"اليوم الثامن" تبحث في ماضي حكم "الاشتراكي اليمني"..

تحليل: كيف قاد "الرفاق" الجنوب إلى الوحدة بين عدن وصنعاء؟

يشرح الكاتب أهم الأسباب لاستهدف النظام الشيوعي حملة لواء استقلال الجنوب الأول - أرشيف

د. علوي عمر بن فريد
كاتب وباحث تاريخي جنوبي يكتب لدى صحيفة اليوم الثامن

حتى يتمكن المتابع من معرفة الحالة السياسية للجنوب اليوم فلابد من العودة قليلا الى الوراء حيث كانت مستعمرة عدن تحت الاحتلال البريطاني تصنف دوليا انها تحتل المرتبة الأولى عربيا في النظام الإداري والاقتصادي وكانت البنية الثقافية للجنوب تحتوي على نخبة ثقافية وأدبية وعلمية واقتصادية وسياسية ودينية وفنية عالية المستوى لا تتوافر لأي دولة عربية ، وعندما سقط الجنوب بيد النظام الشيوعي كان الهدف الاول لهذا النظام هو إبادة هذه الطبقة الثقافية بكل أنواعها لأنها ستكون العائق الأول في تنفيذ مخططات النظام في تحويل المجتمع الجنوبي الى مجتمع اشتراكي، ولتحقيق هذا الهدف قام النظام بحملة اغتيالات واعتقالات بدعوى ان الرموز الوطنية والقبلية والاجتماعية والدينية هي ثورة مضادة مع ان الكثير من افراد تلك الطبقات قد حملوا لواء استقلال الجنوب من الاحتلال الانجليزي والبعض منهم كان مطلوبا لقوات الاحتلال الا ان هذا الامر لم يشفع لهم ، وبسبب هذه السياسة هاجر من نجا من تلك الطبقات إما الى الخليج واما الى بريطانيا والولايات المتحدة وغيرها .
كما لجأ البعض منهم إلى اليمن وأصبح موطناً للهاربين من النظام الجديد واتخذوا صفة لاجئين وتحت رقابة المخابرات اليمنية بقيادة محمد خميس ، بينما أضحى الجنوب قبلة اليساريين الشماليين المعارضين لنظام صالح ، وقد وصف ذلك الوضع في الدولتين الشاعر عبد الله البردوني بقوله:
يمانيـون فـي المنـفـى… ومنفيـون فـي اليـمـن
جنوبيون في (صنعـاء)… شماليـون فـي (عـدن)
وكالأعـمـام والأخــوال… فـي الإصـرار والـوهـن
وبالعودة إلى تأسيس الحزب الاشتراكي فقد تأسس في أواخر السبعينيات، وتبنّى في مراحله الأولى قضايا العدالة الاجتماعية، كإدماج بعض الفئات في المجتمع مثل البدو الرحل، وإصدار قانون الأسرة الذي تجاوز فيه الأحكام الشرعية ، وحتى بعد انتهاء حكمه منفردًا في جنوب اليمن عام 1990.
ولكن إرثه تلاشى مع مرور الوقت، إذ تخلّى الحزب تدريجيًّا عن تموضعاته المعنوية والأخلاقية، وتسارع هذا المسار خلال الفترة الانتقالية قبل اندلاع الحرب، ثم عبر تورطه في الصراع. توقف الحزب عن تبني القضايا العادلة للمواطنين سواءً على الصعيد المعيشي أو الحقوقي، ولم يبدِ موقفًا واضحًا تجاه التهديدات التي قد تجزِء البلاد وأسفرت أزماته الداخلية المتعاقبة أيضًا عن نتائج كارثية ، والتي كان أبرزها الاقتتال الداخلي بين الفصائل المتنافسة في الحزب عام 1986 – كوارث إنسانية حيث خلّفت آلاف القتلى- وأفرزت انقسامات حادة ودائمة داخل الحزب وانحساره شعبيًّا في الجنوب ، وسنحت الفرصة لصالح وكبار المتنفذين الشماليين في صنعاء التّخلّص من ثلاثة أشياء:
1- أن لا يكون هناك شخصيّة لدولة في الجنوب .
2- أن لا يكون هناك جيش جنوبيّ .
3- التخلّص من الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ .
