اسعد عبدالله علي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الجمهورية الإيرانية ووعد زوال تل ابيب وحيفا

بعد اشهر طويلة من الحرب بين خط المقاومة الاسلامية وخط الاستكبار العالمي, توقفت الحرب مؤقتا بعد تكبد الكيان الصهيوني خسائر تاريخية, أدت الى هجرة معاكسة لليهود الى خارج الكيان, مع دمار كبير في الجيش الصهيوني وهروب جماعي لجنوده من الجبهة, خشية القوى الغربية على الكيان من الزوال فسارعت بخطة هدنة مع ضغط سياسي, والتي انتهت الى وقف الحرب ودخول الهدنة بشكل مؤقت, لكن الخطوة الغربية اتجهت نحو سوريا في محاولة لقطع الطريق جغرافيا أمام خط المقاومة, عبر إيجاد نظام عميل للصهيونية والغرب في دمشق, بمعونة تركيا وتهيئة الطريق للدواعش لاستلام الحكم في سوريا, مع تسارع الاعتراف بهذا النظام العميل للغرب.

نعم الخطوة في تغيير نظام سوريا له تأثير كبير على المنطقة, مع تمدد الجيش الصهيوني داخل سوريا, مع غياب أي مقاومة سورية له, بل قام النظام السوري الجديد بمنحه الصهاينة أرض ومرتفعات مهمة.

وفي الاسابيع الاخيرة اطلقت الماكنة الاعلامية الامريكية اخبار عن استعداد الكيان الصهيوني لمهاجمة ايران, وان الكيان يستعد لضربة كبيرة يوجهها لإيران, مع غرور كبير للصهاينة باعتبار انتصارهم في سوريا مكنهم من كل المنطقة, يرافقه جبن الانظمة الخليجية ومصر والأردن, الذين اصبح دورهم كعبيد للصهيونية واضح لكل ذي بصيرة.

 

·     عملية الوعد الصادق 3 تسوي تل أبيب وحيفا بالأرض

لذلك جاءت التصريحات الايرانية الاخيرة لتضع النقاط على الحروف, حيث قال مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني إبراهيم جباري إن: «عملية الوعد الصادق 3 ستنفذ بالوقت المناسب وبالحجم الكافي والمدى الذي يؤدي إلى تدمير إسرائيل وتسوية تل أبيب وحيفا بالأرض» - حد وصفه. وأضاف جباري في تصريح لوكالة مهر الإيرانية أن: «جبهة المقاومة في ذروة جاهزيتها، والمرشد خامنئي أيضا وجه بزيادة مدى الصواريخ». وخلال مناورات الحرس الثوري الإيراني وقوات الباسيج التابعة له والتي حملت اسم «الرسول الأعظم» في مدينة بيرجند شرقي إيران، أكد جباري مجددا على جاهزية كافة القوات المسلحة الإيرانية لمواجهة الأعداء.

وقال جباري موجهاً خطابه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب: «لقد حاولت جاهدا خلق الانقسام في بلدنا الإسلامي، لكن انتفاضة الشعب دمرت كل مؤامراتك», وأشار إلى نقطة أن «10 بالمئة فقط من القوة العسكرية للقوات المسلحة الإيرانية تم عرضها حتى الآن»، وقال: «اليمن اليوم في ذروة قوته ولا يمكنكم فعل أي شيء خاطئ تجاه اليمن». وذكر: «كذلك فإن حزب الله في لبنان وحماس والحشد الشعبي في العراق في ذروة جاهزيتهم، وإذا حاولتم القيام بأدنى هجوم على إيران فإن كل قواعدكم في المنطقة ستكون معرضة للخطر».

 

·     تصاعد التوترات الإقليمية

تأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد التوترات بين طهران وتل أبيب، حيث تبادل الطرفان تهديدات غير مسبوقة وسط مخاوف من توسّع دائرة المواجهة العسكرية في المنطقة. فقد أرسلتْ إيران إشاراتٍ متضاربةً إلى المجتمع الدولي والدول المجاورة في الشرق الأوسط في شأن نياتها المستقبلية ضد إسرائيل وسط تَصاعُد التوترات الإقليمية, ورغم أن طهران أشارتْ إلى رغبتها في تجنّب تصعيدِ التوتر إلى مستوى الحرب الشاملة، فقد أوضحتْ أن هذا الضبْطَ مشروطٌ بتَراكُمِ التطورات.

مع تصاعد تصريحات المجنون ترامب في احراق المنطقة بحروب كبيرة, فقد تتبّنى إدارته موقفاً أكثر مواجهة مع طهران، وهو عامل ربما تأخذه الأخيرة في الاعتبار في عملية صنع القرار، خصوصاً إذا توقّعت تصعيدَ الدعم الأميركي للكيان الصهيوني, ومن المرجَّح أن تزن إيران هذه الاحتمالات طويلة الأجَل، لكن من دون أن يؤثّر ذلك في هدفها المباشر وأولويّتها المتمثّلة في دَعْمِ محور المقاومة.

