هاني مسهوريكتب:
وعند اليوم التالي.. وظائف شاغرة عند خامنئي
سيسجل العام 2024 واحدا من السنوات التي شهدت أكبر عدد من تساقط من يمكننا أن نصفهم بأحجار الدومينو: حسن نصرالله وإسماعيل هنية ويحيى السنوار وصالح العاروري وفؤاد شكر وقائمة طويلة استطاعت إسرائيل أن تقضي عليها في عام حرب لم يعرف له الشرق الأوسط مثيلا. قبل أن تفقد إيران أقوى رجالها، فقدت الشجاعة اللازمة للمواجهة التاريخية الأولى مع إسرائيل في هجوم أبريل/نيسان 2024. أوضحت إيران رسالة عميقة تلقفها جمهورها في العواصم الأربع التي تسيطر عليها.
أعدت إيران لهذا الهجوم أكثر من أربعين عاما توعدت فيها بتدمير إسرائيل، فإذا بصواريخها الباليستية وطائراتها المسيّرة تتساقط بدون رؤوس متفجرة، بل إن بعضا منها سقط فوق إيران والعراق والأردن، والقليل الذي وصل لم يُصِب إسرائيليا واحدا.
يبدو أن المسرح الإيراني بات خاليا من الشخصيات القيادية القوية، مما يطرح تساؤلات عمّن سيتولى القيادة وكيف ستستعيد إيران نفوذها
ما أطلقته إيران بعملية “الوعد الصادق” كشف التردد إلى جانب الضعف الإيراني، هذا هو ما حدث مع درة تاجها حزب الله اللبناني الذي لطالما توعد زعيمه حسن نصرالله بتدمير نصف تل أبيب بضغطة زر. تردد بعد تردد، بينما كانت إسرائيل واضحة في عملياتها بأنها ستذهب إلى أبعد ما يمكنها الوصول إليه.
الرد الإسرائيلي على هجوم الحوثيين الذي دمّر ميناء الحديدة في اليمن كان واضحا، وحدد معادلة “الألسن الطويلة مقابل الأيادي الطويلة”. هذه المعادلة هي التي فُرضت وليس غيرها، فلا إيران مقابل إسرائيل، ولا الضاحية مقابل تل أبيب، كلها معادلات مبنية على فرضيات القوى غير المتوازنة عسكريا وقبلها سياسيا. بنيامين نتنياهو الذي كان على وشك المحاكمة القانونية ليلة 7 أكتوبر/تشرين الأول، تحوّل إلى بطل الحرب الطويلة في الشرق الأوسط.
صحيح أن إسرائيل فقدت الردع في هجوم حماس صباح 7 أكتوبر، لكنها بعد عام تعمل بشكل صريح وعلني على إعادة تشكيل القوى في المنطقة. في المقابل، إيران عمليا خسرت رصيدها بالكامل، مع تساقط قياداتها العسكرية وانكشاف “وحدة الساحات”. لم تكن عمليات الاستهداف لحزب الله سوى المشهد الأكثر وضوحا في قدرة اختراق الموساد والكيفية التي يتم بها توجيه الضربات المتتالية لحزب الله، حتى وصلت إلى تصفية رأسه، ثم تصفية خليفته هاشم صفي الدين ومعه اللواء عباس نيلفروشان، كبير المستشارين في الحرس الثوري الإيراني. لقد أصيبت إيران في هيبتها قبل أن تصاب بشيء آخر، فقد طالما قدم الإيرانيون أنفسهم باعتبارهم القوة التي لا تُقهر، وأن أذرعهم قادرة على إخضاع المنطقة لسلطة طهران، لكن كل ذلك تحطم في أسبوع واحد مما أحدث تغييرات جذرية في عقول الناس ونظرتهم إلى القوة الإيرانية.