إلى جانب ذلك كله ، اعتبر المسؤولون الشماليّون أنّ الشمال هو الأصل بسبب كثرة عدد سكّانه، وأنّه سيتمّ استيعاب الجنوب واحتواؤه واعتبروه مجرد فرع عاد للأصل . وهنا تم ضرب عرض الحائط بالندية بين الجنوب العربي واليمن !!
وفي تلك الظروف العصيبة والمتسارعة رأس علي سالم البيض اجتماعاً للمكتب السياسيّ وغلبتْ عليه الدّهشة والحيرة و الفرح. وقال له بعضهم إنّه تصرّف خارج المؤسّسات وإنّه قرّر من دون العودة إلى المكتب السياسيّ، أمّا البعض الآخر فاعتبر أنّ الوحدة الاندماجيّة ليست جيّدة وأنّ الفدراليّة أفضل وأنّهم لو أخذوا برأي صالح لكان أفضل. وكان هذا رأي القيادي في الحزب فضل محسن عبد الله ،ولكن الله أعمى بصيرة البيض وبعض رفاقه الذين أيدوه في قراره الطائش بالوحدة الاندماجية ولم يستمع لبعض زملائه في الحزب وخاصة صالح منصر السييلي الذي كان من أشد المعارضين للوحدة الاندماجية مع نظام صنعاء ومع الأسف لم يستمع له أحد !!
كان هم الرفاق الوحيد ترحيل أزماتهم السياسية والمالية الى دولة الوحدة وفي الوقت نفسه اعتبروا الوحدة طوق نجاة لهم خشية محاكمات قد تطال رقابهم بما اقترفت أيديهم من مذابح بشعة خلال حكمهم للجنوب كان آخرها مذبحة 13 يناير الدموية التي عصفت بدولة الجنوب وفي الوقت نفسه كانوا يحلمون رغم الدمار الذي لحق بالجنوب بالاستيلاء على الشمال ونتيجة لجهلهم بالفوارق الكبيرة بين النظامين والاختلاف الثقافي والتركيبة القبلية بين البلدين وهي ان حكّام الشمال يعيشون في مجتمعٍ قَبَليّ ولا يهمّهم غير الحفاظ على السّلطة. ولا يوجد نظامٌ أو قوانين لديهم. لكنهم اعتقدوا أنّ موازين القوى ستتغيّر لصالحهم ويتمكنوا من بناء دولةً جديدة. اعتقدوا ذلك جهلا منهم أنهم وحدهم أصحاب الفكر والخيارات السياسية ، وكانوا مسكونين بالتقليد السطحي والأعمى لتجارب كوبا وأوربا الشرقية وجهلهم هذا أثبت لهم أنهم كانوا على ضلال ولكن بعد فوات الأوان !!
وتبين لهم أن الجنوب ليس ألمانيا الشرقيّة ولا الشمال ألمانيا الغربية حيث أنهم في الشمال لم يرغبوا بالديمقراطيّة والتعدّديّة الحزبيّة لكنّهم أبدوا استعدادهم لتطبيق الوحدة أوّلاً بشروطهم على الجنوب أيّاً كانت ثمّ ينظرون لاحقاً لترتيب البيت اليمني الموحد من الدّاخل.
هنا شعر «الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ» بأن الحبل يلتف حول رقاب الرفاق وبدأ البحث عن أنصارٍ له في الشمال من الناصريّين وغيرهم وراح يجمعهم. في الوقت نفسه تحرّك الشمال على جبهتين: الأولى البحث في الجنوب عن المعارضين السابقين للنّظام من السلاطين وأعضاء «جبهة التحرير» و«رابطة أبناء الجنوب العربي» وعن الذين انشقّوا عن «الجبهة القوميّة» الموجودين في الخارج، في مصر كما في صنعاء. والثاني : بحَث الشمال عن الذين تضرّروا من الإجراءات الاقتصاديّة كالتأميم والإصلاح الزراعيّ. وأخذ الرئيس صالح يجمعهم ويدفعهم للمطالبة بأن يكونوا شركاء في الدولة المقبلة كي يظهر الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ بأنّه لا يمثّل الجنوب بما يكفي وهذا لعمري لا ينم عن حسن نوايا صالح وليس حبا في سواد عيون خصوم الاشتراكي ولكنه اتخذ من مطالبهم ستارا لنواياه الخبيثة في ضرب الجنوبيين ببعضهم البعض في الوقت الذي أصبح الجنوب يعاني كثيرا من ضعف البنية السياسية التي تمثله حتى في مؤتمر الحوار الوطني بسبب الدمار الذي الحقه الاشتراكيون بالبنية السياسية للجنوبيين حيث ان طبقة السياسيين قد انتهت اما بالقتل والتعذيب واما بانتهاء صلاحيتهم قياسا بأعمار من تبقى منهم، كما ان المجتمع الجنوبي يعاني من انشقاقات كبير في رؤيته للحل فهناك من يتردد حول الانفصال وهناك من يشترط إعادة حقوق الجنوبيين كشرط للبقاء تحت مظلة الوحدة ، وقد جاء انتهاء الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفياتي محفزاً ومسرعاً للقيادتين لتوحيد البلاد، ولا بد أن الرئيس صالح قرأ وفهم أن النظام قد ضعف في الجنوب إثر أحداث 13 يناير (كانون الثاني) 1986 بين الرفاق، فتوجه إلى عدن بمشروع دولة فيدرالية أو كونفيدرالية، إلا أن الجميع فوجئ بأن أمين عام اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض، يقرر بعاطفة شديدة دون التشاور مع زملائه القبول والهرولة إلى الوحدة الاندماجية الفورية.!!!
