قضايا وحريات

العنصرية تصل للقتل أحيانًا

«الأفارقة في مصر».. القصة الممنوعة من النشر دائمًا!

منذ سنوات والأفارقة في مصر يُعاملون كفئة إنسانية أقل كما تقول صحافية

نيرة الشريف (القاهرة)

«اللاجئون الأفارقة في مصر إهدار لموارد مصر»، تحت هذا الاسم انطلقت إحدى الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، لم يكن عدد أعضاء الصفحة الذي لم يتجاوز التسعة والخمسين عضوًا يوحي أنها تحظى بأي قبول، لكن الشعارات التي كانت تمررها تبدو جديرة بالتوقف أمامها، فمن مشاركات الصفحة: «انتماء اللاجئين الأفارقة لإسرائيل واحتمالات وجود بؤر تجسس بينهم»، و«كيف نجد الأمان في بلادنا وهم يستخدمون أرضنا للسفر لأعدائنا»، و«إسرائيل هي حلم الأفارقة ومصر هي المعبر لها»، ثم مشاركة خبر عن إحباط الأمن المصري لمحاولة ستة من الأفارقة التسلل إلى إسرائيل.

 

الصفحة التي تتهم اللاجئين الأفارقة بشكل كامل بأنهم يستخدمون مصر للتسلل إلى إسرائيل، تستند في كلامها إلى جانب من الحقيقة، إذ إن نسبة من الأفارقة الموجودين بمصر أتوا إليها كترانزيت إلى حين الذهاب إلى بلاد أخرى، وربما لا يبرر هذا بالنسبة للبعض، تلك المعاملة القاسية التي يواجهها الأفارقة في الشوارع المصرية، والتي سنستقصيها في هذا التقرير.

 

تقول الصحافية المصرية عزة مسعود: «منذ سنوات والأفارقة في مصر يُعاملون كفئة إنسانية أقل، وكان ملفهم مليئًا بالتفاصيل بالنسبة للصحافيين المصريين، إما أن يكونوا مسيطرين تمامًا بحدث ضخم مثلما حدث معهم في واقعة مصطفى محمود، أو أن يتناولهم الصحافي بتحقيق أو تقرير بحكم أوضاعهم غير المستقرة واللا منضبطة بمصر».

 

الأفارقة.. قصة ممنوعة من النشر

 

في عام 2006، تناولت عزة الأفارقة في مصر من خلال قصة صحافية إنسانية، لم تنشرها الجريدة التي كانت تعمل بها حينها، لأن إدارة التحرير رأت أنها تثير القلق، كانت ترصد من خلال قصتها الصحافية مجموعة من الأفارقة يسكنون في إحدى المناطق بالمعادي، ونظرة المصريين لهم، وكانت كل الشواهد التي تمكنت عزة من جمعها مخجلة للغاية من وجهة نظرها.

 

تقول عنها: «في البدء تم تسمية الشارع الذي يقطنون به باسم (شارع العبيد)، وأحيانًا يُقال عليه (شارع السود)، وكانت أسعار السكن في الشارع الذي يسكنون به مرتفعة جدًّا مقارنة بالشوارع المحيطة به، والتي تؤجر نفس مساحة الشقق التي يقطنون بها، وحتى السلع من بقالة وفاكهة وغيره كانت تُباع لهم بأسعار مرتفعة جدًّا عن أسعارها الحقيقية، فالمصريون قد اتخذوهم وسيلةً لاستغلالهم وزيادة الدخل من خلالهم، عاملوهم معاملة أقرب إلى كونهم (مطاريد) وهم يؤونهم، ولا بد من دفع ثمن هذا الإيواء بالطبع، ففرضوا عليهم أسعار وهمية لكل شيء يحتاجون شراءه، والأفارقة كانوا مضطرين لقبول هذا الوضع».

