عبدالرحمن كوركي مهابادي يكتب لـ(اليوم الثامن):

النظام السياسي في إيران قائم على الانتخابات أم التعيينات!

يتقلص نطاق حياة "الولي الفقيه الحاكم في إيران" يومًا بعد يوم، وتتفاقم الأزمات، ويتجه المزيد من الناس نحو "الانتفاضة لإسقاط نظام الملالي". يُعبّر هذا المسار عن الطريق اللاعودة فيه، والذي يسلكه الوليّ الفقيه والشعب الإيرانيّ، في اتجاهين متعاكسين، وهو أمر لا مفر منه!

إن الولي الفقيه هو صاحب السلطة المطلقة في إيران. كما كان الشاه هو صاحب هذه السلطة في كنف حكم الديكتاتورية الملكية. لقد أطاح الشعب الإيراني بالشاه، ويُعِد نفسه الآن للانتصار على دكتاتورية الولي الفقيه! لقد أظهرت تجربة التاريخ الاجتماعي لشعوب البلدان أن الانتصار على الدكتاتورية دائماً ما كان يتحقق على يد الشعب!  

نظرة عامة على السنوات القليلة الماضية في إيران!

منذ اليوم الذي سحقت فيه دكتاتورية الولي الفقيه المظاهرة التي نظمها 500,000 شخص في طهران في 20 يونيو 1981، وبدأت "المقاومة الشعبية" بشكل جديد، وظهر "البديل الديمقراطي" لهذا النظام المعادي بفطرته للشعب؛ أصبحت "الاستراتيجية الجديدة" أي الإطاحة بالديكتاتورية "خارطة طريق" الشعب والمقاومة الإيرانية.

لم ولن تتبنى المقاومة، والبديل الديمقراطي أيّ مساومة أو مفاوضات مع الديكتاتورية، ولا تعني الاستراتيجية المصيرية ذلك؛ نظراً لأن الانتصار على الدكتاتورية، وضمان المستقبل والخلود في التاريخ، يقتضي استمرار مسار الثورة ضد الديكتاتورية السابقة (الديكتاتورية الملكية) وأن أي تراجع في هذا المسار سيعرِّض مستقبل إيران والإيرانيين (وحتى السلام والاستقرار والأمن في المنطقة) للخطر!

بمقتضى هذا النهج، كان برنامج الانتفاضات في السنوات الأخيرة في إيران، يُظهر يومًا بعد يوم أمام الرأي العام مدى المزيد من استرشادها بهذه الاستراتيجية، وكانت أنجحها الانتفاضة الوطنية للشعب الإيراني في عام 2022، حيث حالت دون عودة الدكتاتورية إلى التوازن السابق، وأبطلت سياسة "مهادنة الديكتاتورية الإيرانية" التي ظهرت على المسرح بشعارات وتكتيكات مختلفة. وتجلى في هذه المقاومة المجيدة تعميم شعار "لا للشاه، لا للشيخ" يعني رفض أي نوع من الديكتاتورية في إيران، وهو الشعار الرئيسي للشعب والمقاومة الإيرانية. ولذلك فإن الطريق الوحيد للتقدم وتحقيق النصر هو استمرار الانتفاضة والمضي قدماً في إسقاط الدكتاتورية الدينية!

مرحلة جديدة في الوضع الحالي لتوازن القوى!

كان تحطم المروحية التي كانت تقل إبراهيم رئيسي وعدداً من مقربيه في محافظة أذربيجان الشرقية ومقتل جميع ركابها، أمرًا صعبًا ومميتًا للغاية بالنسبة للولي الفقيه الحاكم في إيران. تحطمٌ لا يذكرنا بهلاك الحرسي قاسم سليماني ومقربيه في بغداد فحسب، بل كان أيضا ضربة قاصمة إلى حد يفوق الخيال بكثير ومستحيل تعويضها على جسد هذه الدكتاتورية.

ويحاول النظام الدكتاتوري الحاكم وحلفاؤه التظاهر بأنهم سيتمكنون من النجاة من هذه الضربة واستعادة توازنهم وتجاوزها. ولكن يمكننا أن نؤكد على أن هذا الإدعاء خطأ كبير وكذبة كبيرة. لماذا؟

كما أن "إنتاج" قاسم سليماني في المجال العسكري كان نتيجة عقود من عمل الولي الفقيه، نجد أن إنتاج "إبراهيم رئيسي" وتعيينه في منصب "رئاسة الجمهورية" كان نتاج عمل أكثر. وكان كل منهما "مرحلة انهيار" لعملية من إجراء الولي الفقيه "لتقليص" حكمه. بمعنى آخر، بغض النظر عن اسم كل منهما ومنصبه، فإن المهم الذي يجب الانتباه إليه هو "المعايير" التي أخذها ويتخذها الولي الفقيه في الاعتبار في إنتاج مثل هذه العناصر. ولهذا السبب يمكننا القول على وجه اليقين أنه من رابع المستحيلات لهذا النظام الفاشي أن يعوض قاسم سليماني ولا إبراهيم رئيسي من باب أولى من أجل الدكتاتورية الدينية، خاصة وأن الحديث يدور الآن حول اقتراب نفوق خامنئي واستبداله. ولهذا السبب يُقال إن مقتل رئيسي يشكل ضربة استراتيجية للولي الفقيه!

