حسن العاصي يكتب لـ(اليوم الثامن):

من يحكم الفلسطينيين؟ صراع السلطة بين الانقسام والتحديات الوطنية

يعيش ملايين الفلسطينيين تحت سيطرة مزيج من السلطات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي مخيمات اللاجئين في جميع أنحاء الشرق الأوسط. في العقود الأخيرة، سيطرت السلطة الفلسطينية على أجزاء من الضفة الغربية، وأدارت حركة حماس قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، مارست إسرائيل السلطة على كلتا المنطقتين بطرق مختلفة.

يحكم مزيج معقد من السلطات حوالي 5.5 مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة وأراضي الضفة الغربية. ولا زال الفلسطينيون أصحاب الأرض الأصليين ليس لديهم دولة معترف بها عالمياً. وتعتمد تطلعاتهم إلى إنشاء دولة ليس فقط على القيادة الفلسطينية، بل وأيضاً على الكيان الصهيوني، والاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي.

 تمثل منظمة التحرير الفلسطينية الفلسطينيين رسمياً في جميع أنحاء العالم في المحافل الدولية، في حين يُفترض أن تحكم السلطة الفلسطينية، وهي مؤسسة أحدث تقودها حركة فتح إحدى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية معظم مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. في الواقع، طغت السلطة الفلسطينية على منظمة التحرير الفلسطينية، ومارست إسرائيل سيطرة كبيرة على الأراضي الفلسطينية، بحكم الأمر الواقع.

من المسؤول في قطاع غزة والضفة الغربية؟

وقعت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في التسعينيات، على اتفاقيات أوسلو واتفاقية غزة أريحا، وهي الصفقات التي قسمت مناطق السيطرة في غزة والضفة الغربية (باستثناء القدس الشرقية) بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي تم إنشاؤها حديثًا، على أمل أن تشكل المنطقتان في النهاية دولة فلسطينية. ولكن مع استمرار التغول الإسرائيلي المستمر منذ عقود تظل الأراضي مقسمة رسمياً إلى ثلاث مناطق سيطرة:

المنطقة أ، التي تتكون من معظم غزة وحوالي %17 من الضفة الغربية، هي الأكثر كثافة سكانية وتحضراً. وهي مصنفة على أنها خاضعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة بموجب أوسلو، بما في ذلك الشؤون المدنية وقضايا الأمن الداخلي. ومع ذلك، شنت إسرائيل عدة حملات عسكرية واسعة في غزة بهدف القضاء على حماس، وبالتالي فرضت ضوابط حركة أكثر صرامة في المنطقة.

تغطي المنطقة ب ما يقرب من ربع الضفة الغربية وتتكون في الغالب من القرى والمناطق الريفية. يتعاون الإسرائيليون والفلسطينيون في مجال الأمن هنا، لكن السلطة الفلسطينية تدير جميع الشؤون المدنية. كما تسيطر إسرائيل أيضاً على حركة البضائع والأشخاص. يبلغ عدد السكان الفلسطينيين في المنطقتين أ وب مجتمعين حوالي 2.8 مليون نسمة.

تشكل المنطقة ج الأراضي المتبقية وتتكون في الغالب من مناطق رعوية. تحتوي غزة على معظم الموارد الطبيعية في الضفة الغربية وهي تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، على الرغم من أن السلطة الفلسطينية توفر التعليم والخدمات الطبية لسكان المنطقة البالغ عددهم 150 ألف فلسطيني. المنطقة هي موطن لمعظم المستوطنين الإسرائيليين، الذين يبلغ عددهم حوالي 700 ألف شخص منتشرين في جميع أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية. يعيش معظمهم بالقرب من الحدود مع إسرائيل، على الرغم من أن القانون الدولي يصف مستوطناتهم بأنها غير قانونية.

قطاع غزة

سيطرت حركة حماس على قطاع غزة في عام 2006، قطاع غزة، وهي فصيل مسلح وحزب سياسي تأسس خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الحكم الإسرائيلي في الفترة 1987-1993. (اسم حماس هو اختصار لـ "حركة المقاومة الإسلامية" باللغة العربية).