وقد وجد قرار علي سالم البيض ترحيباً داخل المكتب السياسي وشعبياً عند المواطنين، وكانت المعارضة له خجولة وغير ذات قيمة لأن المزاج في الشارع بالجنوب كان متوافقاً مع القرار بسبب سوء الأوضاع المعيشية التي كانت تزداد صعوبة، ونتيجة للعزلة الخارجية والقبضة الحديدية على المواطنين التي تراخت بعد أن صار النظام في عدن بلا سند سياسي واقتصادي إثر انهيار المنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية. هكذا تم الإعلان في 30 نوفمبر 1989 على أن يكون الثاني والعشرين من مايو 1990 هو يوم إعلان الجمهورية اليمنية.
وكان الأخطر هو بقاء القوات المسلحة والأمن في كيانين منفصلين هيكلياً، وتبع ذلك سلسلة اغتيالات داخل وخارج العاصمة صنعاء طالت أكثر من 150 من كوادر الحزب الاشتراكي . ولم يكن حزب الإصلاح حليف الرئيس صالح في الأساس منسجماً مع قضية الوحدة اليمنية لأن قياداته وكوادره كانت تتخذ موقفاً معادياً لقيامها مع نظام "ملحد" كما كانت تصف النظام في الجنوب .
انتهت الأزمة بالتوقيع على ما عُرف بـ"وثيقة العهد والاتفاق" في الأردن في شهر يناير 1994، ولم تكن سوى إشارة بدء استقطاب داخل الساحة اليمنية برهن الرئيس صالح أنه كان أمهر وأحذق في حياكة خطوطه، وأظهر أن تحالفات الحزب الاشتراكي في الشمال كانت واهية إن لم تكن معدومة تماما.
وخطط صالح لاستدراج القوات الجنوبية وشكى كذبا وزورا من وجود قوى معارضه من عمران والعصيمات وذمار وتخوم صنعاء للوحدة .. وانه يريد الاستعانة ببعض الألوية الجنوبية للدفاع عن صنعاء وبسذاجة وافقت القيادة الجنوبية على طلبه وارسلت خمسه الويه عسكريه من أقوى الألوية منها : اللواء الثالث المدرع الى عمران ولوا باصهيب الى ذمار واللواء الرابع مدفعية الى يريم وبدأت الحرب على اللواء الثالث المدرع في عمران حيث حوصر من قبل الألوية التالية : لواء الامن المركزي .. ولواء بقيادة مهدي مقوله واخر بقيادة القشيبي ... وجموع قبليه من العصيمات ورغم تلك القوات إلا أن اللواء الثالث قاتل ببسالة ونظرا للحصار ونفاذ الذخيرة استمر القتال بضراوة وفقد الجنوب خيرة الرجال ، وفي ذمار حاصرت الويه عسكريه ومجاميع قبليه همجيه غاشمه بقيادة يحي الراعي وعبدالحكيم الصفواني ويحي العنسي وعبدالله القوسي اللواء الذي طلب فقط حمل معداته ورجاله والعودة الى الجنوب . . ولكن رسالة الراعي كانت واضحة وهي استسلام غير مشروط فرفضت قيادة اللواء بقيادة العقيد جواس وانتشرت ولكنها حوصرت وتم الاجهاز على اللواء ، كما حوصر اللواء الرابع عشر في صنعاء واللواء الرابع مدفعيه في يريم وخسر الجنوب خيرة رجاله في تلك المعارك الغادرة والجبانة .
