خير الله خير الله يكتب:
إسرائيل والضفة… والمشروع الإيراني
أيا يكن القرار الذي ستتخذه الحكومة الإسرائيلية في شأن الضفّة الغربية، فإنّ هذا القرار الذي يستهدف ضمّ جزء من الضفّة المحتلة في العام 1967 لن يخدم الاستقرار في المنطقة. يبدو الهدف الإسرائيلي واضحا كلّ الوضوح. يتمثّل الهدف في استغلال الظروف الإقليمية والعالمية من أجل القضاء نهائيا على خيار الدولتين، وهو خيار عمل الفلسطينيون من أجله منذ العام 1988 عندما اتخذ المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في الجزائر قرارا بإعلان قيام دولة فلسطين على الأرض المحتلة في 1967.
لن يخدم القرار الإسرائيلي الاستقرار على الرغم من أنّ المنطقة منشغلة حاليا بقضايا أخرى، وعلى الرغم من تراجع الاهتمام بالقضيّة الفلسطينية التي لم تعد في أيّ شكل القضيّة الأولى للعرب. لم تعد كذلك، بغض النظر عن كلّ الشعارات التي ترفع بين حين وآخر وكلّ الكلام الذي يصدر عن هذا المسؤول أو ذاك عن فلسطين، اللهمّ إلّا إذا استثنينا الأردن الذي لديه، لأسبابه الخاصة، مصلحة حقيقية في قيام دولة فلسطينية مستقلّة.
تعتبر إسرائيل المستفيد الأوّل من الخطر الإيراني الذي يلقي بظلاله على الشرق الأوسط والخليج العربي. لم يعد سرّا، أن الخطر الإيراني صار ماثلا في كلّ مكان وهو يهدّد كلّ بلد عربي، خصوصا العراق وسوريا ولبنان واليمن. كذلك، يهدّد دول الخليج العربي، في مقدّمها المملكة العربية السعودية التي بات عليها مواجهة الخطر الإيراني الذي مصدره اليمن والإمارة الإسلامية التي أقامها الحوثيون فيه. هناك إمارة حوثية على غرار تلك الإمارة التي أقامتها “حماس” في قطاع غزّة ووضعتها في خدمة إيران من جهة وتركيا من جهة أخرى.
كان يمكن للتطورات الإقليمية أن تجعل الإسرائيلي يعتمد لغة العقل والتعقّل بدل اللجوء إلى الاستفزاز. لغة العقل تعني أوّل ما تعني إيجاد صيغة تفاهم مع الجانب الفلسطيني بدل أن تصبح لغة المستوطنين هي اللغة التي تفرض نفسها على الحكومة
الثابت أنّ هناك إصرارا إسرائيليا على الانتهاء من خيار الدولتين الذي يعتبره بنيامين نتانياهو خطرا على مستقبل إسرائيل. لكنّ السؤال هل في استطاعة “بيبي” التعاطي مع مرحلة ما بعد ضمّ جزء كبير من الضفة لقطع الطريق نهائيا على خيار الدولتين؟
من الواضح، أنّ هناك محاولات يبذلها المجتمع الدولي، بما في ذلك الإدارة الأميركية، من أجل تأجيل إسرائيلي ضمني لقرار ضم نسبة ثلاثين في المئة من الضفّة الغربية. بدا ذلك واضحا من البيان الذي صدر عن نتانياهو والذي يشير بطريقة مبطّنة إلى أن حكومته ستلجأ إلى تنفيذ الضمّ معتمدة طرقا ملتوية. يظهر أنّ خلافات داخل الحكومة التي تجمع بين ليكود وحزب الجنرالات (أزرق وأبيض) الذي على رأسه وزير الدفاع بني غانتس. ليست هذه الخلافات في شأن مبدأ ضمّ أراض فلسطينية فيها مستوطنات إسرائيلية، بل في شأن حجم الأراضي التي ستضمها إسرائيل عن طريق إعلان بسط السيادة عليها.
هناك مشاكل كبيرة تواجه الفلسطينيين حاليا. لكنّ ذلك لا يعني أن طريق حكومة “بيبي” الجديدة التي سميّت “حكومة طوارئ” خالية من العراقيل، خصوصا في حال كانت ستذهب إلى النهاية في عملية الضمّ التي تصب في خلق أمر واقع جديد على الأرض. من أبرز المشاكل الإسرائيلية العجز عن الاعتراف بأن البديل من خيار الدولتين هو الدولة الواحدة. مثل هذا الخيار لا يتناسب مع طموحات اليمين الإسرائيلي الذي لا يمكن القبول بدولة يتساوى فيها العرب واليهود، فتكون لكلّ مواطن فيها الحقوق والواجبات ذاتها.