المعايير التي يوليها الولي الفقيه اهتماماً في إنتاج هكذا عناصر! 

بشكل عام يمكننا القول إن المعيار الأكثر أهمية في إنتاج هكذا عناصر في جهاز الولي الفقيه هو " التوافق مع الولي الفقيه". كان إبراهيم رئيسي ومن قُتلوا من أقرب الناس للولي الفقيه والأكثر جدارة بالثقة، ومن العناصر المنفذة والداعمة لأفكار الولي الفقيه ولخططه وسياساته. لا ينبغي أن ننسى أن ما يُعتبر مؤشرًا في مسيرة وجود الولي الفقيه هو اتخاذ خطوات للاستمرار وتوسيع سيطرته في إيران والمنطقة والعالم. أي السير في نفس المسار الذي ظهر منه الولي الفقيه وسيطر به على مصير الشعب وإيران! وهو مسار الغوغائية وإساءة استخدام الدين بغية سرقة قيادة المجتمع وحرمان أبناء الوطن من حقوقهم الأساسية، وبهذه الطريقة حدث نهب وسلب لممتلكات وأصول دولة غنية مثل إيران وخْلق مشاكل للمنطقة و المجتمع العالمي!

مَن كان ابراهيم رئيسي؟

لقد قيل وكُتب الكثير حتى الآن في وصف رئيسي. لقد كان شخصية دموية لا تعرف حدودًا للقسوة. فقد كان يصدر الأحكام، ويعذب الناس ويقتلهم ويسفك الدماء، وكان يروع المجتمع من القمع والقتل. نشأ في كنف نظام ولاية الفقيه منذ شبابه، وبعد ست سنوات من التعليم دخل في خدمة ولاية الفقيه، وسجله حافل بسفك دماء عشرات الآلاف من الشباب الإيراني، وأكد بنفسه مرات عديدة أنه كان يمارس عمله وفقاً لأوامر خميني (الولي الفقيه آنذاك)، وكان يعمل بعد ذلك وفقاً لأوامر خامنئي (الولي الفقيه الحالي)! وهذا هو سبب سوء سمعته إلى حد كبير بين أوساط الشعب الإيراني، ولُقّب بـ "جلاد" عام 1988". وكانت السمة المميزة لرئيسي هي عداءه لقوة المقاومة الرئيسية، وهي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. كما أن قاسم سليماني كان يسعى إلى قتل المعارضين خارج حدود إيران، وخاصة المعارضين الأعضاء في منظمة مجاهدي خلق!

المعيار الرئيسي المؤهل للتعيين في نظام ولاية الفقيه!

في مسار مواجهة الديكتاتورية مع القوى المناهضة للديكتاتورية، تصبح معايير الاختيار أكثر وضوحاً. ولهذا قال زعيم ثورة الشعب الإيراني، السيد المناضل مسعود رجوي: " إن آثار الضربة على معبد الخليفة المتهالك وقواته المنخفظة الروح المعنوية؛ مدمرة. إذ أنها تهز أركان نظام الملالي وتستحضر للأذهان المرحلة الأخيرة من أيام الشاه. ويمكن القول على وجه اليقين إن خامنئي هو الخاسر استراتيجياً. كما قال السيد رجوي: "إن خامنئي يشعر بزلزال السقوط في كل أرجاء نظامه الفاشي. فإما أن يتجرع السم ويتراجع، وفي هذه الحالة ينكسر طوق القمع ويسقط نظام الملالي، أو يجب عليه كعادته أن يزيد من الانكماش والقمع والتطهير والإرهاب وإشعال الحروب والحصول على السلاح النووي. من الطبيعي أن رأس أفعى الولاية سيفعل ذلك للبقاء والحفاظ على هيمنته."

الكلمة الأخيرة

الأهم من التركيز على بديل رئيسي، هو أن معيار الولي الفقيه لهذا الاستبدال هو تطهير النظام في مواجهة خصمه الرئيسي، وهو المجلس الوطني للمقاومة ووحدات المقاومة الذين يمثلون رأس حركة الإطاحة بهذا النظام المستبد، ولم ولن يكونوا لديهم أي استعداد لقبول الدكتاتورية في إيران. إيران حرة وديمقراطية، بكل تنوعاتها الوطنية والسياسية والثقافية والدينية، والتي ستعيش مع جيرانها في سلام وأمان وتعايش سلمي. وترسم السيدة مريم رجوي مثل هذا المستقبل لإيران في ميثاقها المكون من 10 بنود.

*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني