"بايدن" يصنع الجمود في جبهة مأرب..

تقرير: " تنظيم الإخوان وسلطة 2011".. كيف سُلمت اليمن لإيران

مسلحان من إخوان اليمن يسيران قرب عربة عسكرية قرب مأرب - أرشيف

نصر محسن
كاتب صحافي متعاون مع صحيفة اليوم الثامن

ستة حروب شهدتها بلدات محافظة صعدة اليمنية (المعقل الرئيس للحوثيين)، كانت الأولى في العام 2004م، والأخيرة في العام 2009م، وهي الحرب التي كادت تكون القاضية على التمرد الحوثي، بفعل عملية عسكرية أطلقها العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، توقفت والحوثيين قد انسحبوا من الأراضي السعودية إلى كهوف مران.

حرب اعادت الحوثيين الى نقطة البداية، وكادت تلك الحرب ان تقضي على التمرد بشكل نهائي، لولا التدخلات الإقليمية التي حالت هزيمة المتمردين الذين تدعمهم إيران.

كانت قطر الراعي الرسمي لإخوان اليمن، مع موعد لإعادة ترتيب أوراق الحوثيين، في حين كانت السعودية وجيرانها في الخليج يخشون الخطر القادم، فمع احداث الـ11 من فبراير (شباط) 2011م، كان الحوثيون يحتفلون في ساحة الجامعة بصنعاء، جنبا على جنب مع تنظيم الاخوان الممول قطرياً، فكان السؤال "كيف وصل الحوثيون الى وسط العاصمة اليمنية صنعاء".

كانت توكل كرمان القيادية الإخوانية تمول عن طريق الطرف الإقليمي الفاعل في تفجير الانتفاضة باليمن، انشاء مخيمات الحوثيين الموالين.

مولت قطر الحوثيين بشكل كبير، وادخلت الدوحة الأموال الى صنعاء وصعدة، تحت عناوين إعادة اعمار الأخيرة، غير ان صعدة لم تعمر ولا تزال المبان مدمرة بفعل الحروب الستة، لم تكن الأموال وحدها من أوصلت الحوثيين الى العاصمة اليمنية، بل كان للانتفاضة ضد نظام علي عبدالله صالح، السبب الأبرز في تجاوز كل شيء حتى وصولوا ساحة الجامعة.

لم يتوقف الأمر، هنا فالإخوان الذين اعتبروا إزاحة صالح بمبادرة خليجية يمثل انتصاراً لهم، سرعان ما أشركوا الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني اليمني في العام 2013م، وحسن نية، قدموا اعتذاراً للميليشيات التي قتلت أكثر من مائة ألف جندي وضابط في الجيش خلال حروب صعدة، كان الإخوان يعتقدون ان اشراك الحوثيين كحزب سياسي سيكون من أبرز العوامل لإزاحة "الرئيس السابق علي عبدالله"، ولكن الحزبية السياسية والقانون اليمني بشأن الأحزاب لم ينطبق على الحوثيين كجماعة جهوية طائفية تصدر الدين للدفاع عن مشروعها.

ظن "صالح"، ان البقاء في المشهد سيكون له ثمنه، ولكنه مضى في تقديم تطمينات للحوثيين على انه سيكون حليفهم، لكنه كان يمني النفس بان العودة للسلطة عن طريق نجله، سيكون سهلا فقط بإزاحة الحوثيين واخراجهم من صنعاء.

شعر الاخوان ان السعودية تريد دفعهم نحو معركة خاسرة ضد الحوثيين، فذهبوا لتقديم تنازلات كبيرة من بينها تسليم عمران، كرد على تصنيف السعودية لهم كجماعة إرهابية، وذهبوا الى ابرام الاتفاقية مع الحوثيين، وصولا إلى توقيع اتفاقية السلم والشراكة بعد السيطرة الحوثية على صنعاء.

سيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية وتمددوا صوب الجنوب، ورفضت السعودية عرض "الرئيس صالح"، بإخراج الحوثيين من صنعاء، بدعوى انه عرض جاء متأخراً.

امام "صالح"، فقد انتهت معركته ضد الاذرع الإيرانية بقتله، عقب معركة داخل صنعاء العاصمة، رغم سوء التدبير الا ان انها معركة كشفت هشاشة الحوثيين وعدم مقدرتهم على المواجهة في المدن "قتال الجيوش المدفعية"، حيث وان تدريبهم من قبل خبراء إيرانيين ومن حزب الله، على حروب العصابات، وقد ساهم هذا النوع من الحروب لاحقا في تحقيق إنجازات على الأرض في محيط مأرب.

لم يكن من انجاز يذكر لسلطة الثورة اليمنية "11 فبراير"، سوى تسليم اليمن لإيران، كان هادي "الرئيس الذي جاءت به المبادرة الخليجية"، هو الأخر ذهب لمحاولة خلق تحالفات مع الحوثيين تبقيه في الحكم "عام واحد"، على اقل تقدير بعد ان كان مقررا له ان يسلم السلطة في العام 2014م، على اعتبار انه رئيس انتقالي.

