هناك درس..

مواجهة نظرية المؤامرة

نظريات مؤامرة حاول أصحابها الضرب بالأدلة العلمية عرض الحائط

يمينة حمدي

ارتبطت نظرية المؤامرة بأروقة السياسة، حيث درج أصحاب هذه النظرية على استخدامها مرادفا لكل إخفاق سياسي أو عجز حكومي؛ فعندما يشعر البعض من السياسيين بفقدان السيطرة على زمام الأمور أو بالعجز عن حماية المصالح العامة، يلجأون في الغالب إلى نظرية المؤامرة للتغطية على إخفاقهم وإلى قائمة طويلة من الأكاذيب والخطب الاستقطابية والدعايات المضللة، التي قد تمثل حلا مطمئنا نفسيا، ولكنه لا يمكن أن يكون حلا جذريا، فحبل الكذب قد ينقطع فجأة، وحينها ستصبح الحقيقة عارية وبارِزة للعيان.

ويتعمد الكثير من السياسيين استخدام نظريةِ المؤامرةِ أداةً تكتيكيةً لترسيخ فكرة الانصياع والطاعة في نفوس الشعوب.

على أية حال، لا تقتصر نظرية المؤامرة على عالم السياسة فحسب، فجميع البشر يلجأون إلى نسج قصص من خيالهم لتفسير ما يرفضون استيعابه بالشكل الذي هو عليه في الواقع. ببساطة، يحاول البعض من الأشخاص خلق عالم آخر من الوهم لأنهم يرفضون الإصغاء للمفاهيم والأفكار المضادة لقناعاتهم، دون تفكير في منطق المخالفين لهم ودوافعهم.

وفي أحيانٍ كثيرة، يتعمد البعض الآخر الكذب والتلفيق بهدف ترسيخ وإدامة بعض الخرافات والمعتقدات، وفي الأعوام الأخيرة راجت الكثير من نظريات المؤامرة الغريبة التي حاول أصحابها الضرب بالأدلة العلمية عرض الحائط، واختلاق براهين مُلفقة، من أجل تعطيل مَلكة التفكير المنطقي لدى الناس، وحملهم على الاعتقاد الخاطئ في “صحة” أفكارهم.

ومن بين هذه النظريات أن الأرض ليست كروية الشكل بل مسطحة، وأن الأرانب من الحشرات وأكل لحمها محرّم، وأن الهبوط على القمر لم يكن إلا كذبة ادعتها وكالة “ناسا” الفضائية، والقائمة تطول للنظريات التي قد تكون لها انعكاسات خطيرة على المجتمعات.

فرغم أن هذه النظريات لا تصدر من مصادر موثوقة، كما أنها بلا أساس وغير حقيقية، بإمكانها أن تنتشر كالنار في الهشيم وتجد من يصدقها ويروجها دون مقابل، وما يزيد الطين بلة أن الأخبار الملفقة يمكن أن تترسخ في ذاكرة عامة الناس على المدى الطويل.

وقد أثارت هذه النظريات الكثير من نقاط الاستفهام لدى البعض من الخبراء، فهل دافعها الطبيعة الإنسانية التي تجعل الناس يختلقون عالما موازيا من الأوهام، أو أن ذلك يعود إلى أنهم يعانون من اضطرابات نفسية، أو أن السبب راجع إلى كونهم يمارسون ذلك كما لو كان نوعا من التسلية التي دافعها الملل؟

يرى أستاذ علم النفس البريطاني كاري كوبر أن البشر يختلقون تلك النظريات محاولةً منهم للتخلص من خوفهم ومن العنف العشوائي المحيط بهم ومن الموت غير المتوقع.

ويقول ديفيد غرايمز، عالم الفيزياء بجامعة كوينز في بلفاست، “أصبحت الآن جميع معلومات العالم متاحة بين أيدينا وميسرة، لكننا مهوُوسون بالحكايات الوهمية والفارغة”، وهذا هو السبب في رواج نظريات المؤامرة والمعلومات الزائفة.

ويمكن للخيال والوهم أن يجدا مجالاً للازدهار والسيطرة على أذهان الناس، عندما يختار البشر بملئ إرادتهم تصديق الأكاذيب.

وإذا كان هناك درس يمكن أن نستخلصه من نظريات المؤامرة، فيتمثّل في أنه يجب أن نستقبل المعلومات والأفكار التي نتلقاها من أيٍّ كان، بالتفكّر فيها وتمحيصها ومناقشتها.