 

العنصرية تصل للقتل أحيانًا

 

في فبراير (شباط) الماضي، وعلى صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كتبت الناشطة ليلى عناني: «ده راجل سوداني بسيط من الجنوب اسمه (جبرائيل توت)، جه مصر وقرر إنه يفتح مدرسة لتعليم اللاجئين الأفارقة ويعوضهم عن الدمار النفسي والتخريب المعنوي اللي شافوه في بلادهم، وفعلًا فتح مركز في عين شمس وسماه (Sudanese Children Educational Center)، لحد ما صاحب محل بقالة على ناصية الشارع اللي فيه المركز كان دايمًا يمارس عليه عنصريته ويناديه بـ(بلاك) و(بكار) و(بونقا) ويسلط ولاد الشارع يجروا ورا أطفال المركز ويشتموهم ويشتموا السيد جبرائيل لحد ما أذوه نفسيًّا هو والأطفال اللي معاه».

 

تضيف عناني: «كانت النتيجة إنه اتقتل على يد صاحب المحل، طبقًا للصديقة (Fattoo Styles Februa) من أسرته اللي تواصلت معايا، إذ وقعت مشاجرة بين جبرائيل وصاحب المحل انتهت بقتله».

 

ومنذ أيام قليلة كتب لويس أجوك -أحد الأفارقة المقيمين بالقاهرة- مشاركة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يروي فيها حادثة تعرض لها قائلًا: «بعدما خرجنا من القهوة وفي طريقنا إلى المنزل أنا ومجوك منجكوير وشان شوار ودينق طون. تمت مهاجمتنا عبر كلاب أليفة شرسة. دون أدنى رحمة وإنسانية من الصبيان المصريين في ميدان أبو عبده -الذين شهدوا الموقف- وكنا نبكي من شدة ألم العض أمام الملأ، دون تدخل أحد من المصريين لكي ينجدنا من الكلاب الشرسة، شكرًا مصر على الاستضافة، شكرًا لأن جاليتنا بمصر تتعرض لحوادث واستفزازات من المصريين، وظللنا لا نُحرك ساكنًا لأننا ضيوف في دياركم».

 

 

جانب العنف الذي يواجهه الأفارقة في الشوارع المصرية هو ما شهدته مسعود في قصتها الصحافية أيضًا، فبخلاف المعاملة التي تصفها بأنها كمعاملة المطاريد، كان هناك كثير من الاشتباكات التي تحدث بين مصريين وأفارقة في الأماكن التي يتواجدون بها، بحسب عزة، وكان هناك عُرف في أقسام الشرطة التابع لها محل إقامة الأفارقة، أنه إذا أتى إلى مركز الشرطة مصري وإفريقي مشتبكين فإن الإفريقي هو الذي ينصف، مما كان يزيد حنق المصريين عليهم، بحسب عزة.

 

وحينما سألت عزة أقسام الشرطة عن هذا قيل إنه واقع فعلًا، لأن الأوساط الدولية تتعامل معهم كقضية حريات، وأنه في أوقات كثيرة يتم التعامل معهم وحل الأمور بهذه الطريقة حفاظًا على صورة مصر، وهذا بالنسبة لمن لديه أوراق ثبوتية سليمة منهم، ومن هو بلا أوراق فلا يلجأ إلى القسم أصلًا ويضطر إلى حل الموضوع وديًّا أو التنازل عن حقه لدي حدوث اشتباك مع مصري، لأن وصوله إلى القسم يعني تحويله إلى السفارة التابع لها وترحيله لبلده فورًا.

 

ذكريات «مذبحة مصطفى محمود» يرويها الصحافيون المصريون

 

في عام 2005، قرر بعض اللاجئين السودانيين في مصر الاعتصام في حديقة ميدان مصطفى محمود أمام المفوضية العليا لشئون اللاجئين، ليطالبوا المفوضية بتحسين أوضاعهم، وظلوا معتصمين حوالي ثلاثة أشهر لا يتجاوزون سور حديقة الميدان، في اعتصام سلمي تواجد به أسر كاملة بنساء وأطفال، وفي الأيام الأخيرة من العام نفسه قررت الحكومة المصرية فض اعتصام اللاجئين بكتائب الأمن المركزي، مما أسفر عن وفاة أكثر من 27 لاجئًا سودانيًّا أكثرهم من النساء، وأغلقت النيابة العامة المصرية التحقيق في الحادثة بدعوى عدم وجود شبهة جنائية، مما دفع نحو 12 منظمة حقوقية مصرية للمطالبة بفريق دولي لتقصي الحقائق بشأن مقتل المعتصمين السودانيين.

