"ديناميكا تغيير لمواجهة التعقيدات"..

تقرير: "المجلس الانتقالي الجنوبي".. كيف أصبح الكيان الأكثر تنظيما؟

رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي يتفقد مركز عمليات القوات المسلحة في عدن - ارشيف

يعقوب السفياني

منذ عودته إلى عدن، عاصمة الجنوب ، في الأول من مايو أيار الماضي، لم ينتهِ بعد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي من إجراء عملية تغيير شاملة داخل أروقة وهياكل ومؤسسات المجلس الانتقالي الجنوبي الأمنية والعسكرية والسياسية والتنظيمية. 

يُعدّ المجلس الانتقالي الجنوبي الكيان الأكثر تنظيما في اليمن، في ظل الصراع الحالي، فضلاً عن كونه القوة الأكثر تأثيراً وجماهيرية في الجنوب، وفقاً لباحثين.  

ديناميكيات التغيير الأخيرة تأتي في ظل طموح المجلس إلى استعادة دولة جنوب اليمن، التي توحدّت مع شمال اليمن سياسياً عام 1990، فضلاً عن تعزيز موقفه كـ "حامل لتطلعات الجنوبيين" ومُمثّلاً لقضيتهم، ومواجهة التعقيدات التي تقف في طريقه.

وتعرّض المجلس لانتقادات من داخله وخارجه طيلة الفترة الماضية، بعد مرحلة جمود تنظيمي شابت عمله خلال الأشهر الماضية، لانشغال قيادته بالصراع العسكري والسياسي مع حكومة هادي من جهة والحوثيين من جهة أخرى. 

الجانب العسكري والأمني

وفقاً لمراقبين عسكريين، مثّل قرار فصل القوات الأمنية عن العسكرية، الأكثر أهمية من بين التغييرات الأخيرة التي أجراها الرجل. حيث أعلن الزبيدي فصل قوات الحزام الأمني عن ألوية الإسناد والدعم، وهما القوتان الأبرز في الساحة الجنوبية إلى جانب قوات العاصفة والصاعقة وألوية المقاومة، والعمالقة.

في 25 من يونيو/حزيران الجاري، عيَّن الزبيدي القيادي العسكري، العميد محسن الوالي، قائداً لقوات الحزام الأمني، والعميد مختار النوبي، نائباً له. كما كلف الزبيدي العميد صالح السيد،  قائداً جديداً لألوية الدعم والإسناد والعميد علي ناصر المعكر، أركان حرب.

وألوية الدعم والإسناد، شاركت بفعالية في المعارك التي خاضتها قوات المجلس الانتقالي ضد الجماعات "الإرهابية" كتنظيم القاعدة في جزيرة العرب. ويمثّل أحد أبرز مؤسسيها العميد منير اليافعي أبو اليمامة، الذي قُتل بهجوم صاروخي تبناه الحوثيون في أغسطس 2019.

وأقّر الزبيدي نقل مقر قيادة ألوية الإسناد والدعم إلى خارج محافظة عدن، وضمّها ضمن الألوية البرية (جيش) للقوات الجنوبية وإخضاعها لقيادة القوات البرية التي تخضع لوزارة الدفاع.

وأوكل رئيس الانتقالي لقوات الحزام الأمني "المهام الأمنية  والشرطوية"، والعمل ضمن قوام وزارة الداخلية.فُسرّت هذه القرارات الهامة التي أصدرها الزبيدي ضمن استعدادات المجلس الانتقالي الجنوبي لتنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض- حيث ينص الاتفاق على هذا بالفعل.  لكنَّ هذا التفسير قد يصطدم بمساعي الطرف الآخر لاتفاق الرياض، إذ أنه - وفقاً لمراقبين- من غير المرجح أن تُطبق القوات التابعة للرئاسة اليمنية الشق العسكري من اتفاق الرياض، وتنسحب من المناطق الجنوبية التي أعادت السيطرة عليها عام 2019، بالإضافة لحضرموت التي تتمركز فيها قبل هذا بكثير.