ان حماس انضمت لفترة وجيزة الى السلطة الفلسطينية، وارتقت الى رئاسة السلطة في عام 2006 بعد فوزها بالانتخابات العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولكنها انفصلت عن السلطة بعد أشهر، عندما رفضت حركة فتح الذي هيمنت لفترة طويلة على السلطة الفلسطينية، الاعتراف بفوز حماس في الانتخابات. وخاض الطرفان صراعاً. ورغم ان فتح تمكنت من طرد حماس من الضفة الغربية والحفاظ على سيطرتها على الشؤون الفلسطينية هناك، الا ان حركة حماس سيطرت على قطاع غزة.

من يحكم الفلسطينيين في القدس؟

تقع مدينة القدس على الحدود بين اسرائيل والضفة الغربية، وسكنها العرب منذ قرون. وهي تضم بعضا من أقدس المواقع في المسيحية والاسلام. واليوم، يسكنها للعديد من الفلسطينيين والإسرائيليين، على الرغم من سيطرة اسرائيل السياسية. لقد أدى اتفاق السلام الذي أنهى الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في عام 1949، والتي اندلعت بسبب تأسيس إسرائيل في العام السابق، إلى تقسيم المدينة بين الحكم الإسرائيلي في الغرب والحكم الأردني في الشرق. استولت إسرائيل على القدس الشرقية في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، وتزعم إسرائيل أن مدينة القدس "الكاملة وغير المقسمة" عاصمة لها. وقد أنشأت الولايات المتحدة وغواتيمالا وهندوراس وكوسوفو وبابوا غينيا الجديدة سفارات لإسرائيل في الجزء الغربي من القدس. وتحتفظ الدول الأخرى بسفاراتها في تل أبيب بسبب وضع القدس المتنازع عليه.

وفي الوقت نفسه، يهبر الفلسطينيون أن القدس عاصمة لدولتهم المنشودة بسبب الروابط التاريخية والدينية العميقة للشعب الفلسطيني بالمدينة، ولأنهم أصحاب الأرض الأصليين. فيما يوافق بعضهم مثل السلطة الفلسطينية أن تكون الشرقية عاصمة لدولتهم، نظراً لمركزيتها للاقتصاد الفلسطيني، وأهميتها للمسلمين على وجه الخصوص، وسكانها الفلسطينيين الذين يزيد عددهم عن 360 ألف نسمة. ومع ذلك، فإن ضم إسرائيل الفعلي للقدس الشرقية يجعلها خاضعة للقانون الإسرائيلي. إن أغلب الفلسطينيين هناك مصنفون كمقيمين دائمين في إسرائيل ــ وهي الصفة التي يمكن إلغاؤها عقابياً. وأغلبهم ليسوا مواطنين لأي دولة؛ فقد رفضوا إلى حد كبير الجنسية الإسرائيلية التي عُرضت عليهم في عام 1967 أو فقدوا الجنسية الأردنية بعد أن تخلت عمان عن مطالبتها بالضفة الغربية في عام 1988.

من يشرف على تجمعات اللاجئين الفلسطينيين؟

تدير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، التي تأسست في عام 1949، مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، ولبنان، والأراضي الفلسطينية، وسوريا بالتعاون مع السلطات المحلية. وتأوي هذه المخيمات الفلسطينيين النازحين بسبب الحروب العربية الإسرائيلية في عامي 1948 و1967، فضلاً عن أحفادهم. وقد تطورت بعض المخيمات، مثل مخيم اليرموك في سورية ـ قبل تدمير معظمه خلال الأزمة السوريةـ وكذلك مخيمي رفح وجباليا في غزة، إلى مدن مبنية، ويتجاوز عدد سكان بعضها مئة ألف نسمة. ويخضع ما يقرب من ستة ملايين لاجئ مسجلين لسلطة الأونروا، رغم أن ليس كلهم يقيمون في المخيمات.

