خير الله خير الله يكتب:

هدنة أو لا هدنة في لبنان!

ليس ثمة ما يؤكّد أنّ رئيس الوزراء اللبناني المكلّف مصطفى أديب سيتمكن من تشكيل حكومة خلال الأيام القليلة المقبلة. لكنّ لا شيء يمنع التفاؤل والتكهّن بأن تغييرا كبيرا سيطرأ على الوضع اللبناني فتحلّ، محلّ الحكومة الحالية، حكومة فاعلة مهمّتها الأولى ملء الفراغ السياسي القائم، ولو مؤقتا. إنّه فراغ قابل للاستمرار إلى ما لا نهاية لسببين. أولهما وجود ميشال عون، الذي لم يتحرّك لتفادي كارثة بيروت، في قصر بعبدا والآخر سيطرة “حزب الله” على البلد. كان أفضل تعبير عن تلك السيطرة الإتيان بإسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إلى لبنان، لأسباب إيرانية، وتمكينه من التصرّف بطريقة توحي بأنّه الممثل الشرعي الوحيد للقيادة الفلسطينية.

مع استقبال هنيّة بالطريقة التي استقبل بها، بدءا بمطار بيروت، كرّس “حزب الله” وجود لبنان في “محور الممانعة” الذي تقوده إيران، وهو محور معاد كلّيا لكلّ ما هو عربي في المنطقة. هل من فضيحة أكبر من فضيحة غياب العلم الفلسطيني عن العراضة المسلّحة في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، قرب صيدا، وهي عراضة أقيمت خصيصا لرئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”؟ لم يجد اللبنانيون الذين ما زالوا يمتلكون بعض المنطق ما يقولونه عن زيارة إسماعيل هنيّة سوى أنّه جاء إلى لبنان من أجل تحرير القدس. صارت طريق القدس تمرّ بلبنان بالنسبة إلى “حماس”، فيما يذهب حسن نصرالله إلى سوريا والعراق واليمن في طريقه إلى القدس أيضا…

يفترض أن يتوجه مصطفى أديب في غضون أقلّ من أسبوع إلى قصر بعبدا ليقدّم إلى رئيس الجمهورية ميشال عون لائحة بأعضاء الحكومة التي ينوي أن يكون على رأسها. إذا قبل عون اللائحة ستكون هناك حكومة لبنانية جديدة خلفا للحكومة – الكارثة التي سميّت حكومة حسان دياب. يتحمّل حسّان دياب مع رئيس الجمهورية جانبا كبيرا من المأساة التي حلّت ببيروت في الرابع من آب – أغطس الماضي إثر التفجير الضخم الذي وقع في الميناء.

لا يزال الميل إلى رفض رئيس الجمهورية اللائحة التي سيحملها مصطفى دياب، علما أن هناك إشارات من مصادر مختلفة تدلّ على أنّ ميشال عون سيقبل اللائحة كما هي. يعود ذلك إلى الضغوط الفرنسية التي أخذت شكل تسريبات في الصحف تناولت شخص رئيس الجمهورية نفسه وأفراد عائلته، بمن في ذلك صهره جبران باسيل واثنتين من بناته الثلاث إضافة إلى شخصيات أخرى قريبة منه مثل سليم جريصاتي.

في كلّ الأحوال، هناك أمران لا بدّ من التوقّف عندهما. أولهما أنّ مصطفى أديب يبدو، إلى الآن، مصمّما على فرض الحكومة التي يريد على رئيس الجمهورية. في غياب ذلك، تقول أوساط على علاقة به إنّه سيكون مستعدا للاعتذار عن عدم قدرته على تشكيل الحكومة وترك ميشال عون يتحمّل مسؤولية تصرّفه. أمّا الأمر الآخر، فهو مرتبط بـ”حزب الله” وحساباته. أثبت الحزب مرّة أخرى، بما لا يدع مجالا للشكّ أنّه القوّة المهيمنة على لبنان. إذا كان ميشال عون رئيسا للجمهورية في لبنان، فهو أشبه بحسن روحاني رئيس “الجمهورية الإسلامية” في إيران. في المقابل، أنّ حسن نصرالله، الأمين العام لـ”حزب الله”، فهو أقرب إلى أن يكون في موقع “المرشد”، كما حال علي خامنئي في إيران.