وتمكن صالح من استدعاء القيادات العسكرية الجنوبية التي فرت إلى الشمال بعد أحداث يناير 1986، وأعادهم إلى الخدمة واستعان بهم لمحاربة رفاق الأمس تحت شعاري الثأر و"تعميد الوحدة بالدم"، وصار عنوان تلك الحرب المدمرة للوحدة هو "الوحدة أو الموت". لم تستمر حرب صيف 1994 طويلاً، وانتهت بانفراد صالح كلية بالحكم مع حليفه حزب الإصلاح. وأدرك عقلاء الجنوب أن الوحدة الحقيقية قد تلاشت تماما ، وهي التي تمكن المواطن اليمني (شمالي وجنوبي) من الحصول على الفرصة المتساوية والكرامة والعدالة وحرية العمل والتنقل. وليست شعارات ورفع علم ونشيد وطني واسترجاع روايات تاريخية خيالية وأساطير يرويها العامة في الأماكن العامة ، واتضح للجميع لاحقا أن الوحدة ليست وحدة شعب، ولكن وحدة مراكز قوى ركزت على السرقة والنهب. وعائدات النفط سيطرت عليها مراكز قوى عسكرية وقبلية ووزعت توزيعا بين القبائل وقطاعات الدولة، ولم تنعكس رخاء على الجنوب بشيء ولا على المواطن في الشمال بل تذهب إلى جيوب "مراكز القوى" التي تستقي "ثقافتها " من الاستيلاء على حقوق الآخرين ..فقد تعايش الجنوبيون مع اليهود والمسيحيين والبريطانيين، ولم تحدث بينهم أي مشاكل. وبالمقابل أعطوا الشماليين الوقت اللازم ليثبتوا حسن نيتهم ولكن لم يجدوا شعبا يريد أن يتعايش معهم ولا سلطة تشعر بهم !!.
وفي ظل تلك الظروف التعيسة أصبح الجنوب يعاني كثيرا من ضعف البنية السياسية التي كانت تمثله حتى في مؤتمر الحوار الوطني بسبب الدمار الذي الحقه الاشتراكيون بالبنية السياسية للجنوبيين حيث ان طبقة السياسيين قد انتهت اما بالقتل والتعذيب واما بانتهاء صلاحيتهم قياسا بأعمار من تبقى منهم!!
لم تمر أسابيع حتى بدأت المناوشات العسكرية بين "الجيشين" الشمالي والجنوبي، وتمكن صالح من استدعاء القيادات العسكرية الجنوبية التي فرت إلى الشمال بعد أحداث يناير 1986، وأعادهم إلى الخدمة واستعان بهم لمحاربة رفاق الأمس تحت شعاري الثأر و"تعميد الوحدة بالدم"، وصار عنوان تلك الحرب المدمرة للوحدة هو "الوحدة أو الموت". لم تستمر حرب صيف 1994 طويلاً، وانتهت بانفراد صالح كلية بالحكم مع حليفه حزب الإصلاح.
إن الوحدة الحقة هي التي تمكن المواطن اليمني (شمالي وجنوبي) من الحصول على الفرصة المتساوية والكرامة والعدالة وحرية العمل والتنقل. وليست شعارات ورفع علم ونشيد وطني واسترجاع روايات تاريخية، بل هي أكثر عمقاً وديمومة من هذه الظواهر، حتى وإن كانت مهمة.
والحقيقة المرة أن الوحدة ليست وحدة شعب، ولكن وحدة مراكز قوى ركزت على السرقة والنهب. وعائدات النفط سيطرت عليها مراكز قوى عسكرية وقبلية ووزعت توزيعا بين القبائل وقطاعات الدولة، ولم تنعكس رخاء على الجنوب بشيء ولا على المواطن في الشمال بل تذهب إلى جيوب مراكز القوى ، وظهرت النيات الخبيثة علنا... وقد شخص الوضع السياسي الشائك بين اليمن والجنوب العربي السياسي الجنوبي البارز السيد عبد الرحمن الجفري وقال :
ــ دولتنا محتلة وتجاوزنا الوحدة الورقية وغزو العائدين من أفغانستان والحوثي .