تتولى الحكومات المضيفة مسؤولية الأمن في المخيمات، بينما توفر الأونروا الرعاية الصحية والإسكان والتعليم. الأونروا نفسها منظمة غير سياسية رسمياً، لكن الخبراء يقولون إن فتح تمارس نفوذاً كبيراً على السكان في بعض مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، كما فعلت حماس في بعض مخيمات غزة. بالإضافة إلى ذلك، واجهت الأونروا لسنوات اتهامات بأن حماس استولت على بعض موظفيها ومرافقها. في عام 2024، عانت الوكالة من تخفيضات تمويلية عميقة عندما سحبت الولايات المتحدة دعمها بسبب مزاعم إسرائيل بأن موظفي الأونروا شاركوا في هجوم حماس في 7 أكتوبر. اتبعت حوالي اثنتي عشرة دولة أخرى في البداية مثال الولايات المتحدة، لكن معظمها استأنف التمويل بعد مراجعات منفصلة من قبل الوكالة وقال خبراء مستقلون إن إسرائيل لم تقدم أي أدلة على هذه المزاعم.

كيف تحكم السلطة الفلسطينية؟

يقع المقر الرئيسي للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث تعمل من مدينة رام الله. تُعرف السلطة الفلسطينية رسمياً باسم السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي تضم معظم الفصائل الفلسطينية الرئيسية، مثل فتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ولكنها تستبعد فصائل أخرى مثل حماس، والجهاد الإسلامي. ويوضح القانون الأساسي لعام 2002 الذي يعمل كدستور فلسطيني مؤقت مسؤوليات السلطة. يشغل الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الوقت نفسه منصب زعيم السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، التي تتمتع بأكبر تمثيل في السلطة الفلسطينية من أي فصيل آخر. في مارس 2024، حل المستشار الاقتصادي لعباس محمد مصطفى محل محمد اشتية كرئيس وزراء للسلطة الفلسطينية، وهو المنصب الذي يمنحه القليل من السلطة مقارنة بعباس. ويأتي تعيينه في الوقت الذي تدفع فيه واشنطن والحكومات الأخرى من أجل إصلاحات على بنية وأجهزة السلطة الفلسطينية المتهمة بالفساد الإداري والمالي. والتي من شأنها تحسين الظروف المعيشية في الضفة الغربية وإظهار أن السلطة يمكن أن تحكم غزة بشكل مسؤول لاحقاً.

منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية

أصبحت السلطة الفلسطينية مرادفة لـ "الفساد والمحسوبية وعدم الكفاءة"، كما كتب غيث العمري، المسؤول السابق في السلطة الفلسطينية والزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. ويقول العديد من الخبراء إن الحكم بدأ يتآكل بشكل خطير بعد أن أصبح عباس رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 2004. والآن بعد مرور عشرون عاماً على ما كان ينبغي أن تكون فترة رئاسية مدتها أربع سنوات. ركز عباس السلطة من خلال حل المجلس الوطني، وترسيخ سيطرته على القضاء، وإدخال القوانين فقط بمرسوم، وتطهير المنافسين السياسيين. في عام 2021، منع الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي كانت ستكون الأولى للفلسطينيين منذ عام 2006. وألقى عباس باللوم في هذه الخطوة على القيود الإسرائيلية على التصويت في القدس الشرقية، على الرغم من أن الخبراء يقولون إنه ربما كان يخشى أن يخسر هو وحركة فتح أمام حركة حماس. تصنف منظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية فريدوم هاوس Freedom House السلطة الفلسطينية على أنها "استبدادية" والضفة الغربية على أنها "غير حرة" بسبب سوء الحكم الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي.

