عبدالله بن بجاد العتيبي يكتب:
قطر.. «براءة» من الإخوان؟
أوصاف كثيرة تنطبق على الدولة القطرية في العشرين سنة الأخيرة وما بعد انقلاب حمد بن خليفة على والده منتصف التسعينيات من القرن الماضي، قطر المؤامرات وقطر المكائد وقطر الخيانة، وقطر المتناقضات، وبعد المقاطعة من الدول العربية الأربع، قطر العناد الاستراتيجي وقطر الدولة المخبأ وغيرها كثير.
أطلقت «لولوة الخاطر» المتحدثة باسم الخارجية القطرية من واشنطن تصريحاً يناقض كل سياسات قطر وتوجهها الاستراتيجي مع جماعة «الإخوان» وكل جماعات الإسلام السياسي وكل تنظيمات الإرهاب وميليشياتها ودعمها بكافة أنواع الدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي وكل أنواع الدعم التي يمكن أن تقدمها دولةٌ لجماعات أو تيارات.
قالت في كلامها عن موقف قطر من جماعة «الإخوان»: «لا نعارضهم لكننا لا ندعمهم» وبررت ذلك بمبررات ذهب زمنها وانكشفت فضائحها منذ سنواتٍ، وعلاقات قطر بهذه الجماعات والتنظيمات أوضح من الشمس في رابعة النهار، بل إن قطر تجاوزت ذلك بكثير، وباشرت دعم تنظيم «القاعدة» وتنظيم «داعش» وميليشيات إيران الإرهابية بأنواع الدعم ومن أشهره الدعم المادي بمليارات الدولارات في قضايا مثبتة وموثقة على رأسها استخدامها للفدية في هذا الدعم إن في سوريا مع «جبهة النصرة» في قضية «راهبات معلولا» وإنْ في العراق مع ميليشيات شيعية إرهابية في قضية «الصيادين» المعروفة.
ربما كان هذا الحديث أقرب ما يكون لبالون اختبارٍ قبل أن تخضع الدوحة لمطالب دول المقاطعة وتتبرأ من جماعة "الإخوان" وكل الجماعات الإرهابية، وربما أنه تصريحٌ لمجرد ذرّ الرماد في العيون وبخاصة أنه صدر في واشنطن عاصمة القرار الأميركي حيث تتخذ إدارة الرئيس ترامب سياسات قويةٍ تجاه إيران وحلفائها في المنطقة وهي تتجه لإعادة النظر في الموقف من جماعة الإخوان المسلمين في ظل توجهٍ جديدٍ بدأ يتنامى في بعض الدول الأوروبية لمراجعة عميقة لتوجهات هذه الجماعة الإرهابية وأدوارها التي تلعبها في تلك الدول.
علاقة قطر بجماعات الإسلام السياسي علاقة لا تنفصم فهي بدأت قديماً في نهاية الخمسينيات ومطلع التسعينيات مع وصول "الإخواني" يوسف القرضاوي وعبد البديع صقر، وأخذت في التنامي والتأثير بشكل صاروخي بعد انقلاب 1995 حين تجلّت الإرادة السياسية للقيادة القطرية بمعاداة كل الأشقاء والعمل على نشر الفوضى والخراب ودعم الأصولية والإرهاب.
كانت ذروة تلك العلاقة فيما كان يعرف بـ"الربيع العربي" وهو ربيع الأصولية والإرهاب بامتياز حيث دعمته قطر بكل ما تملك بتحالفٍ وثيقٍ تم بناؤه عبر أكثر من عقدٍ ونصف العقد من الزمان مع جماعات الإرهاب، والدعم القطري كان يذهب تحديداً لهذه الجماعات المنظمة والخطيرة، في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن كما في دولٍ أخرى تمثل طرقاً يمكن من خلالها إمداد هذه الجماعات المنظمة لا بالمال فحسب بل بالسلاح بكل أنواعه وبمشاركة مباشرةٍ من ضباط وعساكر قطريين كانوا يديرون بعض تلك العمليات المختلفة ويخططون لدمار الشعوب العربية ونجحوا في بعض الدول التي لم يزل يعيث فيها إرهابيو قطر فساداً. بعد مقاطعة الدول العربية الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، للدوحة، اضطرت تحت الرقابة الصارمة لسياساتها أن تخفف من اندفاعها خلف تلك الجماعات، وهي خسرت في غالب تلك الدول، فتونس عادت لأهلها عبر طريقٍ صعبٍ، ومصر عادت لنفسها بقوة شعبها وجيشها، واليمن تعود بقوةٍ لنفسها وشعبها والحرب مستمرةٌ وحلفاء قطر يخسرون، وسوريا تحولت لنزاعٍ إقليمي ودولي أكبر من قطر، وليبيا في طريقها للانعتاق من جماعات الإرهاب المدعومة من قطر.
أخيراً، فصانع القرار القطري يعيش أزمةً عميقةً، تكشفت فيها أوراقه، وانتشرت فضائحه وبانت مخططاته، وما لم تقم قطر بمراجعة حقيقيةٍ أشبه بانقلابٍ فإنها ستظل معزولة وضعيفة.