لبعض أجنحة الحراك الجنوبي، إلا أن الدعم العسكري والمالي الإيراني لهم كان موضع تشكيك من قِبل البعض، ولم يكن سهل الإثبات دائمًا. لكن هذا الوضع قد شهد تغيُّرًا واضحًا منذ عام 2011، إذ بدأ هذا الدعم يتخذ طابعًا سافرًا مع تزايد التدخلات الإيرانيَّة في اليمن في ظل الأوضاع الفوضوية، التي رافقت أو أعقبت اندلاع الثورة اليمنية ضد نظام علي عبد الله صالح. 

وهي الأوضاع التي شكّلت مشهدًا سياسيًّا معقّدًا ومضطربًا، أتاح لإيران مجالًا رحبًا لتعزيز دورها، وتوسيع نفوذها على الساحة اليمنية. وفي هذا الإطار تواترت التقارير والأدلة على تصاعد مساعي إيران وأنشطتها لإمداد حلفائها في اليمن، وخصوصًا الحوثيين المتقاربين معها مذهبيًّا وأيديولوجيًّا، بمختلف أشكال الدعم.

ومع هذا التطور الخطير في مسار العلاقة الإيرانية اليمنية، الذي حدث بعد اندلاع الأحداث في اليمن في فبراير2011 ظهر جليًّا مدى حقيقة التوغل الإيراني في الحالة المذهبية، والاتكاء عليها في تموضع نفوذها، شمالًا، وبتحالفات سياسية جنوبًا، فقد ظهر المشروع الإيراني، بتحالفات جديدة خارج إطار النمط المألوف مع الأقليات الشيعية، فقد مدت إيران خيوط تحالفاتها مع عددٍ من الشخصيات السياسية والواجهات الاجتماعية في عددٍ من المناطق اليمنية كتعز وغيرها من محافظات جنوب اليمن السنية.

ومنذ تصاعد نفوذ جماعة الحوثيين في اليمن عام 2011، بدأت تنتشر على نحو محدود داخل قاعات مغلقة مظاهر الندب واللطم وطقوس وعادات شيعية حسينية كتلك التي يمارسها أتباع المذهب الإثنى عشري (الجعفري) في إيران والعراق.

وكان التحول المفاجئ، في موقف إيران وحلفائها من الثورة، كان بعد مجزرة جمعة الكرامة في مارس 2011، والانشقاق الكبير الذي أحدثه اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية حينها، عن نظام صالح، وتطورات الأحداث السياسية بعدها، ممثلًا بما عُرف بالمبادرة الخليجية المعلنة في 3 أبريل 2011م؛ حيث غير الإعلام الإيراني وحلفاؤه من موقفهم تجاه الثورة، والانتقال مباشرة إلى مربع الثورة المضادة، بالتحالف غير المعلن مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح وبقايا نظامه، غير أن هذا التحالف لم يستمر طويلًا؛ حيث انقلبوا عليه بعد ذلك وكانوا السبب في مقتله في شهر ديسمبر 2017، ليعكس ذلك أن تحالفهم معه كان موقوفًا على تحقيق مصلحتهم بالسيطرة على صنعاء.

لاشك أن كل هذا ساعد المشروع الإيراني بتوسيع ساحة استقطاباته وتحالفاته داخل الخارطة السياسية اليمنية، في كل اتجاهاتها وأطرها شمالًا وجنوبًا، وتبلورت من هذا التمدد حالة أكثر شبها للحالة اللبنانية، التي يراد إعادة استنساخها يمنيًّا من خلال ما يحدث حاليًّا من دعم مالي وإعلامي وعسكري وتدريبي لكوادر وأفراد جماعة الحوثي، تجلى ذلك بشكل كبير من خلال فعالية دفن رفات زعيم الجماعة حسين بدر الدين الحوثي في 2013م، بمدينة صعدة، تلك الفعالية الاستعراضية التي ظهرت بها الجماعة كنسخة يمنية لحزب الله اللبناني باللباس العسكري لأفراد أمن الجماعة والبساط الأحمر، الذي يمرون عليه وشعاراتها المرفوعة، ولم يقف شره التمدد الإيراني عند المستوى السياسي والإعلامي فحسب، بل تعدى الأمر الدعم المالي والعسكري وشراء الولاءات بالمال والوعود، فعلى مدى السنوات الأخيرة تمكنت الأجهزة الأمنية من إيقاف عددٍ من محاولات تهريب الأسلحة إلى اليمن، كما حصل مع سفينة جيهان 2 الإيرانية، التي تم إيقافها وتفريغ حمولتها في ميناء عدن وبحضور مسئولين يمنيين، وخضعت حملة السفينة لفحص لجنة خاصة من الأمم المتحدة التي أكدت تورط إيران في الأمر.