كما يشرف عباس على قوات الأمن في الضفة الغربية، والتي تتكون من الشرطة وضباط أمن آخرين، ولكنها لا يمكن أن تشكل جيشاً تقليدياً وفقاً لاتفاقيات أوسلو. وهم يعملون بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، قوات الدفاع الإسرائيلية، للقضاء على حماس وغيرها من الجماعات المسلحة، كما واجهوا اتهامات بالوحشية ضد المدنيين الفلسطينيين. ونتيجة لذلك، ينظر العديد من الفلسطينيين إلى قوات الأمن كأدوات للاحتلال الإسرائيلي، وليس كحماة لسيادة القانون. بالإضافة إلى ذلك، يلقي المراقبون الدوليون والفلسطينيون على حد سواء باللوم على بطش السلطة الفلسطينية وقواتها الأمنية في التعامل مع المواطنين الفلسطينيين، وخاصة النشطاء.

بدون الحكم الذاتي الكامل على غزة والضفة الغربية، تكون سلطات السلطة الفلسطينية في السياسة الاقتصادية محدودة. تعتمد السلطة على المساعدات الدولية، والتي تكون مشروطة عموماً باعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل والتزامها باللاعنف. ومع ذلك، خفضت بعض الدول المانحة المساعدات في السنوات الأخيرة، مستشهدة بسوء الإدارة من قبل السلطة الفلسطينية والفساد الذي أصاب أجهزتها وإداراتها. في غضون ذلك، مُنعت حماس من الحصول على مساعدات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نظراً لوضعها على لائحة "الإرهاب"، على الرغم من أن لديها مصادر تمويل أخرى قانونية ومختلفة.

 كيف حكمت حماس قطاع غزة؟

بعد السيطرة على غزة، أنشأت حماس مؤسسات سياسية وعسكرية وقانونية منفصلة تماماً عن تلك الموجودة في الضفة الغربية. وعلى الرغم من أن حماس أنشأت مقر حكومتها في مدينة غزة، فقد اختار العديد من كبار المسؤولين العيش في الخارج بدوام كامل، مثل رئيس شؤون الشتات في الحركة خالد مشعل الذي يعيش في قطر. وكما هو الحال مع السلطة الفلسطينية والضفة الغربية، وصفت منظمة فريدوم هاوس أيضاً حكومة حماس بأنها "غير ديمقراطية وغزة بأنها "غير حرة". قبل أن تحطم الحرب الحالية كل مظاهر الحياة اليومية في غزة، كانت حماس تتبع اسمياً القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية، لكنها طبقت أيضاً تفسيراً مقيداً للشريعة الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك، أزالت حكومة حماس معظم الضوابط المفروضة على سلطتها، بعد تهميش دور المعارضة من وسائل الإعلام والناشطين المدنيين، والمنظمات غير الحكومية.

ما مدى سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين؟

في الضفة الغربية: تسيطر إسرائيل رسمياً فقط على المنطقة (ج) من الضفة الغربية بالكامل، وتنفذ السياسة من خلال منسق أنشطة الحكومة في الأراضي الفلسطينية (COGAT)، والذي يتواصل أيضاً مع السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، تمتد السلطات القانونية والعسكرية الإسرائيلية إلى المناطق الثلاث. كما تتمتع إسرائيل بالولاية القانونية الكاملة على جميع المستوطنين اليهود، الذين يبلغ عددهم حوالي خمسمائة ألف شخص في الضفة الغربية ومائتي ألف في القدس الشرقية. (أكد قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2016 أن المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي. وامتنعت الولايات المتحدة، التي تستخدم حق النقض بشكل متكرر في المجلس لمنع القرارات التي تنتقد إسرائيل، عن التصويت، مما ساعد في تمريره). يغطي القانون المدني الإسرائيلي المستوطنين، بينما يُحاكم الفلسطينيون، حتى عندما يخضعون لقوانين السلطة الفلسطينية، في المحاكم العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلي.