فذهب الى ابرام اتفاقية مع إيران (الراعي الرسمي للحوثيين)، وكانت الاتفاقية توريد مشتقات نفطية إيرانية بسعر التكلفة بدون فوائد، لكن لم يكن الحوثيين بحاجة لرئيس "عرف خلال 20 عاماً بالشخصية الضعيفة"، فهو الذي ظل نائبا لصالح بدون قرار جمهوري، والحوثيون باتت معهم تحالفات أوسع.

تحت الحصار الحوثي اجبر هادي على تقديم الاستقالة، اجتمعت الأحزاب اليمنية "المؤتمر والإصلاح وأحزاب أخرى مع الحوثيين لاختيار رئيس توافقي بديل لهادي المستقيل"، لكن هادي نجح في الخروج من صنعاء الى عدن، ومنها أعلن سحب استقالته، لينقسم الاخوان بين فصيل يؤيد الحوثيين، للحفاظ على المشاريع الاستثمارية في صنعاء، وفصيل يذهب مع هادي.

لكن حتى هذا الفصيل الذي نجح في ان يقدم نفسه كحليف قوي للسعودية قائدة التحالف العربي، استحوذ على قرار الرئاسة اليمنية وجيره لأجندته السياسية، فكانت الحرب الأولى للتنظيم "جنوباً"، بدأت سياسية بعزل المسؤولين الجنوبيين وهجمات إرهابية واغتيال من ترى انهم يشكلون خطرا على مستقبل التنظيم، وقد ضبطت الأجهزة الأمنية متفجرات في منازل قيادات اخوانية.

خسر التحالف بقيادة السعودية الكثير من المدن التي حررها في مأرب والجوف وتعز وساحل ميدي، وطور الحوثيون من قدرتهم العسكرية من خلال حصولهم على قطع صواريخ وطيران مسير، تقول تقارير فريق خبراء الأمم المتحدة انها تهرب من سلطنة عمان الى صنعاء مرورا بمناطق عسكرية تابعة للرئاسة اليمنية في الرياض، بالتحديد موالية لنائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر.

لم يكن تمويل الحوثيين بالأسلحة وقطع الصواريخ والطيران المسير، يؤكد على وجود تجار حروب، على ارتباط بالإخوان في مأرب، فالمسألة ابعد من ذلك، فالزيدية السياسية والتفكير في مسألة إبقاء الهيمنة على الجنوب الغني بالثروات كانت من العوامل التي دفعت الاخوان إلى شن حرب على الجنوب بدلا من ان كانت تلك الحرب ضد الحوثيين في الشمال.

حروب الإخوان صوب الجنوب، سلمت اليمن الشمالي بكل اريحية لإيران التي باتت تمتلك أذرع تتفوق في القدرات العسكرية من خلال المخزون العسكري اليمني او من خلال استمرار تدفق الأسلحة من إيران عن طريق سلطنة عمان.

التسليم لإيران لم يكن بحاجة لمن يشرعنه، الا بعد وصول جو بايدن الى الرئاسة في البيت الأبيض، والذي اقر عن طريق احد معاونيه ان الحوثيين اصبحوا طرفا شرعيا في اليمن.

ويقول بشار جراد في الـCNN، عن تجميد القتال بين الاخوان والحوثيين "أنظر في اليمن مثلا كيف صار الحال بعد أقل من عام على السنة الأولى لبايدن في الحكم، حالة من الجمود في القتال".

ولفت إلى أن "الحرب في الأساس إرادة.. وفي معركة الإرهاب ومحاربته هي حرب بين إرادة وثقافة الموت والحياة، الكراهية والمحبة. أحسن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف وصفها عندما قال عن مستقبل أفغانستان "لن نستطيع أن نعلمهم الحياة" في إشارة إلى رفض المزاوجة بين محاربة الإرهاب وبناء الأمم".

ولفت إلى أنه "لا فرق بينهم طالبان أفغانستان، طالبان باكستان، داعش خرسان، القاعدة خرسان، إخوان مصر وإخوان اليمن، حوثيي اليمن وحزب الله اللبناني أو العراقي، كلهم واحد، جميل أن نغفر – تلك من وصايا رب العالمين - لكن من غير المقبول أن ننسى".

ويبقى التأكيد ان العامل الرئيس في استحواذ الاذرع الإيرانية على شمال اليمن، هم الاخوان المسلمين الذي ينحدر قادتهم من الزيدية، ذات الطائفة التي ينحدر منها الحوثيون، لكن تقاطع مصالح الزيدية السياسية في اليمن، كانت العنوان الأبرز لإعادة التحالف بصورة أوضع، دون اخذ في الاعتبار ان يكون لإيران وجود قوي في خاصرة السعودية.