ومن وجهة نظر الانتقالي الجنوبي العامة، فإنَّ هذه القرارات بمثابة تصحيح لعمل المؤسستين العسكرية والأمنية الجنوبية، والقضاء على حالة الازدواج في المهام، التي سببّت إشكالاتً كثيرة في المحافظات الجنوبية، خصوصاً في عدن، التي شهدت مؤخرا أحداثاً أمنية بين أفراد من هذ الوحدات في الشيخ عثمان. كان قد سبق هذا القرار تعيين، النقيب محمد النقيب، متحدثاً رسمياً باسم "الجيش والأمن الجنوبي".

وفي مطلع يونيو/حزيران الجاري عيّن الزبيدي اللواء شلال علي شائع، مدير أمن عدن السابق،  قائد عاما لقوات مكافحة الإرهاب. وجاء قرار تعيين شائع بعد موجة من العمليات والتهديدات التي تبنّاها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ضدّ المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات التابعة له.

بترسيخ قوات الحزام الأمني كقوات شرطوية وفصلها عن الجيش، وتعيين قيادة لمكافحة الإرهاب، يُمكن ملاحظة اتجاه تعزيز العمل الأمني الجنوبي في خضم تزايد وتيرة "الهجمات الإرهابية" ضد القوات الجنوبية، والتي يتهم الانتقالي الجنوبي أطراف في حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالوقوف وراءها، ولم تنف الحكومة هذه الاتهامات.

وسبقَ هذه القرارات زيارات ميدانية أجراها الزبيدي، وقيادات عسكرية وسياسية بالمجلس الانتقالي الجنوبي لمختلف معسكرات الجيش والأمن، في محاور أبين ويافع والضالع وردفان.


خارجية الانتقالي 

وحاز الجانب الدبلوماسي والشؤون الخارجية نصيباً وافراً من التغييرات التي أقرّها رئيس الانتقالي. وأصدر الزبيدي عدداً من القرارات، مساء الثلاثاء، تضمّنت إنشاء "فريق حوار جنوبي خارجي"، بالإضافة لتغيير شامل في دائرة العلاقات العامة للشؤون الخارجية للانتقالي، ونقلها من بريطانيا إلى عدن .

واشتمل قرار رئيس الانتقالي أيضاً تعيين مدراء للشؤون الخارجية للمجلس في الاتحاد الأوروبي وروسيا والمملكة المتحدة، بالإضافة لعددٍ من ممثليه في الأمم المتحدة وأميركا وفرنسا وأثيوبيا والاتحاد الأفريقي وكندا، بينهم امرأتين.

ووفقاً لمراقبين، يعّد العمل الدبلوماسي الخارجي من أهم الإنجازات التي تحقّقت منذ تأسيس المجلس الانتقالي، حيث استطاع المجلس كسر حالة الجمود والعزلة التي عاشتها القضية الجنوبية، وإيصالها لمحافل القرار الدولي، وهو ما أكّد عليه الزبيدي في خطابه في ذكرى "فك الارتباط" في 21 مايو الماضي.

ورغم الانتقادات التي يتعرّض لها الانتقالي من بعض خصومه، إلا أنَّه بدى أكثر انفتاحاً على استيعاب الشباب والمرأة مقارنة ببقية أطراف الأزمة اليمنية. إذ شملت قرارات الزبيدي طيفاً واسعاً من الشباب. ذلك يعكس، على الأرجح، استراتيجية تمكين الطاقة الشابة في أنشطة المجلس، ويرسم نمط سياسات التعيين والتكليف في منظور المجلس الانتقالي الجنوبي مُستقبلاً. 


الجمعية الوطنية

شكّل انعقاد الدورة الرابعة للجمعية الوطنية بالمجلس الانتقالي الجنوبي في 16- 17 يونيو/حزيران الجاري، مرحلة جديدة من ترسيخ العمل المؤسسي والتشريعي، وفقاً للمسؤولين في المجلس. 