بالإضافة إلى ذلك، سمحت اتفاقيات أوسلو لإسرائيل بتحصيل الضرائب الفلسطينية للسلطة الفلسطينية في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل. ومع ذلك، تخصم إسرائيل الأموال من المدفوعات بناءً على مبلغ يحسبه خبراء الحكومة الإسرائيلية بذريعة أن السلطة الفلسطينية تنفقه على تمويل الإرهاب. يشير هذا المبلغ عادة إلى مدفوعات السلطة الفلسطينية لأسر "الشهداء"، أي العائلات المدنية للمناضلين الذين قتلوا خلال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكذلك المدفوعات لأسر الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل. تقول إسرائيل إن المدفوعات تحفز الإرهاب وبالتالي تحجب ما يقرب من 100-185 مليون دولار من الضرائب الفلسطينية سنوياً، وهو مبلغ يعادل حوالي 2-4 % من ميزانية السلطة الفلسطينية.

ولضمان أمنها القومي، فرضت إسرائيل قيوداً صارمة على الحركة في المنطقتين. وتشمل هذه القيود نقاط تفتيش عسكرية عديدة في الضفة الغربية، فضلاً عن جدار عازل يمتد مئات الأميال عبر تلك المنطقة. ووفقاً للبنك الدولي، فإن التدابير الأمنية الإسرائيلية، التي تشكل جزءًا شاقاً من الحياة اليومية للعديد من الفلسطينيين، "تحد من التنمية الفلسطينية في الضفة الغربية بينما تخلق ظروفاً أشبه باقتصاد مغلق تقريباً في غزة".

قطاع غزة: استولت إسرائيل على غزة خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 واحتلت المنطقة عسكرياً حتى عام 2005، عندما سحبت قواتها ومستوطنيها. وفي السنوات التي سبقت غزوها عام 2023، نفذت إسرائيل ضوابط مختلفة على غزة قالت إنها ضرورية لمنع الإرهاب ضد الإسرائيليين. فقد قيدت المجال الجوي لغزة وحدودها وترددات الهواتف الخلوية، وسيطرت على المياه الساحلية وإمدادات الكهرباء، من بين مجالات أخرى. كما منعت السكان المحليين من دخول المناطق العازلة على الحدود مع إسرائيل، والتي تغطي حوالي %20 من غزة. إن القيود التي تفرضها إسرائيل على غزة مثيرة للجدل إلى حد كبير. يقول أنصار الجهاز الأمني المكثف إنه عزز الأمن القومي الإسرائيلي، في حين يقول المنتقدون إن السياسات تنتهك الحقوق الفلسطينية وتعطل الخدمات الأساسية. في تقرير صدر عام 2022، ذهب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية إلى حد القول إن النظام القانوني الإسرائيلي المزدوج في الضفة الغربية يعتبر بمثابة نظام فصل عنصري، وهو الموقف الذي أثار جدلاً حاداً. وقال بعض المراقبين، بما في ذلك المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون، إن التقرير يعكس تاريخاً من التحيز ضد إسرائيل من قبل الأمم المتحدة. ومنذ صدور الوثيقة الأممية، نشرت منظمات حقوق الإنسان المستقلة، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة بتسيلم الإسرائيلية، تقارير تتهم إسرائيل بممارسة الفصل العنصري.

كيف يتعامل القادة الفلسطينيون مع السياسة الخارجية؟

لقد أسست جامعة الدول العربية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل رسمي للشعب الفلسطيني، وهذه الهيئة هي التي تمثله في العديد من المحافل الدولية. وفي الأمم المتحدة، حصلت منظمة التحرير الفلسطينية على وضع "مراقب" في عام 1974 ووضع "دولة مراقب غير عضو" تحت اسم "دولة فلسطين" في عام 2012. ولا تزال تحتفظ بهذا الوضع، ولكنها حصلت على حقوق وامتيازات إضافية محدودة وسط دفعة متجددة للحصول على العضوية الكاملة في عام 2024. وتعارض الولايات المتحدة وإسرائيل تطلعات منظمة التحرير الفلسطينية للحصول على وضع العضوية الكاملة. بالإضافة إلى ذلك، اعترفت 146 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بشكل مستقل بالدولة الفلسطينية، حيث فعلت سبع دول ذلك في النصف الأول من عام 2024: جزر البهاما، وبربادوس، وأيرلندا، وجامايكا، والنرويج، وإسبانيا، وترينيداد، وتوباغو.