 

 

 

وعن ذكريات رد فعل الشارع المصري تجاه أحداث مصطفى محمود يسرد محمد هشام عبيه، الكاتب الصحافي ورئيس التحرير السابق لجريدة اليوم الجديد لـ«ساسة بوست»: «قبل أيام من وقوع (مذبحة اللاجئين الأفارقة) بمسجد مصطفى محمود، عام 2005 كنت أستقل مترو الأنفاق المتجه من رمسيس إلى المرج، كانت شرق القاهرة وربما حتى يومنا هذا أحد أهم تجمعات الأفارقة في مصر، لذا كانت رؤيتهم في المترو أمرًا اعتياديًّا، لكن ذلك لم يمنع بعضًا من ركاب المترو ممن هم في سن المراهقة من التحرش جسديًّا ولفظيًّا برجل إفريقي كان متواجدًا بالعربة، سخروا أولًا من طوله المفرط، ثم بدؤوا في الحديث إليه بالعربية التي لا يفهمها، ثم زادوا بعد ذلك بإطلاق الشتائم عليه التي في معظمها عنصري ومتعلق بلون بشرته، قبل أن يبدؤوا في ملامسة جسده في صفاقة، كل هذا والرجل صامت في عجز، مدرك أنه يعيش في بلد لا يحمي القانون أبناءه فما بالك بالغرباء خاصة إن كانوا من أصحاب البشرة السوداء».

 

وتضيف صفاء صالح، الصحافية بجريدة المصري اليوم، عن ذكريات حادثة مصطفى محمود قائلة: «نظرة كتير من الناس في مجتمعنا لأي شخص مختلف بتكون فيها تعالي، ربما يكون هذا الاختلاف في القدرة الجسدية متمثلًا في التعامل مع شخص ذي إعاقة أو في اللغة أو في اللون أو في الجنس، عادة الآخر بالنسبة لبعض الناس هو الأقل مكانة ولمست هذا وقت أزمة السودانيين في مصطفى محمود، أثناء استقلالي لمترو الأنفاق صعد مجموعة أفارقة، وبعد محطتين فقط نزلوا، أثناء تواجدهم كانت نظرات بعض الناس لهم غير لطيفة، وبمجرد نزولهم بدأ مجموعة ناس يرددوا (شوفتوا اللي عملوه في مصطفى محمود، نجسوا البلد، مش عارف هم مابيروحوش بلدهم ليه، هو احنا ناقصين؟».

 

وعن الوضع الحالي لمعاملة الأفارقة في مصر بعد مرور 12 عامًا على أحداث مصطفى محمود لا يرى عُبيه أن الوضع تغير كثيرًا، فيقول: «لا يبدو أن الأمر تغير بعد كل هذه السنين التي مرت، والثورات التي مرت هنا، ويبدو أن أكبر ملامح إخفاقها هي أنها لم تغير من طبيعة التفكير ودرجات التعايش وتقبل الآخر، ويبدو مدهشًا جدًّا أن هناك قطاعًا كبيرًا من المصريين ما زال حتى يومنا هذا برغم هذا الانفتاح الكبير على العالم ينظر إلى أصحاب البشرة السوداء نظرة عنصرية محضة، تكاد أن تنزع حقوق الآدمية عنهم، ويبدو أن هذا انعكاس واضح وموروث لا يزول لفكر عنصري وطبقي يسيطر على طبيعة العلاقة بين مؤسسات الدولة والشعب، وبين الطبقات وبعضها البعض، إذ تحضر بشدة هذه النزعة العنصرية الفوقية بين أصحاب الفروق في المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية أيضًا، ليبدو أن تلك النظرة جين فاسد تتوارثه أجيال مصرية متتالية، كان أجدادهم بالأساس من أصحاب البشرة السوداء اللامعة».