وقد کانت إحدى خطط فيلق القدس خلال السنوات الماضية لفتح الطريق لدخوله إلى اليمن تنشيط الهلال الأحمر الإيراني لكي يتمکن من فتح الطريق لدخول إيران إلي هذا البلد تحت يافطة إرسال المساعدات الإنسانية وإنشاء مستشفيات وكذلك إيصال المعونات الدوائية، وفي الوقت الحاضر تمسك قوة القدس التابعة لقوات الحرس الإيراني باعتباره الطرف الرئيسي للملف اليمني داخل نظام الملالي وتم تشکيل هيئة أرکان رئيسية للقيادة والإسناد بشأن الحرب في اليمن في فيلق القدس.

وكل هذا يؤكد بوضوح الدور الإيراني المشبوه في السعي للسيطرة على المشهد السياسي في اليمن، واستنساخ التجربة الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان داخل هذه الدولة المهمة، الذي لم ينتهِ حتى الآن مع تأزم الأمور أكثر وأكثر بمقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح على يد الحوثيين وهو الذي حالفهم في فترة من الفترات ظنًا منهم أنهم سيساعدونه للعودة إلى الحكم، ما جعل المحللون يلخصون موته في عبارة «رقص مع الثعابين فمات بلدغها!».

وختامًا- لا يزال المشهد قاتمًا في اليمن في ظل التغلغل الإيراني ودعمها للحوثيين، وعليه يمكن الأخذ في الاعتبار مجموعة من التوصيات المهمة كالتالي:-

- ضرورة وجود مشروع عربي تلتف حوله الدول العربية؛ لأن الفراغ الذي تعاني منه المنطقة العربية وغياب وجود هذا المشروع هو الذي سهل تمدد وحضور المشاريع الإقليمية المجاورة ممثلًا بالمشروع الإيراني والتركي، وكذا المشروع الإسرائيلي ومحاولته المستميتة في طمس القضية الفلسطينية وتمزيق الحالة العربية طائفيًّا، وهذه المشاريع تتعارض مع مصلحة واستقرار الدول العربية.

- ضعف أداء الدولة اليمنية الحالي ساعد إيران بشكلٍ كبيرٍ في تنفيذ مخططاتها داخل اليمن، وعليه لابد من إعادة بناء الدولة اليمنية ودعم حكومة الرئيس منصور هادي، والتوجه إلى المنظمات الدولية للضغط على إيران من أجل وقف تدخلاتها المستمرة في اليمن، وقد أشار الرئيس اليمني هادي في خطابه لتهنئة اليمنيين بحلول شهر رمضان أن اليمن لن ينسلخ من جلده العربي وثقافته الإسلامية الأصيلة، لصالح ثقافة دخيلة على شعبه وتاريخه.

- للأزهر الشريف دور مهم أيضًا في محاولة توضيح التقارب الكبير بين المذهب الزيدي والمذهب السني، والوقوف أمام المحاولات الإيرانية في اعتناق اليمنيين للمذهب الإثنا عشري، فالتقريب بين المذاهب سيفوت على إيران ما تحاول السعي إليه من تحويل اليمن إلى ولاية أو محافظة تابعة لها.