وفي الوقت نفسه، يعترف 165 عضواً في الأمم المتحدة بإسرائيل، التي كانت دولة عضو في الأمم المتحدة منذ عام 1949. ومعظم الدول التي تنكر سيادة إسرائيل هي دول عربية أو إسلامية في الغالب. في السنوات الأخيرة، حث القادة الفلسطينيون الدول العربية على عدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل بموجب اتفاقيات إبراهيم لعام 2020، كما فعلت البحرين، والمغرب، والسودان، والإمارات العربية المتحدة. وأقامت مصر والأردن علاقات مع إسرائيل في عامي 1979 و1984 على التوالي.

في حين كانت منظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح هي الجهاز الرئيسي للدبلوماسية الفلسطينية حتى اتفاقيات أوسلو، فقد طغت السلطة الفلسطينية منذ ذلك الحين على هذه المنظمة لتصبح الممثل الفعلي للفلسطينيين. تتفاعل الحكومات الأجنبية إلى حد كبير مع السلطة الفلسطينية وتتجنب حماس، وتقدم المساعدات لغزة من خلال قنوات أخرى، مثل وكالات الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن حفنة من الدول، وهي إيران، وقطر، وروسيا، وتركيا، لديها علاقات مفتوحة مع حركة حماس.

وفي سعيها للحصول على الدعم للحركة الوطنية الفلسطينية، دفعت منظمة التحرير الفلسطينية من أجل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وانضمت إلى منظمات دولية متعددة، بما في ذلك جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. والأهم من ذلك، أنها انضمت إلى نظام روما في عام 2015، مما يجعلها طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية. وبناءً على طلب السلطة الفلسطينية، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في جرائم حرب محتملة ارتكبها إسرائيليون في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

موقف السلطة الفلسطينية من العدوان الإسرائيلي على غزة؟

لقد عززت عواقب العدوان الإسرائيلي على غزة في الثامن من أكتوبر الاعتقاد السائد بأن السلطة الفلسطينية في شكلها الحالي أصبحت "غير ذات صلة بشكل أساسي"، على حد تعبير خبير مجلس العلاقات الخارجية في الشرق الأوسط ستيفن أ. كوك. جلست السلطة على الهامش خلال الأشهر القليلة الأولى من العدوان مما يؤكد افتقارها إلى السلطة والتأثير على مجريات الأحداث، وعجزها عن وقف المعاناة الفلسطينية الناجمة عن انتقام ووحشية الجيش الإسرائيلي.

لقد أثار عدم فعالية السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى تعهد إسرائيل بالقضاء على حماس، تساؤلاً حول من سيدير غزة بدلاً من ذلك. "إن محاولة إنشاء حكومة للسلطة الفلسطينية في غزة، بمساعدة من الدول العربية، ربما تكون الخيار الأقل سوءًا"، كما يكتب خبير الأمن القومي في مجلس العلاقات الخارجية ماكس بوت. وقد نظر الخبراء إلى استقالة حكومة اشتية في فبراير 2024 باعتبارها الخطوة الأولى في خطة مدعومة من الولايات المتحدة لإعادة تنشيط السلطة الفلسطينية لإدارة غزة. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض الفكرة حتى الآن، واقترح بدلاً من ذلك أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة غير المحددة على الضفة الغربية وغزة بعد الحرب.

