تقارير وتحليلات
«فورين بوليسي»:
هل سيبقى ترامب أم سيرحل من العراق؟
تساءل «جون هانا»، وهو زميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، عما إذا كان الرئيس الأمريكي المنتخب «دونالد ترامب» سيتبنى إستراتيجية يسحب بمقتضاها ما تبقى من قوات أمريكية في العراق بعد معركة الموصل، أم أنه سيحتفظ بالقوات الأمريكية في العراق.
ورصد «هانا»، الذي عمل أيضًا لمدة ثماني سنوات في فريق عمل نائب الرئيس الأمريكي السابق «جورج دبليو بوش»، «ديك تشيني»، رصد في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مؤخرًا، مواقف الرئيس الأمريكي المنتخب السابقة من حرب العراق، والتي عكست تباينًا في وجهات نظره.
وقال الكاتب: «على الرغم من أن وتيرة معركة تحرير الموصل قد تباطأت إلى حد كبير، إلا أن انهيار خلافة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) – على الأقل في العراق – لا يزال فقط مسألة وقت».
وأضاف أنه سواء كان ذلك سيحدث قبل أن يتسلم «ترامب» مهام منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، أو في الأسابيع والأشهر التي ستلي ذلك، فمن شبه المؤكد أن الإدارة المقبلة تواجه قرارًا مصيريًا: هل يجب عليها أن تسعى للحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي المستمر في مرحلة ما بعد الخلافة في العراق؟ أم أن زوال دولة «أبي بكر البغدادي» سيكون إشارة لانسحاب سريع نسبيًا للقوات الأمريكية من البلاد – الذين يبلغ عددهم الآن حوالي 6000؟
وقال الكاتب إنه وكما هو الحال مع الكثير من السياسة الخارجية للرئيس المنتخب، فإن الإجابة على هذه الأسئلة ليست واضحة.
مواقف ترامب السابقة
خلال حملته الانتخابية، قال الرئيس المنتخب مرارًا وتكرارًا إن قرار غزو العراق عام 2003 قد يكون القرار الأسوأ، حسب وصفه، في التاريخ الأمريكي. وفقًا لوجهة نظره، فقد أدت حرب العراق إلى إحداث حالة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، كان من شأنها تعزيز قوة إيران، وإهدار المليارات من أموال دافعي الضرائب، والآلاف من أرواح الأمريكيين.
أشار الكاتب إلى أنه لم يعد هناك شك في أن «ترامب» يعارض المشروع الأمريكي في العراق. الأهم من ذلك، في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي السابق «بوش» ينشر مزيدًا من القوات في أوائل عام 2007، كان «ترامب» بالفعل يحث علنًا على سحب الوجود العسكري الأمريكي على الفور.
في وقت مبكر من عام 2006، أدان «ترامب» الحرب في العراق ووصفها بأنها فوضى وكارثة، وأنها لن تؤدي إلا إلى الأسوأ، مطالبًا الرئيس الأمريكي آنذاك بإعلان النصر والرحيل. كان تقييمه في ذلك الوقت بشكل واضح أن تكاليف الحفاظ على الوجود الأمريكي تجاوز بكثير أي مكاسب ممكنة.
بالنسبة لـ«ترامب»، فقد ساعدت القوات الأمريكية في قمع التوترات العرقية والطائفية القاتلة التي ستظهر من جديد في أول فرصة. فيما علق جنود الولايات المتحدة في دائرة لا تنتهي من العنف بتكاليف هائلة من الدم الوطني والتكلفة المادية.
وكان «ترامب» حريصًا على مدار عقد كامل على غسل يديه من حرب العراق، وهو ما كان له بالتأكيد أصداء مدوية في الحملة الانتخابية الرئاسية لهذا العام.
كان واحدًا من موضوعاته الأكثر اتساقًا أن «إستراتيجيتنا الحالية لبناء الدولة وتغيير النظام أثبتت فشلها». وقال «ترامب» في إشارة إلى العراق على وجه التحديد: «لم ينجح الأمر هناك. العراق كان على مقربة من كونه دولة ديمقراطية. لم تنجح أي من هذه الأمور».