 

أما تخوف صالح كان منشأه هو الألم العميق الذي شعرت به من خلال الحديث مع السودانيين من أصدقائها، والذي تعبر عنه قائلة: «مؤخرًا كلما تحدثت مع أحد الأصدقاء السودانيين يبدأ الحديث بمرارة ممزوجة بعنف عن نظرة المصريين في الشوارع للون بشرتهم عند مرورهم، أو السخرية التي يتلقونها من أشخاص ليس بينهم سابق معرفة كل ذلك أحدث حالة من الاحتقان في صدور بعض الأفارقة، التي اضطرتهم ظروفهم للعيش في مصر، في جلسة مع دكتور من جامعة الخرطوم الشهر الماضي تعامل بحدة عند الحديث عن زمن الوحدة بين مصر والسودان ووصف محمد علي بالغازي لبلادهم، أعتقد أن التعامل باستهانة في ملف نظرة المصريين للأفارقة ربما سيكون من شأنه التأثير في النظرة للجذور التاريخية التي جمعت مصر والسودان، وربما تحويل إيجابيات العلاقة في الماضي إلى سلبيات».

 

 

الأفارقة والتنصير

 

كان السؤال الذي برز لعزة مسعود من خلال قصتها الصحافية هو لماذا يرضى الأفارقة بهذه الحياة الصعبة والمعاملة القاسية؟ وكانت الإجابة الرسمية التي حصلت عليها من مسؤولين في سفارات الأفارقة وفي إدارة اللاجئين، هي أن أوضاع الأفارقة في مصر كوافدين بالأساس خطأ تمامًا، فهم لا يطلبون اللجوء، ووجودهم في مصر غير قانوني، وأن مصر بالنسبة لهم ترانزيت وليست مقصدهم الأساسي في المقر والاستقرار، وأن وجود كثير من الأفارقة في مصر هو نتيجة كثير من عمليات النصب التي تعرضوا لها من سماسرة الهجرة، حيث كان خط سير هجرتهم هدفه أن يستقروا في بعض الدول الأوروبية، وبعضهم يقصد إسرائيل، ونزولهم في مصر كان كترانزيت بشكل مؤقت إلى حين نقلهم إلى الدول التي يقصدونها، وهو ما لم يحدث، لذلك يرضخون لوضعهم الصعب مستسلمين ولا يشتكون.

 

بحسب عزة، لم يكن أحد يقدم لهؤلاء الأفارقة إعانات سوى الكنيسة الإنجيلية التي كانت تسعى إلى اعتبارهم من رعاياها بعد تنصيرهم، مما دفعها لسؤال كنائس إنجيلية، واحدة منهم في منطقة الزيتون والثانية في المعادي عن هذا، فجاء رد بعض القساوسة عليها بأن الكنيسة تقدم خدمات روحية فيما لا يخالف دورها مؤسسة دينية لهؤلاء باعتبار أنهم مسيحيون من الطائفة، وفي الوقت نفسه كان عامة الناس في الشارع يرون أنهم بلا ديانة، وتقوم الكنيسة بتنصيرهم، مما يجعل المتعصبين منهم ومحدودي التعليم يزدادون حنقًا عليهم، ويزيدون في المعاملة السيئة لهم.

 

من خلال عملها الصحافي فيما يتعلق بالأفارقة في مصر ترى مسعود أن هناك أفارقة أقاموا في مصر، وكونوا أسرًا على مر السنين، وهناك من حدث بينهم وبين المصريين نسب -وهؤلاء بحسب عزة عددهم قليل جدًّا- ودخلوا في النسيج المصري، تقول عزة: «أعتقد أن هؤلاء يجب معاملتهم كمواطنين لهم حقوق المواطنة، أما النازحون ضمن خطط سير الهجرة غير الشرعية التي ألقت بهم في مصر كجزء من عملية نصب دون رغبة منهم، فهؤلاء يجب التعامل معهم وفقًا للقانون، مع مراعاة نقطة التعاطف في كونهم بشرًا نظرًا لظروف سياسية أو اجتماعية اختاروا الرحيل عن بلادهم، والتعامل معهم في قصة خبرية يكون شاقًا إنسانيًّا جدًّا لأنك تتعامل مع إنسان يعيش كلاجئ بلا وطن ولا مقر، وخاصة إذا كان بينهم أطفال لا يملكون سلطة الحق في تحديد المصير».

