خير الله خير الله يكتب:
بين الأرقام والجوع… والصلاة في القدس
بعيدا عن الشعارات التي يرفعها “حزب الله” وكبار المسؤولين الإيرانيين عن الصلاة قريبا في القدس، وعن ضرورة الانفتاح اللبناني على النظام السوري، هناك، إلى إشعار آخر، واقع ثابت في المنطقة، أقلّه في المدى المنظور. هناك احتلال إسرائيلي للقدس الشرقية بموافقة أميركية واضحة من جهة، وهناك تجارة بالقدس تحديدا وفلسطين عموما من جهة أخرى.
لا وجود، للأسف الشديد، شيء آخر غير هذا الواقع. هل يكون الهرب من الواقع بالإعلان عن الصلاة في القدس قريبا؟
قبل أن يعدَ حسن نصرالله، الأمين العام لـ”حزب الله” وآخرون بالصلاة في القدس قريبا، من الضروري النظر إلى بعض الأرقام المرتبطة بسوريا ولبنان. هناك نسبة 86 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، فيما بدأت إيران تفكّر في كيفية استعادة أموال تقدر بثلاثين مليار دولار صرفتها في سوريا من أجل حماية نظام بشّار الأسد من منطلق مذهبي ليس إلا، ومن أجل أن تكون الأراضي السورية جسرا بينها وبين ميليشيا “حزب الله” في لبنان.
تحتاج سوريا، إلى ما لا يقلّ عن 500 مليار دولار من أجل إعادة إعمارها. من هو الجانب المستعد للمساهمة في إعادة إعمار سوريا في ظلّ الأزمة المالية العالمية التي تسبّب بها وباء كورونا، وفي ظلّ هبوط سعر برميل النفط، وهو هبوط ستكون له آثار أسوأ من تلك التي سيخلفها كورونا.
أكثر من ذلك، لن يكون هناك من هو مستعد للمساعدة في إعادة إعمار سوريا في ظلّ وجود النظام القائم. إن إعادة إعمار سوريا تحتاج إلى قيادة سورية جديدة لا علاقة لها بتلك التي تحكم البلد منذ خمسين عاما، أي منذ تولّى حافظ الأسد السلطة في 16 تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1970.
الأرقام الواردة من سوريا عن الخراب الذي خلّفته الحرب التي يشنها نظام أقلّوي على شعبه مخيفة، بل مرعبة بكلّ المقاييس. في موازاة الأرقام الآتية من سوريا، هناك انهيار النظام المصرفي اللبناني وبداية انهيار النظام التعليمي الذي مكّن لبنان من استعادة عافيته بعد كل الأزمات التي تعرّض لها. من أكبر تلك الأزمات تهجير أكبر عدد ممكن من اللبنانيين من بلدهم. معظم هؤلاء من المسيحيين… كان ذلك في الأعوام 1988 و1989 و1990 عندما سكن ميشال عون في قصر بعبدا للمرّة الأولى بصفة كونه رئيسا لحكومة موقتة مهمتها محصورة بانتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس أمين الجميّل الذي انتهت ولايته الدستورية في أيلول – سبتمبر 1988.
ينسى من يريد الصلاة في القدس أن الجوع يهدّد مليون لبناني. هذا ما حذّر منه المدير الإقليمي لبرنامج الغذاء العالمي وممثله في لبنان، عبدالله الوردات. قال الوردات إن مليون لبناني معرضون لأن يصبحوا تحت خط الفقر الغذائي خلال العام الحالي، مشيراً إلى أن البرنامج يستعد لتقديم مساعدة غذائية طارئة لدعم 50 ألف أسرة لبنانية معرضة لتداعيات الأزمات الاقتصادية.
أضاف أنّه “استناداً إلى التوقعات الناجمة عن النمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي للفرد لعام 2020، يقدر البنك الدولي أن معدل انتشار الفقر سيرتفع من 37 في المئة عام 2019، إلى 45 في المئة عام 2020. ومن المتوقع أن يؤثر الفقر المدقع (المعروف أيضًا باسم فقر الغذاء) على 22 في المئة من السكان في لبنان، مقارنة بـ16 في المئة في العام 2019”.
وتابع “وفقاً لهذه التقديرات، يمكن أن يكون في لبنان ما يصل إلى 335 ألف أسرة لبنانية فقيرة في العام 2020، بما في ذلك 163 ألف أسرة أي نحو مليون شخص يعانون من الجوع”.
نعم، قبل الصلاة في القدس، هناك الجوع وهناك حاجة إلى قيادة سياسية تقول كلاما حقيقيا للعالم، وليس الكلام الذي صدر عن رئيس مجلس الوزراء حسان دياب الذي توجّه إلى قيادة القوّة الدولية في جنوب لبنان ليؤكد أن لبنان يطبّق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن صيف العام 2006.
سوريا ولبنان في حال يرثى لها. على الرغم من ذلك، هناك من يريد الصلاة في القدس. هذا لا يعني، في طبيعة الحال، أن في الإمكان تبرير الاحتلال الإسرائيلي للمدينة المقدّسة التي كانت تحت السيادة الأردنية قبل حرب الأيام الستة. كذلك، لا يعني ذلك التغاضي عن رغبة إسرائيل في تكريس احتلالها للقدس والاستعداد لضم قسم من الضفّة الغربية ومنطقة الأغوار. هناك مئة وثلاثون مستوطنة تنوي إسرائيل ضمها نهائيا من أجل دفن خيار الدولتين كلّيا.
بعض التواضع أكثر من ضروري بين حين وآخر. هناك المتاجرة بالقدس، وهناك كيفية المساعدة في منع إسرائيل من الذهاب بعيدا في ضمّ معظم الضفة الغربية في ظلّ عجز فلسطيني ليس بعده عجز.
قبل إطلاق وعد بالصلاة في القدس، من الأفضل التفكير في كيفية تلافي كارثة في لبنان وأخرى في سوريا. الأرقام لا تكذب. الأرقام وحدها تتكلّم وتقول الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة. هل هناك من يريد التعاطي مع لغة الأرقام قبل دخول لعبة إطلاق الشعارات وتصديقها بما في ذلك المتاجرة بالقدس وبالقضية الفلسطينية؟
مخيف أن تكون لغة الشعارات حلت مكان لعبة الأرقام، وأن يكون هناك من يريد تجاوز الواقعين السوري واللبناني، فيما إسرائيل تسرح وتمرح في المنطقة من دون حسيب أو رقيب.