لا يستوعب اليمين الإسرائيلي أنّ هناك قنبلة سكانية آتية. اسم القنبلة الفلسطينيون الذين لا يمكن إلغاء وجودهم السياسي والجغرافي في المنطقة. هم موجودون سياسيا ولا يمكن إلّا أن يوجدوا جغرافيا مهما طال الزمن.
صحيح أن الفلسطينيين أضاعوا فرصا كثيرة وذلك منذ ما قبل قرار التقسيم في العام 1947، لكن الصحيح أيضا أن ليس في الإمكان إلغاء شعب بكامله بالاعتماد على فرض حلول من جانب واحد في ظلّ ظروف معيّنة. هذه الظروف لا يمكن أن تستمرّ إلى ما لا نهاية… حتّى لو بقي كابوس “حماس” يتحكّم بقطاع غزّة طويلا. أهل الضفّة الغربية لا يمكن أن يبقوا أسرى قيادة عاجزة فقدت القدرة على القيام بأي مبادرة من أيّ نوع، بما في ذلك الاعتراف بأن إلغاء الاتفاقات مع إسرائيل لا يعني شيئا، مثلما لا يعني شيئا كلام للمفاوض الفلسطيني صائب عريقات الذي يعتقد أنّ هناك مهنة تستمر لمدى الحياة اسمها مهنة التفاوض…
في المدى القصير، يمكن لحكومة “بيبي” أن تحقّق نجاحا شعبيا، ذلك أن هناك أكثرية إسرائيلية تؤيّد سياسة الضمّ. لكنّ كل ما تقوم به في نهاية المطاف هو سياسة قصيرة النظر تعتمد على العجز العربي عن المواجهة من جهة وتصاعد الخطر الإيراني من جهة أخرى.
الخطر الإيراني صار ماثلا في كلّ مكان وهو يهدّد كلّ بلد عربي، خصوصا العراق وسوريا ولبنان واليمن. كذلك، يهدّد دول الخليج العربي، في مقدّمها المملكة العربية السعودية
كان يمكن للتطورات الإقليمية أن تجعل الإسرائيلي يعتمد لغة العقل والتعقّل بدل اللجوء إلى الاستفزاز. لغة العقل تعني أوّل ما تعني إيجاد صيغة تفاهم مع الجانب الفلسطيني بدل أن تصبح لغة المستوطنين هي اللغة التي تفرض نفسها على الحكومة. لغة المستوطنين لغة هوجاء، ذات طابع عنصري، لا تقيم أهمّية للقيم الإنسانية التي تدّعي الحركة الصهيونية أنّها تؤمن بها. يتبيّن كلّ يوم أن الحركة الصهيونية لا تؤمن سوى بالاحتلال وإيجاد الفرص للتمدد في الضفة الغربية بعد وضع اليد نهائيا على القدس الشرقية.
لن تبقى السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادتها الراهنة إلى ما شاء الله. سيأتي يوم تكون فيه قيادة فلسطينية جديدة شابة تعرف ماذا تريد وتعرف خصوصا أنّ لا وجود لشيء اسمه التفاوض من أجل التفاوض. ستكون هناك قيادة تدرك أن العالم تغيّر وأن المنطقة تغيّرت وأن ليس بالإمكان إلغاء الشعب الفلسطيني مهما كانت الظروف الإقليمية صعبة ومهما زاد الخطر الإيراني ومهما زاد عدد المتاجرين بالقضيّة الفلسطينية. هؤلاء يرددون لتبرير السياسة التوسّعية الإيرانية وخدمتها أن “البوصلة يجب أن تكون فلسطين”، أي أن قتل الشعب السوري حلال ما دام الشعار المرفوع هو الصلاة في القدس! لا يمكن لشعار “فلسطين البوصلة” البقاء حيّا يرزق لتبرير كلّ هذا العدوان على فلسطين وتقديم الخدمات التي لا تقدّر بثمن لليمين الإسرائيلي.
أي إسرائيل أمامنا؟ أي سياسة ستختار إسرائيل؟ سياسة المكاسب السريعة على أرض الضفّة الغربية، وهي سياسة قصيرة النظر… أم سياسة العودة إلى خيار الدولتين، وهو خيار بعيد المدى يخدم الاستقرار في المنطقة حيث لا يمكن أن يظلّ شبح المشروع التوسّعي الإيراني، الذي وجد من أجل خدمتها، حيّا يرزق إلى ما لا نهاية…