«إعلان النصر والرحيل»
وقال الكاتب: «أضف هذه النقاط إلى بعضها البعض وسيصل أي مراقب إلى استنتاج منطقي أنه بمجرد أن يتم هزيمة تنظيم داعش في الموصل، ومع انهيار خلافتها، فربما سيقدم ترامب، كما نصح في عام 2007 ، إلى مجرد «إعلان النصر والرحيل»».
ومع وجود خطر انتشار تنظيم داعش مرة أخرى في جيوب متفرقة في جميع أنحاء البلاد، سوف يصبح أكبر تحد للعراق مرة أخرى، كما كان منذ عام 2003، العثور على صيغة لحكم مستقر – وخاصة تلك التي تحفظ ولاء العراقيين السنة. وبعبارة أخرى، بناء الأمة – على وجه التحديد المهمة التي يريد «ترامب» لأمريكا ألا تكون جزءًا فيها.
من ناحية أخرى، ومع ذلك، أثناء الحملة الانتخابية، أصبح جزءًا لا يتجزأ من نقد «ترامب» لسياسة الرئيس «باراك أوباما» الخارجية قراره بسحب جميع القوات الأمريكية من العراق في عام 2011. «ترامب» انتقد فشل أوباما في التوصل إلى اتفاق مع الحكومة العراقية للحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي المتبقي، زاعمًا أن تراجع الولايات المتحدة الحاد خلف فراغًا أدى مباشرة إلى صعود تنظيم داعش.
ونقل الكاتب ما ذكره «ترامب» في خطاب بشأن الأمن القومي في أغسطس (آب) الماضي، إذ قال إنه في عام 2009 ورث «أوباما» عراقًا «كان يعاني من انخفاض في حدة العنف». ومع ذلك، قال «ترامب»: «هذا الفشل في إنشاء وضع جديد لاتفاق القوات في العراق والجدول الزمني لانسحاب القوات المدفوع بالرغبة في النجاح في انتخابات عام 2012، سحب مكاسبنا في البلاد، مما أدى مباشرة إلى صعود تنظيم داعش».
وفقًا للكاتب، يعكس ذلك تباينًا في وجهات نظر الرئيس المنتخب، التي كان يتبناها في عام 2007. اعترف «ترامب» أنه حتى في حين أن الحرب قد تكون خطأً كبيرًا، فإن قوات الولايات المتحدة بحلول عام 2011 كانت قد بدأت في تقديم مساهمة مجدية لاستقرار العراق على المدى البعيد. كانت قوات الولايات المتحدة تحرز تقدمًا حقيقيًا وليس مجرد تقليص مؤقت لوتيرة العنف، ولكن أيضًا كانت الجهود في طريقها لهزيمة تنظيم القاعدة في العراق.
هذه النسخة من «ترامب» يبدو أنها قدرت أنه في حين قد يكون الحفاظ على وجود القوات المتبقية في العراق نزهة، فإن عواقب الانسحاب المبكر ربما كانت أسوأ بكثير بالنسبة للولايات المتحدة.
لذا أي نسخة من «ترامب» سنراها في 20 يناير (كانون الثاني)؟
هل سيكون «ترامب» الذي اعتبر أن العراق قضية خاسرة؟ الذي يستنتج أنه بعد هزيمة خلافة داعش التي تهدد مباشرة الولايات المتحدة، فإن أي التزام أمريكي إضافي في العراق سوف يكون مضيعة للوقت والموارد، ويحتمل الأرواح، وليست لديه مبررات ممكنة لتأمين مصالح الولايات المتحدة؟
أو يمكننا بدلًا من ذلك الحصول على «ترامب» الذي يبدو أنه قدر أن الشيء الوحيد الأسوأ من البقاء في العراق في عام 2011 كان مغادرة العراق؟ الذي اعترف بأنه كان صعبًا ومحبطًا مساعدة الدولة الهشة في العراق لتوطيد المكاسب التي تحققت بشق الأنفس مع الدعم العسكري الأمريكي، وكان المقابل باهتًا بالمقارنة مع التكاليف المحتملة لمجرد التخلي عن البلاد في وقت قريب جدًا، وإطلاق العنان لقوى معادية للولايات المتحدة للتجمع وتعزيز قواها. ذكر الكاتب أنه في التفكير فيما يجب القيام به في ما بعد الموصل في العراق، فإن «ترامب» سينظر بالتأكيد لشخصين على الأقل ذوي خبرة واسعة في خوض حروب أمريكا: الجنرال المتقاعد «مايكل فلين»، الذي عينه مستشارًا للأمن القومي، والجنرال المتقاعد «جيمس ماتيس»، الذي عينه «ترامب» وزيرًا الدفاع.