 

·     الرسائل الاستراتيجية

لقد أطلقتْ طهران «عملية الوعد الصادق» على مراحل, تحققت الاولى والثانية, والان التلويح بالثالثة, في إطار إشارات صريحة لإسرائيل والولايات المتحدة، وتضمّنتْ المرحلةُ الأولى، عملية «الوعد الصادق 1»، إطلاقَ صواريخ بالستية، أكثرها من الجيل القديم ومن المسيَّرات من مسافة 1600 كيلومتر، كرسالة تحذيرية إلى إسرائيل، بهدف تحدي حصانتها وتبديد فكرة قوّتها المُطْلَقَة المُهَيْمِنَة التي لا يجرؤ أحدٌ على تَحدّيها.

وفي «الوعد الصادق 2»، صعّدت إيران من ضرباتها بشكل كبير، حيث شنّت هجوماً صاروخياً أكثر أهمية كَشَفَ نقاطَ الضعف في أنظمة الدفاع الصاروخي وقدرات الاعتراض المتقدّمة الإسرائيلية, ويشكل صاروخ «خيبر شكن 2» الفرط صوتي - الذي استخدمتْه إيران في ضربتها الأخيرة - والذي يصل مداه إلى 1800 كيلومتر، تحدياً هائلاً بسبب سرعته ومسار طيرانه غير المنتظم والمُراوِغ وغير المتوقَّع داخل الغلاف الجوي ما يعقّد قدرة أنظمة الرادار الإسرائيلية على اكتشاف الصاروخ وتَتَبُّعه بدقة لإسقاطه, كما استخدمت طهران صاروخها الفرط صوتي «خرمشهر 2»، الذي يصل مداه إلى 2000 كيلومتر، ويتمتّع بقدرات متقدمة على المراوغة والمناورة، خصوصاً خلال المرحلة النهائية، ما يجعل اعتراضه أمراً صعباً للغاية.

ويمكن في الوعد الصادق 3  أن يحمل الصاروخ رأساً حربياً واحداً كبيراً يزن بين 1500 و1800 كيلوغرام لإحداث تأثير مدمّر كبير، أو يمكن تهيئته لنشْر ما يقترب 30 إلى 40 ذخيرة فرعية أو عشرات القنابل الصغيرة العنقودية لتغطية مساحة أوسع عند الاصطدام, وفي حين أن التكوين الأخير يقلّل من مداه، فإنه يزيد من تغطية منطقة الهدف, ويَستخدم الصاروخ مسار «الانزلاق المتخطي» الذي يُبْقيه داخل الغلاف الجوي، ما يسمح له بتغيير الارتفاع والسرعة بشكل غير متوقَّع تصل إلى 8 ماخ (9878 كم / ساعة), وهذا يجعل الكشف المبكر وتتبُّع الرادار أكثر صعوبة ما يُجْهِدُ شبكات الدفاع، بما في ذلك «أرو 3» و«مقلاع داود» و«القبة الحديدية»، الأمر الذي يؤكد حدود قدرات إسرائيل في مواجهة التقدم التكنولوجي للصواريخ الإيرانية.

 

·     إيران واستراتيجية التوازن

قامت استراتيجية إيران على تَوازُن دقيق بين الانتقام وضبْط النفس, وهي استراتيجية ذكية جدا تبين مدى الحكمة التي يتمتع بها الايرانيون, وقد تجنبت من خلال هذه الاستراتيجية في هجومها البنية التحتية الحيوية والمناطق المدنية والأحياء التي تتعايش فيها المواقع العسكرية مع السكان المدنيين، مثل منشآت جهاز «الموساد». ويهدف هذا النهجُ المحسوبُ إلى منْع الانتقام المفرط مع تعزيز قدرات الردع الإيرانية, وقد ركّزت طهران ضرباتها الصاروخية على أهداف محدَّدة عالية القيمة بَدَلَ توزيعها على نطاق واسع، وبالتالي تعظيم التأثير وإرهاق الدفاعات الإسرائيلية.

فمن خلال إغراق أنظمة الاعتراض بوابل من الصواريخ الموجَّهة، تُظْهِرُ حدود قدرات إسرائيل الدفاعية ونقاط ضعف تكنولوجيا أنظمة الاعتراض.

والجمهورية الاسلامية الايرانية  الان على اتم الاستعداد لتنفيذ الوعد الصادق 3 في الوقت اللازم للتنفيذ, ضمن استراتيجية التوازن بين ضبط النفس والردع, ويعلم العدو خطر القيام بأي خطوة تكون عواقبه تهديد لوجوده.