إيهاب مادبو يكتب لـ(اليوم الثامن):

القبيلة مقابل الدولة.. السودان على حافة الحرب الأهلية

تبدأ الدولة حين تنتهي سلطة القبيلة، وتبدأ القبيلة حين تنتهي سلطة الدولة ، والوجود المزدوج للسلطتين "القبيلة والدولة" هو وجود للتنافي المتبادل بينهما، وهو تناف لا بد من ترجُّحه في كفة الدولة التي تتحقق بها الوحدة الوطنية والانتظام الاجتماعي المعبِّر عما فوق القبيلة.

والسودان اصبح الأن مهيئاً تماماً للحرب الأهلية بعد أن توافرت كل العوامل نتيجة صعود خطاب التحريض علي الكراهية الي اعلي درجاته علي بنية إجتماعية هشة التكوين منذ محاولة تأسيس الدولة قبل مئات السنين التى تموضعت فيها القبيلة كـ"سلطة" تضع "الدولة" بدخل اعراف القبيلة.

وقبل الحرب كانت هناك غرف إعلامية إعددت خصيصا لتصدير خطاب التحريض والكراهية لتسميم مناخات الدولة السودانية علي فرضية إنحدار الحرب إلي اتون الحرب الاهلية ليصبح الخطاب المصاحب للحرب هو السلاح الاقوي لتأطير ثقافة "الدواس بالغبينة" وتحميل المجتمع السوداني حمولة الحرب التي اشعلها الإسلاميين .

تغافل الجميع عن خطورة تنامي خطاب الكراهية وتأثيره علي سرديات الحرب لدرجة ان تقوم "الدولة" في اعلي سلطاتها بتوظيف خطاب الكراهية ضد بعض مواطنيها مما شكل ذلك منعطفا خطيرا للغاية بوضع خارطة الدولة علي حافة جحيم الحرب الاهلية.

إن التطورات الاخيرة للحرب ماهي الإ إنعكاسات لنار الكراهية علي "هشيم" المجتمعات والشعوب السودانية الـ"هشة" حينما كنا في غفلة من الزمان نسخر من البعض بوصفهم ابناء الضيفات ونحرّض الطيران بقصف الابرياء بوصفهم حواضن ونصفق لتلك المجازر بعبارة صانع الكباب ثم نغض الطرف عن بغر البطون وعمليات الزبح التي فضحت إنسانيتنا وكشفت زيف سودانيتنا.

إن الإنسانية لاتتجزأ فالموت ان لم يصحي فينا انسانيتنا بأهمية إيقاف نزيف الدماء بين السودانيين فإن تمدد الحرب الاهلية يشكل خطراً بنسف خارطة الدولة ومسحها من الجغرافية السياسية والإجتماعية لتصبح ارض السودان ساحة لمعارك متداخلة ،قبلية وإقليمية تحفّز الأطماع الدولية بإستغلال مناخاتها في تصفية خصوماتها الإقليمية.

ونتيجة صمتنا اصبح خطاب الكراهية يشكل السلاح الاقوي والفتّاك في هذه الحرب بعد سيطرته علي مناخات الحرب وتأثيره في حالة الإستفطاب الاثني والإصطفافات الجغرافية على التمييز أو العداء أو العنف تجاه أو مجموعة محددة على أساس العرق أو اللغة أو الجهة أو عوامل أخرى.

إن مآسي الحروب الأهلية،وإنحدار البلاد نحو هاوية حرب الكل ضد الكل نتيجة الاستقطاب الحاد المبني على الجغرافيا والإثنية قد وصل في السودان إلى حد لا يحتمله عقل ولا قلب، خصوصاً وإن بنية المجتمعات تقوم في الاساس علي سلطة القبيلة وهو مانجح فيه الإسلاميين في تمرير خطاب التحريض والكراهية بإستدراج الجميع نحو مستنقعاته.

إن هذه الحرب لن تنتهي دون مناهضتنا لخطاب الكراهية والتحريض وتجريمه ومن ثم إقرارنا بأن كل هذا الموت العبثي يجب أن يتوقف فوراً والسعي الجاد نحو بناء سلام مجتمعي بإيقاف العنف الهيكلي والثقافي ، وأن تتساوى الضحية في كل بقاع السودان بإعتبار إن الدم السوداني واحد وإن الإنسانية لاتتجزأ