تتطور بصورة عملية في سن السادسة..

هل يظهر الطفل تعاطفه مع الآخرين في سن مبكرة

الأطفال الذين يشعرون بالأمان والمحبة أكثر حساسية تجاه مشاعر الآخرين

نهى الصراف

يمكن أن تكون عملية مراقبة سلوك طفل في سن ما قبل المدرسة، عملا مرهقا للأم وقد تسبب لها القلق إذا ما كانت ردود أفعاله تفتقر إلى إظهار التعاطف مع الآخرين، لكن هذا الأمر لا يمكن أن يكون قاعدة. تقول إيرين والش؛ كاتبة ومدونة وناشطة أميركية تعمل رئيسة مجلس إدارة برنامج (واي.أم.سي.أي) الإنمائي لتطوير الشباب “تأثرت كثيرا الأسبوع الماضي عندما أرسل لي معلم لابني صورته على بريدي الإلكتروني تظهره وهو يحاول معانقة زميلته الصغيرة في الصف، لأنها كانت تقضي وقتا عصيبا”.

وتضيف “كنت فخورة جدا وأنا أقول لنفسي هذا هو التعاطف وماذا يكون غير ذلك؟ لكن بعد مرور ساعات، خاب أملي عندما شاهدت الملاك ذاته وهو يقفز فرحاً بينما يراقب شقيقه الرضيع وهو يتعثر في الرصيف ويقع ثم يبكي بخوف وألم، عندها فقط هتف طفلي الأكبر ‘هذا مضحك، أنظروا كم هو مضحك'”!

مع ذلك، يمكن النظر لهذا السلوك بطريقة أكثر عمقا لا تسبب الخوف والضيق للأم؛ في الأقل هناك درجة كافية من المعرفة في كيفية التعامل مع هذا النوع من المشاعر وترجمتها إلى سلوك، يمكن أن يخدم شخصا هو في حاجة ماسة للتعاطف أكثر من غيره.

تعاطف الطفل، يعني أنه شخص متميز عن غيره في محيطه الاجتماعي يمكن التعرّف إلى مشاعره بسهولة كما يمكن تنظيم ردود أفعاله العاطفية بالطريقة ذاتها، وربما سيعتاد أكثر من غيره من الأطفال على الشعور بالمسؤولية والواجب تجاه الآخرين، فهو طفل غير أناني وغير متطلب يحترم مشاعر الآخرين ويقدرهم.

وبحسب تعريف علماء النفس، التعاطف هو سعي الشخص إلى فهم خبرات ومشاعر الآخرين فينظر للأمور بعيونهم ويعبّر لهم عن مشاعره ويجعلهم يشعرون به من دون تطفل أو مبالغة في تقديم المشورة، فالشخص المتعاطف مع إنسان يمر بأزمة ليس مطالبا بتقديم مساعدة، إذ أن القيمة المعنوية والأثر النفسي الذي يتركه في قلوب الآخرين كاف لتقديم دعم معنوي.. ربما يكون كل ما يحتاجونه.

كما أن التعاطف مفهوم يعتمد بشكل أو بآخر على منفعة متبادلة؛ أي أننا عندما نظهر التعاطف لأشخاص غرباء أو مقربين عندما يمرون بمحنة فإننا نتوقع بالضرورة أن يبادلوننا نفس الشيء عندما نكون بحاجة لوقوفهم بجانبنا كلما واجهتنا ظروف عصيبة، وإلا سيتحول الأمر إلى مجرد استغلال شخصي من الطرف الآخر لتحقيق مصالح ذاتية وغايات شخصية، من دون مراعاة لهذا الدور التبادلي.

وترى إيرين والش التي واتتها الفرصة سابقا في العمل في المعهد الوطني الأميركي للإعلام والأسرة، أننا نولد ولدينا قدرة فطرية للتعاطف، لكنه عمل مستمر بدءا من الطفولة مرورا بالمراهقة فالنضج. كما يتشكل من خلال مجموعة من العوامل منها الوراثة، البيئة وربما المزاج وسياق الموقف. تطوير التعاطف، باعتباره سمة عاطفية، يحتاج إلى مران وخبرة أي أن هناك أسسا عاطفية ومعرفية.


وتظهر العناصر العاطفية للتعاطف بالكشف عن نفسها في البداية وفي سن صغيرة، حيث أن التجارب العاطفية المبكرة بين الأطفال ومقدمي الرعاية لهم، الوالدين أو المربين، أمر حاسم لتنمية ملكة التعاطف إذ يربط الرضع مثلا بين التفاعلات الإنسانية التي تبدو لهم إيجابية بنظام المكافآت، ثم مشاعر الهدوء والشعور بالأمان.

هؤلاء الأطفال الذين يشعرون بالأمان والمحبة هم أكثر حساسية تجاه مشاعر الآخرين. يطلق علماء النفس على هذا الارتباط بين الطفل ومقدم الرعاية بـ(التعلق)؛ حيث تنبئ جودة التعلق بمدى احتمالية ظهور مشاعر التعاطف والرحمة في وقت لاحق من حياة الطفل.

وتقول إيرين: مع تقدم الأطفال في السن، تبدأ المكونات المعرفية للتعاطف في الظهور وتكتمل القوالب العاطفية التي شكلوها خلال السنوات الأولى من الحياة. وبحلول سنوات ما قبل المدرسة، يصبح الأطفال أكثر وعيا بأن الآخرين لديهم كيان خاص ومشاعر وتجارب منفصلة.. فالتمييز بين الذات والآخر ينضج بسرعة خلال مرحلة الطفولة المبكرة.

وتتطور المكونات المعرفية للتعاطف بصورة عملية في سن السادسة أو السابعة، عندما يكون الطفل أكثر قدرة على تقديم الحلول أو المساعدة حينما يدرك بأن شخصا ما يمر بمحنة، ولا يحدث هذا إلا عندما تنضج مهارات الوظيفة التنفيذية للأطفال وتصبح أكثر قدرة على إدارة محنتهم الخاصة أولا، وبذلك يكتسبون “المساحة المعرفية” التي يحتاجون إليها للتواصل مع تجربة شخص آخر. وتعد هذه الممارسة أساسا للقضايا الأخلاقية والمعقدة التي يبدأ الشباب في إدراكها وتمييزها بتقادم تجربتهم الحياتية مثل عدم المساواة أو العنصرية.

بالطبع لا يمكننا الجلوس إلى أطفالنا لنلقنهم دروسا في التعاطف، إذ أن الاستجابات التعاطفية تظهر تدريجيا وبمرور الوقت في سياق العلاقات الاجتماعية والأسرية ورواية القصص والتواصل واللعب وتدريب المشاعر والكثير من الصبر.