يُنظر للجمعية الوطنية بالانتقالي على أنَّها "برلمان جنوبي" يختص بالتشريعات وإصدارها، وبالرغم من تشكيلها مباشرة بعد إعلان هيئة رئاسة الانتقالي عام 2017، إلا أنَّه من المُلاحظ غياب الدور الفعلي لها في تشريع ورسم سياسات وقوانين الانتقالي، وهو ما سعت الدورة الرابعة إلى تغييره.

 

 الجانب الاقتصادي

تزامناً مع وصوله لعدن، أصدر عيدروس الزبيدي قراراً قضى بتعيين الدكتور محمد علي حسين الكسادي، رئيسًا للجنة الاقتصادية العُليا بالمجلس الانتقالي، وهي اللجنة التي كان يرأسها سابقاً وزير النقل الحالي بحكومة المناصفة، الدكتور عبد السلام حميد.

واللجنة الاقتصادية هي هيئة مستقلة في المجلس الانتقالي، تختص بالجانب الاقتصادي في المحافظات الجنوبية، ورغم أن تشكيلها تم قبل أكثر من عام، إلا أنّ هذه اللجنة لم تنجز أو تحقّق الكثير فعلاً في ميدان اختصاصها.

وانتقد مراقبون دور المجلس في معالجة الأزمات الاقتصادية التي تمر بها عدن ومناطق جنوب اليمن، إذ لم يقدّم حتّى اللحظة أي تصوّر لانتشال الوضع الاقتصادي، وهو الأمر الذي أشارت له الدورة الرابعة للجمعية الوطنية.

وتحاول الحكومة اليمنية تحميل الانتقالي نتائج الوضع المعيشي المتردي في عدن، والإلقاء باللائمة عليه في تدهور العملة والاقتصاد. على الرغم من أنَّ المجلس مهّد للحكومة الطريق للعودة لعدن، ويملك خمسة وزراء من أصل 24 وزير، نصفهم من الجنوب.

المؤسسة الجنوبية للأبحاث

من ضمن القرارات اللافتة للزبيدي، إنشاء المؤسسة الجنوبية للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، كواحدة من مؤسسات المجلس الانتقالي الاستشارية والبحثية، وتكليف د. عيدروس نصر ناصر النقيب، المقيم في المملكة المتحدة، برئاستها وإكمال إجراءات تأسيسها.

ومن المرّجح أن تُغطّي هذه المؤسسة بعض من الفراغ الحقيقي الذي يعاني منه الانتقالي الجنوبي في هذا المجال، حيث يفتقر بوضوح إلى مؤسسات دراسات وأبحاث تحليلية تصنع وتوجّه كثير من سياساته.

وفي هذا السياق، عيّن الزبيدي، محمد جعفر بن الشيخ أبو بكر من حضرموت، رئيسا لدائرة الدراسات والبحوث في الأمانة العامة للمجلس.

الجانب الإعلامي

وفي الجانب الإعلامي، أعلن الزبيدي، في 25 مايو أيار الماضي، تشكيل "الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي" برئاسة الناطق الرسمي للمجلس، علي الكثيري.

بعد تأسيسها، اتخذت الهيئة جملة من الإجراءات بتوجيهات من الزبيدي في سبيل إعادة تشغيل وإحياء المؤسسات الإعلامية الرسمية لدولة جنوب اليمن سابقاً، مثل وكالة أنباء عدن (ا ن ا)، وإذاعة وتلفزيون عدن، وصحيفة 14 أكتوبر.

تم رفع لوحة الهيئة ووكالة أنباء عدن على مبنى الوكالة، الذي سيطر عليها نظام صنعاء عقب حرب 1994، واستبدله مقرا للوكالة اليمنية (سبأ). 

احتجت نقابة الصحفيين اليمنيين، الذي يقيم رئيسها في سويسرا، على هذه الخطوة وادّعت أنّ مسلحين يتبعون للمجلس، اعتدوا على صحفييها. كما انتقدت منظمة مراسلون بلا حدود الخطوة، ودعت سلطات عدن لتوفير الحماية للصحفيين. 