ما هي التحديات التي يواجهها القادة الفلسطينيون؟

فيما يتعلق بالانقسام. لقد أدى الصراع السياسي الداخلي إلى تفتيت الحركة الوطنية الفلسطينية الموحدة إلى حد ما، بسبب الموقف من الصراع الصهيوني الفلسطيني، وقضية التفاوض مع إسرائيل. منع هذا الانقسام تنظيم الانتخابات، سواء انتخابات منظمة التحرير من المجلس الوطني إلى المؤسسات والمنظمات الجماهيرية والشعبية الأخرى، أم انتخابات السلطة الفلسطينية مثل انتخابات الرئاسة، أو انتخابات الدوائر المحلية. وحال الانقسام دون بلورة موقف فلسطيني موحد ومتماسك تجاه قضايا مختلفة. وعلاوة على ذلك، يصف أغلبية الفلسطينيين الانقسام بين غزة والضفة الغربية بأنه التطور الأكثر ضرراً للقضية الفلسطينية منذ النكبة عام 1948 وقيام إسرائيل. كما باءت بالفشل جميع محاولات المصالحة السابقة بين حركتي فتح وحماس، والتعهدات الإسرائيلية بالقضاء على حماس زادت من تعقيد القضية.

أما عن تآكل الشرعية. فإن الرئيس عباس والهيئات المتعددة التي يشرف عليها، هي هيئات غير شعبية على نطاق واسع، كما أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. فقد أيد أكثر من نصف الفلسطينيين الذين استطلعت آراؤهم في يونيو/حزيران 2023 حل السلطة الفلسطينية، التي يسخر منها كثيرون باعتبارها تابعة لإسرائيل. وقد ردد خبراء في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير حكومية مستقلة، هذا الشعور في تقرير صدر في فبراير/شباط 2023: "لم ترق السلطة الفلسطينية قط إلى مستوى التوقعات بأنها ستصبح الأساس لدولة فلسطينية مستقلة؛ بل أصبحت، كما يزعم منتقديها، مجرد مقاول من الباطن لإسرائيل في الحفاظ على الاحتلال العسكري".

وبالنسبة للأمور المالية. بصفتها صاحب العمل الأكبر في الضفة الغربية، تمول السلطة الفلسطينية بشكل مباشر سبل عيش حوالي 130 ألف عامل في القطاع العام. ومع ذلك، تواجه السلطة المثقلة بالديون الإفلاس وهي غير قادرة على دفع الرواتب كاملة. ويذكر البنك الدولي أن السلطة الفلسطينية بحاجة إلى إصلاحات مختلفة لتصحيح وضعها المالي.

إن عباس سوف يواجه تحديات كبيرة في المستقبل، بما في ذلك زيادة التمويل المالي، إلى جانب المساعدات الإضافية من المانحين وتقليص القيود الاقتصادية من جانب إسرائيل.

في موضوع الخلافة. لقد أثار تقدم عباس في السن وتاريخه من المشاكل الصحية مخاوف بشأن الافتقار إلى خطط واضحة لتغيير القيادة. وهناك إجراءات مختلفة للخلافة في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، لكن عباس عطل المؤسسات التي من شأنها أن تدعمها. وفي حين أنه ليس لديه خليفة واضح، يقول الخبراء إن المرشحين قد يكونون مساعد عباس حسين الشيخ، والقائد الفتحاوي الأكثر شعبية الأسير مروان البرغوثي. وفي انتخابات افتراضية، يفضل المزيد من الناخبين البرغوثي، كما كتب خبراء استطلاعات الرأي في الباروميتر العربي أماني جمال ومايكل روبنز، على الرغم من سجن البرغوثي حالياً.

إن فشل انتقال القيادة قد يؤدي إلى صراعات على السلطة أو حتى انهيار السلطة الفلسطينية، وهو ما يقول الخبراء إنه قد يعني كارثة على الرغم من عيوب السلطة. "مهما قيل عن السلطة الفلسطينية وتواطؤها في استعمار إسرائيل وتهجيرها وضمها، فإنها تقدم دعماً حيوياً في شكل وظائف وخدمات أساسية لملايين الفلسطينيين"، كما كتبت مجموعة الأزمات الدولية. "وبالتالي فإن الخلافة الفاشلة ستكون ضارة لجميع اللاعبين الرئيسيين في هذا الصراع، ولكن الأهم من ذلك بالنسبة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة أنفسهم".