عبدالرحمن كوركي مهابادي يكتب لـ(اليوم الثامن):

بعد ولاية الفقيه: البدائل الممكنة في مواجهة الفراغ السياسي

في فبراير عام 1979، تمكن الشعب الإيراني من الإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي  وزرع أولى بذور نضاله ضد الديكتاتورية. لكن سرعان ما حلت ديكتاتورية أكثر دموية مكانها، ومنعت الإيرانيين من تحقيق هدفهم النهائي في القضاء على الاستبداد.

ورغم الجراح التي تحملها، لم يستسلم الشعب الإيراني ولم يعوّل على الآخرين لتحقيق "الاستقلال والحرية"، لأنه يؤمن بأنه القوة الرئيسية في ساحة المعركة. ولهذا السبب استمر في نضاله ضد الاستبداد على مدى 46 عامًا بلا انقطاع، مثل "متسلق جبال لا يعرف الكلل"، عينه دومًا على "القمة".

الشعب الإيراني، وإن كان قد دفن ديكتاتورية الشاه إلى الأبد، إلا أنه أدرك جيدًا ضرورة منع بقايا هذا النظام من تقديم يد العون لولاية الفقيه، فركز جهوده على إسقاط الديكتاتورية الحاكمة. والتجربة أثبتت أن بقايا الديكتاتوريات السابقة والحاكمة هما وجهان لعملة واحدة، يسندان بعضهما البعض، كما ظهر جليًا في انتفاضة 2022، حينما تحركوا بمشاريع وشعارات مختلفة مدعومة من القوى الاستعمارية، لإبقاء ديكتاتورية ولاية الفقيه ومنع الشعب من بلوغ هدفه النهائي.

هذا الهدف يتطابق تمامًا مع جوهر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي يمثل البديل الديمقراطي الحقيقي، وقوته المحورية هي منظمة ناضلت ضد ديكتاتوريتي الشاه وولاية الفقيه، ولا تزال في طليعة النضال ضد الاستبداد في إيران. لذا، فإن وجود هذه القوة يُعد كنزًا ثمينًا للشعب الإيراني، حيث يغلق الطريق أمام البدائل المستبدة والمرتبطة بالخارج. واليوم، تمتد جذور المقاومة إلى عمق الوطن، من خلال "وحدات الانتفاضة" التي يضع الإيرانيون آمالهم عليها.

وبتاريخها العريق ونضالها المستمر، تضمن هذه المقاومة مستقبلًا مشرقًا للشعب الإيراني، تمامًا كالشجرة الطيبة ذات الجذور العميقة في الأرض، وفروعها الممتدة فوق أرجاء إيران. وليس من الغريب أن الإيرانيين الأحرار في الخارج أيضًا قد انتفضوا دعمًا لهذا البديل الديمقراطي في مواجهة ديكتاتورية ولاية الفقيه.

أنصار المقاومة الإيرانية أعلنوا منذ فترة عن تجمعهم في باريس يوم 8 فبراير 2025، بمناسبة الذكرى السنوية للثورة المناهضة للشاه عام 1979، ليؤكدوا أن ثورة الشعب الإيراني ضد الديكتاتورية لا تزال مستمرة، وأن هدف الشعب الإيراني هو إسقاط ديكتاتورية ولاية الفقيه. وقد دعوا جميع الإيرانيين الساعين إلى الحرية والاستقلال للمشاركة في هذا التجمع والتظاهرة، دعماً للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية باعتباره البديل الديمقراطي الوحيد، وليعلنوا أن انتفاضة الشعب الإيراني وثورته لم تخمد، بل ستستمر حتى الإطاحة النهائية بالنظام الديكتاتوري.

وعند النظر إلى التحولات العالمية والإقليمية، نجد أن الظروف هذا العام مهيأة أكثر من أي وقت مضى لمثل هذا الحراك، فالنظام الديني الحاكم غارق في أزمات لا حلول لها ولم يعد لديه سبيل للخروج من هذا المأزق. كما تلقى ضربات استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الصعيد العالمي، أدى بروز "البديل الديمقراطي" والدعم الدولي الواسع له، وانهيار سياسة المهادنة مع الديكتاتورية، وفضح المشاريع البديلة التابعة والمعادية للديمقراطية، إلى تقريب لحظة سقوط ديكتاتورية ولاية الفقيه. إضافةً إلى ذلك، فإن عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية قد تكون إشارة واضحة في هذا الاتجاه.

حقيقة الأمر أن مظاهرة الإيرانيين في باريس هذا العام تجسد إرادة الشعب الإيراني ووحدته الوطنية من أجل إنهاء الديكتاتورية وإرساء الديمقراطية والعدالة في إيران، وتحقيق الاستقرار والأمن في العالم، ولا سيما في الشرق الأوسط. هذه الخطوة تبلغ ذروتها بالاعتراف بالمقاومة الإيرانية، مما يضمن ويؤمن مستقبل التحولات لصالح شعوب المنطقة والعالم.