وفاء علي الكردي تكتب لـ(اليوم الثامن):
أسرار الصيام.. من تجويع البدن إلى إحياء الروح
ها قد اقترب موعد الرحيل فهل أكرمنا ضيفنا المحبوب هل عشنا معه أجمل لحظات العمر في ظل طاعة الرحمن ماذا قدمنا وبماذا تزودنا لرحلتنا الأساسية التي سنقابل الله فيها بقلوب سليمة لاحت آخر أيام رمضان تمضي مسرعة دون أن ننتبه فهل أعددنا لأنفسنا من الخير ما نجده ينتظرنا في نهاية الطريق يضيء لنا ظلمة الممر
أعمالنا بين أيدينا خيرًا كانت أم شرًا فهي شهادة على مسيرتنا في هذه الأرض فلننتهز هذه الأيام القليلة المتبقية لننقذ أنفسنا من جحيم سوء الأعمال ونسعى إلى التقوى وخير العمل والصلاح في الدين والدنيا العمر يمر بلمح البصر فلنكن من الأذكياء الذين يعرفون كيف يسوسون أنفسهم وينتصرون عليها لنظفر بالفلاح وثواب العمل الصالح
في محراب الصوم كيف نصل إلى السكينة والطمأنينة كيف نستشعر عظمة رمضان كيف نجدد إيماننا ونقوي صلتنا بالله في مدرسة الروح نربي قلوبنا ونزكي أنفسنا نعيش تجليات إيمانية تحيي القلوب وتصفي النفوس يتغذى القلب وتقوى البصيرة في رحلة إلى أعماقه حيث نكتشف أسرار الصوم لماذا كتب الله علينا الصيام
ها نحن في أواخر شهر رمضان المبارك أدرك الشهر أن يغادرنا فهل كنا على مستوى المعنى الحقيقي للصوم الذي أراده الله لنا صوم يغوص في أعماق الروح يخفف من ثقل البدن ويسمو بالنفس عبر التخلي عن أدران الجسد وشهواته نبذ الغرائز لتصفو النفس وتطلق الروح نحو الضياء في أعالي السماء متصلة بالخالق مدركة معنى الوجود والمحبة والسلام الذي أراد الله لنا أن نعيشه وننشره بين البشرية
هل نصوم حقًا أم أننا نكتفي بالتوقف عن الطعام مجرد تجويع للبدن ساعات معدودة ثم نعود إلى الجشع والشره والإسراف في الأكل والشرب بل وربما نسرف في الغضب والمشاحنات غير المبررة ثورات الغيظ والصراخ وربما الشتم وكسر الخواطر فنكون قد تجاوزنا في هذه الأيام المباركة ما لم نفعله في بقية أيام السنة إن فعلنا ذلك فمعناه أننا لم نشد الرحال إلى رحلتنا السنوية نحو أعماق الروح ولم نتواصل مع السماء نحو الله
كيف نستعد لهذه الرحلة الوقت لم يفت بعد فأمامنا العشر الأواخر من الشهر الكريم ربما نصادف ليلة القدر بوابة الاتصال بالخالق والسير مع الملائكة من وجهة نظري الإيمانية لحظة الاتصال بالله في أي وقت هي ليلة القدر لكل منا حين ترتقي النفس وتصل إلى تلك اللحظة التي تتجلى فيها فهي متاحة في كل وقت لكنها تزداد وضوحًا في هذه الأيام المباركة فلنجتهد للوصول إليها فيما تبقى من ليالٍ مباركة
الحمد لله على نعمة البقاء على قيد الحياة وعلى لحظة إدراك أن بإمكاننا الوصول إليه في أي وقت حين تتخفف النفوس من الذنوب والأجساد من أدران الثقل الذي يشدها إلى الغرائز وشهوات الجسد الطينية نمنع الجسد عن كل ذلك فالصوم الحقيقي ليس فقط الامتناع عن الطعام والشراب بل عن كل الشهوات والسلوكيات الخاطئة كلما خف الجسد وتطهر صفت النفس وفكرت في الآخرين من حولها شعرت بوجع جوعهم عطشهم وعريهم سواء بسبب الفقر أو العجز عن تأمين الكفاف
الصوم الحق يجعلنا ننظر في مرآة النفوس عيون الناس المقهورة والمنبوذة في مجتمعات استهلاكية تهتم بالأخذ والتملك دون اكتراث بحب التكاثر والتجميع ونسيان الآخر فرصتنا في هذا الشهر الفضيل أن نتخلى عن هذه الغرائز فنصوم بمعنى الامتناع عن الاقتناء والشره في كل الأمور الجسدية والنفسية نهذب أنفسنا لنرتقي بها نحو الإيثار والبذل والعطاء نمنع أنفسنا من النعم لنشعر بمتعة العطاء كما نشعر بمتعة الأخذ ففي أموالنا حق معلوم للسائل والمحروم كما قال الله تعالى (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) (سورة المعارج الآية 24-25)
كيف نزكي النفس ونخرجها من ثقل الجسد
تزكية النفس هي عملية تطهيرها من الرذائل والأهواء وتنميتها بالفضائل والأخلاق الحميدة وهي رحلة مستمرة تتطلب جهدًا ومجاهدة إليك بعض الطرق
تطهير القلب
التوبة والاستغفار الندم على الذنوب والعودة إلى الله بقلب صادق
الذكر والدعاء ذكر الله يطهر القلب ويقوي الصلة به
تلاوة القرآن وتدبره فهم معانيه وتطبيقها في الحياة
الابتعاد عن المعاصي تجنب ما يلوث القلب ويثقل النفس
تهذيب الأخلاق
الصبر والحلم التحلي بالصبر عند الشدائد والحلم عند الغضب
التواضع واللين الابتعاد عن الكبر والتعامل بلطف
الصدق والأمانة الحرص على الصدق والأمانة في القول والفعل
العفو والتسامح مسامحة الآخرين والعفو عن أخطائهم
مجاهدة النفس
مخالفة الهوى مقاومة الشهوات والأهواء السيئة
الصيام والقيام الصيام يكبح الشهوات والقيام يقرب إلى الله
الاعتكاف الانقطاع عن الدنيا للتفرغ للعبادة
تنمية الروح
العلم النافع طلب العلم الذي يزيد الإيمان
العمل الصالح فعل الخيرات التي تقرب إلى الله وتنفع الناس
الصحبة الصالحة مصاحبة من يشجعون على الخير
التفكر في خلق الله التأمل في الكون وعظمة الله
تزكية النفس رحلة تحتاج إلى صبر ومثابرة لكن ثمارها عظيمة في الدنيا والآخرة