فلين
قال الكاتب إن «فلين» مثل «ترامب»، وقد أوضح وجهة نظره بأن قرار غزو العراق كان خطأً كارثيًا. ولكن في كتابه الأخير «ميدان المعركة» قال أيضًا إن التغيير في الإستراتيجية، الذي انعكس في زيادة الرئيس «بوش» للقوات «سمح لنا بكسب الحرب في العراق». وأضاف: «هذا انتصار كبير ضد قوى الإرهاب الإسلامي المتطرف».
بحسب الكاتب، فإن تقييم «فلين» يثير الشكوك في أن تراجع الولايات المتحدة المتهور في العراق كان خطأً قاتلًا.
ونقل الكاتب ما ذكره «فلين» في كتابه: «كل من لفت نظره انهيار الوضع في الشرق الأوسط يدرك اليوم الخطأ المأساوي في الحكم عندما قام الرئيس أوباما بالقرار المصيري لسحب القوات في العراق في عام 2011. وأدى هذا القرار إلى صعود تنظيم داعش».
ماتيس
في المقابل، أوضح الكاتب أنه يصعب العثور على آراء «ماتيس» بشأن انسحاب «أوباما» من العراق، ولكن في جميع الاحتمالات لا تقل قسوة. في ذلك الوقت من الانسحاب، كان «ماتيس» قائدًا للقيادة المركزية الأمريكية، الذي كان يوصي بشدة أن الولايات المتحدة يجب أن تحتفظ بوجود كبير للقوات.
يذكر أن وزير الدفاع الأمريكي «أش كارتر» قد طرح مؤخرًا ضرورة قيام الجيش الأمريكي، جنبًا إلى جنب مع شركائه الدوليين، بالبقاء في العراق حتى بعد هزيمة تنظيم داعش. في خطاب ألقاه يوم 3 ديسمبر (كانون الأول)، قال «كارتر» إنه «سيظل هناك الكثير الذي يجب عمله بعد ذلك للتأكد من أن يبقى تنظيم داعش مهزومًا. سنحتاج إلى الاستمرار في مواجهة المقاتلين الأجانب الذين يحاولون الفرار ومحاولات داعش لإعادة اختراع نفسها».
وفي العراق على وجه الخصوص، قال «كارتر» إنه «سيكون من الضروري بالنسبة للتحالف تقديم المساعدة المستمرة والاستمرار في عملنا لتدريب وتجهيز ودعم الشرطة المحلية وحرس الحدود».
من جانبه لم يقل الرئيس الأمريكي شيئًا عن مسألة بقاء القوات الأمريكية في العراق بعد هزيمة تنظيم داعش في خطابه الأخير حول الأمن القومي، بينما كان يتحدث مطولًا عن الحرب ضد تنظيم داعش، بما في ذلك معركة مدينة الموصل.
ومع ذلك، فقد دافع «أوباما» – بحسب الكاتب – مرة أخرى عن انسحاب القوات عام 2011، وأصر على أن وجود الولايات المتحدة لم يكن ليفعل شيئًا ليحول دون ارتكاب الفظائع التي تلت ذلك.
اختتم الكاتب بقوله إن الحرب ضد تنظيم داعش تندفع الآن نحو نقطة انعطاف. انهيار الموصل، في حال حدوثه، سيمثل هزيمة لخلافة داعش في العراق – على الأقل في المدى القصير. وسوف يتحدد ما إذا كانت هزيمة التنظيم نهائية أم ستظهر النسخة الثانية من التنظيم مرة أخرى، وما إذا كانت إيران قد حولت العراق إلى ساحة للحرس الثوري الإيراني، كل ذلك سيتحدد بالإستراتيجية التي سيتبناها الرئيس الأمريكي المنتخب والتحالف الدولي.