أصالة المنهج..

تقرير: نرجسية الفرد.. تاريخ فشل الإخوان في صناعة رمز وطني

الرمز الإخواني.. صناعة فاشلة وتقديس مزيف

دعاء إمام

داخل قاعة تتسع لنحو مائتي شخص، وقفت إحدى الشابات السوريات، تنتقد كلمة أمين عام جماعة الإخوان، محمود حسين، الذي بدا في تلك اللحظة نرجسيًّا كطاووس أوشك على الانقراض، حين قال خلالها: إن الجماعة يهمها بناء القدوة النموذج، إذ رأت أنه من الأولى أن تهتم الجماعة بالمنهج؛ لأن الأشخاص يخطئون ولا يصيبون دائمًا، لكن صقور الإخوان اتفقوا على تقديم الفرد على المنهج.

الرمز الإخواني.. صناعة فاشلة وتقديس مزيف

دارت تلك النقاشات في اليوم الأول من مؤتمر الجماعة الإرهابية، والذي جاء تحت عنوان «الإخوان المسلمون.. أصالة الفكرة واستمرارية المشروع»، الذي عُقد في تركيا يومي 15 و16 سبتمبر الجاري، بحضور قيادات أفرع التنظيم في الأردن ولبنان، وعدد من الدول الأخرى؛ ليثير تساؤلًا حول فشل الجماعة في صناعة رمز، يمتد تأثيره خارج الإخوان.

خلال عام حكم الجماعة في مصر (2012_2013)، فشل الإخوان في تقديم نموذج قدوة أو رمز يلتف حوله المصريون، إذ تولى الرئيس المنتمي للجماعة محمد مرسي الحكم، كأول رئيس منتخب عقب ثورة 25 يناير، ليعمل بعد ذلك على تمكين قيادات الجماعة من المناصب العليا، وإقصاء المخالفين وغير المنتمين للجماعة.

رغم ما سبق، عكف الإخوان  ترميز وأسطرة كثيرٍ من الأحداث حسب رؤيتهم؛ بهدف تقديس بعض الشخصيات التي تصدرت المشهد السياسي إبان ثورة 25 يناير عام 2011، بيّد أن الواقع يؤكد فشل الجماعة في تقديم فرد واحد تتفق عليه التيارات غير المؤدلجة أو غير المنتمية لجماعات الإسلام السياسي؛ ما تسبب في رفض الشارع لحكمهم ومطالبته بعزلهم عبر ثورة 30 يونيو 2013.

في عام 2006، كتب القيادي الإخواني، عصام تليمة، مقالًا يفيد بأن رموز جماعة الإخوان هم الذين عاصروا مؤسس الجماعة، حسن البنا، إذ زعم أن قلة مؤلفات المرشد الأول للجماعة ترجع لاهتمامه بـ«تأليف الرجال عن تأليف الكتب»، معتبرًا أن معظم منظري الجماعة خرجوا من بين أصابع «البنا».

وتابع: «كان يتولى صناعة الرموز بعدة طرق، إما بتوجيهاته، أو بتعهده للأشخاص، أو بتلمس عناصر القوة في الشخصية التي أمامه فيدلها على مكامن قوتها العلمية لتفيد فيه».

عنف الرموز

حتى الأسماء التي يعدها الإخوان رموزًا لجماعتهم، أغلبهم ممن تماهوا مع تكفير المجتمع، وورطوا الشباب في العنف، مثل سيد قطب، ومحمد قطب، وسيد سابق، لكن العقود الأخيرة لم تشهد خروج فرد واحد من الجماعة يمكن أن يلتف حوله الشعب كله.

تجلى هذا في الأقطار التي يوجد فيها الإخوان بقوة، مثل تونس والجزائر والأردن وموريتانيا؛ فجميعهم رفضتهم شعوبهم، ولم يختاروهم لتمثيلهم؛ حيث فشلت تلك الأفرع المنتمية للجماعة في توحيد المعارضة، وهو ما أكده  جمال حشمت، عضو مجلس شورى جماعة الإخوان، في تدوينة له عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك».

قال: «قراءة الواقع خلال الأعوام الماضية تؤكد فشل الإخوان في توحيد صفوفهم ونبذ العنف»؛ الأمر الذي يفسر مساندة الإخوان لأي شخصية غير منتمية للجماعة، بشرط أن يتوافق عليها أكبر عدد ممكن؛ بهدف إسقاط الأنظمة، وهدم استقرار الشعوب.

تسويق الفرد

في هذا الصدد، قال عبدالله بن بجاد العتيبي، الباحث السعودي في الحركات والتيارات الإسلامية: إنه مع تطوّر وسائل الإعلام والدعاية وصناعة وتسويق الرموز السياسية والدينية وغيرها تحول الأمر لصناعة قائمة بحد ذاتها يعتمد عليها الإخوان في الانتخابات، والتسويق لمشاريعهم وشخصياتهم.

وأوضح في دراسة بعنوان « الإسلام السياسي وصناعة الرمز»، أن جماعة الإخوان ظلت ردحًا غير قليلٍ من عمرها تحت ضغوطاتٍ سياسيةٍ أكثرها كان من صنع يديها، ولكنها استطاعت ترويج خطابها ورموزها استلهامًا من صناعة التاريخ الهامشي أو الموازي تاريخيًّا، كما استفادت من التطورات الحديثة في صناعة الشخصية والرمز ومن ذلك تسويقها لمؤسس الجماعة باعتباره شخصيةً تاريخية استثنائية.

وتابع: «غير أنّ بعض شهادات المعاصرين لحسن البنّا من المستقلين تروي شيئًا مختلفًا، فمن ذلك ما نشرته صحيفة مصرية من حوارٍ مع العميد السابق، عباس حافظ أحد زملاء الرئيس جمال عبدالناصر القدامى، واللافت للانتباه هو حديثه عن مؤسس الجماعة فقد عرفه قديمًا قبل أن تتم أسطرة شخصيته، وإعادة كتابة تاريخه على يد الجماعة التي أسسها».

وجاء في وصف «حافظ» لـ«البنّا» قوله: وأتذكر أننا كنّا نلتقي رائدًا بالجيش يحدثنا عن الإسلام في تجمعاتٍ محدودةٍ، وكان يتحدث عن الإخوان، وأخبرنا بأن حسن البنّا يعقد اجتماعًا كل ثلاثاء في ميدان الحلمية، ودعاني وعبدالناصر لحضوره، وذهبنا إليه بالفعل فوجدناه رجلاً طيبًا، لكنّ عمقه الإنساني والإدراكي لا يؤهله لقيادة مجموعةٍ بهذا الحجم، فمحاضرته كان يلقيها من ورقةٍ، يتلعثم في قراءتها، ما يدل على أنّه ليس صاحب المحاضرة، كما كان البنّا يمدّ يده إلى الناس لتقبلها.

ولا يستبعد «العبيدي» هذا الوصف؛ فقال إن حسن البنا مدرسٌ وحظه من العلم الشرعي ضئيل، مضيفًا: «ليس البنّا هو المدرس الوحيد الذي ارتقى به الحال ليقود جماعةً دينيةً مسيسةً تبدو أكبر منه لضعف تحصيله من العلم الشرعي وقدراته الشخصية بشكلٍ عامٍ، ففي الوقت المعاصر أنشأ محمد سرور زين العابدين جماعةً تنسب له هي السرورية مع أنّ ضعف تحصيله الشرعي ظاهر وقدراته الشخصية لا تؤهله لهكذا دور».