لم تكن الخسائر البشرية والمادية هي الأهم في هذه المعركة، بل كان الانكسار المعنوي والنفسي هو الأكثر تأثيرا. فقد أظهرت إيران ضعفا غير متوقع في مواجهة إسرائيل، مما أدى إلى تزعزع ثقة حلفائها في المنطقة. حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، جميعهم وجدوا أنفسهم فجأة في موقف صعب بعد أن فقدوا الدعم الإيراني القوي الذي كانوا يعتمدون عليه. الشعور بالانكسار ارتد على الداخل الإيراني، فخطبة الجمعة اليتيمة التي ظهر فيها المرشد خامنئي حاملا فيها البندقية، ورغم كل ذلك بدأت الأصوات داخل إيران تتعالى مطالبة بتغيير الإستراتيجية. هناك من يرى أن الوقت قد حان لإعادة تقييم العلاقات مع حلفاء طهران، خاصة بعد أن أثبتت الأحداث أن الاعتماد على الجماعات المسلحة لم يعد مجديا. كما أن هناك دعوات إلى تبني سياسة أكثر دبلوماسية، بدلا من الاستمرار في المواجهات العسكرية التي أثبتت فشلها.
صحيح أن إسرائيل فقدت الردع في هجوم 7 أكتوبر، لكنها بعد عام تعمل على إعادة تشكيل القوى في المنطقة. في المقابل، إيران عمليا خسرت رصيدها بالكامل، مع تساقط قياداتها العسكرية
وإن لم يظهر الاحتقان الداخلي الإيراني فهذا لا يلغي أن مجاميع واسعة في المنطقة العربية بدأت في إعادة تقييم مواقفها. وفيما أن إسرائيل تتأهب لرد الضربة الإيرانية الثانية التي كانت ردا على تصفية حسن نصرالله في بداية أكتوبر، انتهجت إيران نهجا دبلوماسيا لتضييق خيارات إسرائيل وليس لردعها. باتت إيران في موقف مهتز وغير مستقر. فمع فقدان عدد من القيادات البارزة، لم يعد هناك تساؤل حول قدرة إيران على إدارة الصراعات أو توجيه الأذرع العسكرية.
يبدو أن المسرح الإيراني بات خاليا من الشخصيات القيادية القوية، مما يطرح تساؤلات عمّن سيتولى القيادة وكيف ستستعيد إيران نفوذها. فإن الفراغ القيادي الذي نتج عن الخسائر الفادحة يفتح مجالا لكثير من التساؤلات حول الطموحات المستقبلية لطهران، خاصة أن العام 2024 لا يزال يحمل لها العديد من المفاجآت والمصائر. خلال هذه الفترة، يُمكن للتحديات أن تتزايد وقد تُظهر إيران حاجة ملحة إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها، حيث سيكون من الصعب المحافظة على الاستقرار في خضم الفوضى الداخلية والإقليمية.
إن كان هناك من حقائق فإن انقلاب حماس على مسار السلام في المنطقة حوّل إسرائيل من الدفاع إلى الهجوم فلم يكن هذا الحال قائما منذ 1948. وحقيقة أخرى أن الموساد كشف أن جماعات الإسلام السياسي من السهل اختراقها بعكس المفهوم الذي قدمته أنها جماعات عقائدية مرتبطة بمواثيق إلهيّة، بينما هي ممتلئة بالجواسيس الذين مكنوا الإسرائيليين من توجيه ضربات قاسية غيرت موازين القوى كليّا. حقيقة أن علي خامنئي الطرف الأوحد في ما بقي مما كان يسمى “محور المقاومة” يوجد لديه الكثير جدا من الوظائف الشاغرة. لبنان والعراق واليمن وسوريا دول تعيش في أدنى مستويات الفقر والتضخم ضرب أركان هذه البلاد، إلا عند خامنئي تتوفر الوظائف. هذه لحظة مهمة للعقل العربي أن يتنبه إلى معادلة (الألسن الطويلة) فهي امتداد لتلك التي كانت تتوعد برمي إسرائيل في البحر وها هي تتجدد مع المتأسلمين، فلا هم رموا إسرائيل في البحر ولا رموها بالرمل، إنما باعوا بعضهم بعضا بأثمان بخسة.