هل تسمح حسابات “حزب الله” بتشكيل حكومة جديدة لا يكون ممثلا فيها، هو الذي أصرّ على ذلك منذ العام 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري ورفاقه وبعد خروج الجيش السوري من لبنان…

سيشكّل قبول “حزب الله” بالبقاء خارج الحكومة تنازلا كبيرا منه. هذا التنازل مطلوب أكثر من أيّ وقت من حزب لعب كل الأدوار المطلوبة منه من أجل إيصال لبنان إلى ما وصل إليه من إفلاس وبؤس على كلّ صعيد. عمل ذلك بصفة كونه لواء في “الحرس الثوري” الإيراني ليس إلّا، لواء عناصره لبنانية مستعدة لعمل كلّ المطلوب منها إيرانيا، أكان ذلك في لبنان أم خارج حدوده.

ليس سرّا أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون يسعى إلى إنقاذ لبنان وذلك لأسباب عاطفية وأخرى مرتبطة بمصالح فرنسية تلتقي تماما مع مصالح بلد مثل لبنان. ليس سرّا أيضا أنّه عمل الكثير من أجل استرضاء “حزب الله”. يكفي أنّه لم يصفه بـ”الإرهابي” وميّز بين جناحيه العسكري والسياسي. الأهمّ من ذلك كلّه، أنّه لم يتطرّق إلى قرارات مجلس الأمن الخاصة بلبنان. لا إلى القرار 1559 ولا إلى القرارين 1680 و1701.

في نهاية المطاف، يمكن القول إن المبادرة الفرنسية تستهدف تحقيق هدنة في لبنان في ظلّ حكومة جديدة لا علاقة لها بـ”حزب الله” ولا بـ”التيّار الوطني الحر” الذي حرم اللبنانيين من الكهرباء ويريد استعادة حقوق المسيحيين بالاعتماد على سلاح “حزب الله”!

تستهدف الهدنة الاهتمام بقطاع الكهرباء الذي عبث به “التيار العوني” ما يزيد على عشر سنوات… وإعادة هيكلة النظام المصرفي والمالي اللبناني وإعادة الحياة إلى ميناء بيروت مع العمل على ترميم الأحياء التي تهدّمت في العاصمة اللبنانية. هذه الأحياء، وهي في معظمها مسيحية، في حاجة إلى عملية مسح شاملة وترميم سريع لما يمكن ترميمه كي يعود المواطنون إلى بيوتهم قبل هطول الأمطار الخريفية وقبل أن يتمكن السماسرة من الاستحواذ على عقارات معيّنة.

هل يسير “حزب الله” في هذه الهدنة، على الأصح، هل تسير إيران في هذه الهدنة بدل أن تصرّ على التصرّف في لبنان بطريقة تؤكد أنّه ليس سوى “ساحة” تستخدمها لخدمة مصالحها؟

لا جواب واضحا بعد. الثابت الوحيد أن زيارة إسماعيل هنيّة التي جاءت للتذكير بلبنان “الساحة” لا تبشّر بالخير، خصوصا أنّها جاءت مباشرة بعد زيارتي الرئيس الفرنسي وكلّ من مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل ومساعده الآخر لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر. قد يحصل لبنان على هدنة وقد لا يحصل. أيّام قليلة ويتبين ما إذا كان في لبنان من استوعب معنى الذي حصل في ميناء بيروت وأنّ لا مفرّ من حكومة جديدة مختلفة كلّيا تعني أوّل ما تعنيه أن تغييرا كبيرا حصل وأن ما بعد تفجير المرفأ في الرابع من آب – أغسطس الماضي ليس كما قبله، خصوصا في ظلّ بقاء السؤال الكبير من دون جواب: من وراء تفجير الميناء، ولماذا تلك المواد مخزنة في الميناء ومن حماها طوال كلّ تلك السنوات؟