ــ أي حلول وسط ستفجر اليمن ولا حل إلا بانتصار صريح على من أشعلوا الحرب .
ــ لا دولة ولا سلطة حاكمة في اليمن وسينقسم الشمال إلى دولتين والجنوب الثالثة .
ــ نسعى إلى مؤتمر جنوبي يجمع كافة القوى ومن الضروري حسم أمرنا كجنوبيين .
ــ صالح أعتبر الجنوب غنيمة ومناجم للفساد على حساب شعبنا
ــ من يقف عقبة أمام الجنوب سيخضع للمحاسبة القانونية على ما اقترفت يداه .
ــ تحكم اليمن مراكز قوى وليس بينهم جنوبي واحد من أصحاب المناصب الوهمية . وقال السيد الجفري :
دولة الجنوب العربي قائمة وينقصها استرداد الهوية والأرض وبناء الدولة واختيار نظامها، مع إدراكه أن بناء دولة على الركام الحالي ليس أمرًا سهلا ، مسؤولية الجنوب العربي عن أمن باب المندب والبحر الأحمر والحدود المشتركة مع دول الجوار، ويعترف أن هناك من أبناء الجنوب من يفكرون في الفيدرالية ويقول في هذا الشأن"
والجنوب العربي الذي تم تغيير اسمه يوم استقلاله عن بريطانيا، في 30 نوفمبر 1967م، إلى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، ثم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. ثم تّمت وحدة، في 22 مايو1990م، بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، على عجل في ظل أوضاع دولية استثنائية رافقت انهيار الاتحاد السوفيتي و الدول التي تدور في فلكه. وأكد الجفري أن في نظام اليمن ما كان ُيسمى بالجمهورية العربية اليمنية اعتبروا تلك الوحدة عودة فرع إلى الأصل وهو لم يكن له وجود أصلا في التاريخ ولم تقم دولة أو نظام حكم أو مملكة باسم "اليمن" في التاريخ كله إلا في عهد الإمام يحيى حميد الدين ـ رحمه الله ـ بعد الحرب الأولى حيث أسمى مملكته "المملكة المتوكلية الإسلامية " ثم غّير اسمها إلى "المملكة المتوكلية الهاشمية" ثم غّير اسمها إلى "المملكة المتوكليه اليمنية".
واسم اليمن هو اسم لجهة وليس لهوية دولة.. وسيدنا رسول الله، عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام ، قال وهو بجانب الكعبة هاهنا يمننا وهاهنا شامنا أي كل ما هو يمين أو جنوب الكعبة فهو يمن، وما هو شمالها فهو شام. وقالها في تبوك.. والقصد هو جهة الدولة وليس الهوية. وقال أتوكم أهل اليمن الخ وكانوا من تهامة. ولذلك لم تقم الدولة باسم اليمن ولا باسم الشام.. بل حتى اليوم في اليمن الشقيق ذاتها ُتسمى المناطق حسب الموقع منها، فأصحاب "عمران" يسمون "صنعاء" يمنًا، وأصحاب صنعاء
يسمون "عمران" شامًا...وهكذا.
وفي الختام نقول :
إن الله عز ّوجلّ ذم الخيانة في كتابه العزيز في أكثر من آية منها قوله تعالى (إن الله لا يحب من كان خواناً أثيما)، واستعاذ منها رسول الله عليه الصلاة والسلام بقوله (اللهم إني أعوذ بك من الخيانة فإنها بئس البطانة). والخيانة بكل أشكالها عمل مستقبح يصدر من صغار الهمة عديمي الضمير والأخلاق. الذين يسود طبعهم اللؤم والخسة والدناءة، الذين يعيشون بدون شرف ولا مبادئ ولا قيم، لسفالة عملهم وسفاهة عقولهم وانحطاط مستواه وخيانة الوطن تعد أشدّ وأفظع الخيانات لأن فيها نكثا للبيعة ونقضا للعهد يتعاظم سوؤها ويزيد ضررها على الجميع لما تمثله من صفات الغدر وعدم الإخلاص وجحود الولاء وضياع الانتماء.
قال عنهم عباس بن مرداس السلمي وهو صحابي جليل أسلم قبل فتح مكة
(وفي هوازن قوم غير أن بهم داء اليماني فإن لم يغدروا خانوا)

د. علوي عمر بن فريد