نفى المجلس الانتقالي الجنوبي ذلك، وفقاً لـ "مراسلون بلا حدود".

الجانب العلمي والأكاديمي

تم تأسيس منسقية المجلس الانتقالي الجنوبي لدى جامعة عدن في مارس/أذار  الماضي، بقرار من رئيس المجلس، عكست مساعي المجلس للتأثير داخل الوسط الأكاديمي والعلمي للجامعات الجنوبية، وإعادة إحياء دورها، الذي تعرّض للتدهور، نتيجة الصراع والحرب خلال السنوات الماضية.

وبعد عودة الزبيدي إلى عدن، صدر قرارٌ بإنشاء منسقية الانتقالي لدى جامعة أبين، وتسمية أعضائها. كم أجرى الزبيدي لقاءات متكررة مع أعضاء المنسقيات لدى هذه الجامعات على مدار الشهرين الماضيين، ركزّت على تعزيز دور المجلس لديها، ودعم العملية التعليمية في الجنوب. 

الجانب الاجتماعي والشعبي

حرص عيدروس الزبيدي منذ عودته على تعزيز التماسك الشعبي الجنوبي، والتأكيد على مبدأ "التصالح والتسامح" الذي يعتبره الجنوبيون ميثاقاً يُنهي كل خلافاتهم السابقة.

التقى الزبيدي بوفود من المشائخ والأعيان والشخصيات الاجتماعية الجنوبية من شتّى المحافظات والمناطق، مثل أرخبيل سقطرى، وعدن حضرموت وأبين وشبوة، ومناطق الصبيحة وردفان، بمحافظة لحج.


وأكّد رئيس المجلس في كل هذه اللقاءات على أهمية ودور كل محافظات ومناطق الجنوب، وتضحيات الأهالي، داعياً لمزيد من "الترابط ووحدة الصف".

أبدى الزبيدي اهتمام المجلس بأسر الجرحى والشهداء من منتسبي القوات الجنوبية في لقاءات جمعته ببعض هذه الأسر.

وقال الزبيدي في لقاء مع نجل وزير الدفاع اليمني السابق "الأسير لدى جماعة الحوثيين، محمود الصبيحي أنّ "ثورة الجنوب التحررية، التي يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي حاملها السياسي ومفوضها الشرعي، لم تأتِ إلا للانتصار لحقوق الإنسان الجنوبي، وعلى رأسها حقه في استعادة دولته كاملة السيادة على حدود ما قبل 21 مايو 1990، وكذا الإفراج عن كامل الأسر والمعتقلين الجنوبيين، واستعادة كامل حقوقهم المنهوبة، والمسلوبة".

من الثورة للدولة

يهدف المجلس الانتقالي الجنوبي- رسمياً- إلى استقلال الجنوب، وإنشاء "دولة جنوبية فيدرالية"، وفي عدد من الكلمات والخطابات، أكّد رئيس المجلس الزبيدي على أنَّ الجنوب اليوم يمر بمرحلة الانتقال "من الثورة إلى الدولة"، على الأرجح يفسر ذلك التغييرات الشاملة التي يجريها.

يتزامن إعادة ترتيب البيت الجنوبي الداخلي مع استعدادات المجلس الانتقالي لتحقيق مكاسب خارجية، وتثبيت نفسه كطرف أساسي وحاسم في حل الأزمة اليمنية إلى جانب الحوثيين في الشمال وحكومة هادي الهشة. 

وعلى الرغم من إصرار المجلس الانتقالي الجنوبي على التمسك بخيار "استقلال" الجنوب، إلا أنَّ التحديات السياسية والعسكرية لا تزال كبيرة، خصوصاً في ظل بقاء قوات من شمال اليمن في محافظتي شبوة ووادي حضرموت.

----------------------------------
نشر بالتوازي مع مركز ساوث 24