 

الأفارقه هدف متاح لعصابات المتاجرة بالأعضاء

 

في شهر يوليو (تموز) عام 2015، أطلقت الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول حالة الاتجار بالبشر لعام 2015، والذي قيمت فيها جهود 188 دولة حول العالم في محاربة هذه التجارة، وقد جاءت مصر وفقًا لهذا التقرير ضمن فئة (الأسوأ) بين دول العالم لعام 2015.

 

وكانت الخارجية الأمريكية في تقريرها قد أكدت انتشار جرائم الاتجار بالبشر في مصر، والتي تمثلت في انتشار تجارة الأعضاء للمتسللين الأفارقة المهربين بصورة غير شرعية من إفريقيا إلى إسرائيل أو أوروبا عبر الأراضي المصرية، وكذلك استغلال الأوضاع المعيشية الصعبة للاجئات السوريات في مصر، والزواج بهن من خلال سماسرة متخصصين، وبمهور بخسة فيما يشبه الصفقات التجارية.

 

ووفقًا لتقرير نقلتهbbc عن صحيفة التايمز لمراسلة الصحيفة بل ترو في القاهرة تحت عنوان «تجار الأعضاء البشرية في مصر يغرون المهاجرين الأفارقة بالجنس والمال»، فإن «سماسرة» يعرضون مبالغ كبيرة من المال مقابل شراء كلى المهاجرين الأفارقة، في الوقت الذي تتظاهر فيه المستشفيات بعدم معرفتها بتلك الصفقات، ويشير التقرير إلى أن الطلب المتزايد على شراء الكلى، والتي يصل سعرها في بعض الأحيان إلى نحو 100 ألف جنيه إسترليني، دفع التجار إلى اللجوء إلى فتيات ليل لإضفاء مزيد من الإغراء على صفقات بيع الأعضاء، ونقلت الصحيفة عن أحد سماسرة بيع الأعضاء، والتي تقول إنه يعمل قوادًا أيضًا قوله: «الوصول إلى اتفاق لا يكون سهلًا. نجلب لهم النساء حتى يشعروا بأنهم في حالة جيدة».

 

يذكر أن تجارة الأعضاء مجرمة في مصر بموجب قانون مشدد صدر عام 2010، بالرغم من أن مصر تعد أحد المقاصد السياحية الشهيرة لزرع الأعضاء، وفقًا لدراسة أجريت في المركز الطبي التابع لجامعة إيراسموس روتردام الهولندية.

 

 

ونقلت الصحيفة عن شين كولمب الباحث في جامعة ليفربول البريطانية، وأحد المشاركين في إعداد التقرير أن المهاجرين الأفارقة على رأس المستهدفين، إذ إنهم لا يبلغون عن الانتهاكات التي تحدث في حقهم، بالنظر إلى ارتفاع معدلات الأمية فيما بينهم إضافة إلى وجودهم في البلاد بصورة غير شرعية حتى يتمكنوا من خوض رحلة الموت إلى أوروبا عبر البحر، وتقول الصحيفة إن موقع مصر في منطقة وسط في أكثر من مسار يتخذه المهاجرون الأفارقة نحو أوروبا يجعلها المكان المثالي لتلك التجارة.

 

الموت وعصابات الهجرة غير الشرعية لا يُفرقون بين فقراء المصريين وفقراء الأفارقة

 

في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2016، غرق قارب يحمل مئات اللاجئين والمهاجرين من المصريين والأفارقة، قبالة سواحل مدينة رشيد. تضاربت الروايات حول عدد من كانوا على متن القارب، إذ قدرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عددهم بـ450، فيما قالت الوكالة الرسمية إن العدد قارب على 600 كانوا على القارب، كان الحادث هو أحد أسوأ حوادث غرق اللاجئين والمهاجرين الذين يسعون للوصول إلى أوروبا، وقد تمكنت فرق الإنقاذ التابعة لخفر السواحل، وقوارب الصيد من انتشال 115 جثة معظمهم لنساء وأطفال، فيما تم إنقاذ نحو 150 آخرين فقط في الأيام الثلاث التي تلت وقوع الحادث.

 

 

كان محمد المهدي -الصحافي بموقع مصراوي- يقوم بعمله الصحافي في تغطية الحادث، ليروي مواقف إنسانية للاجئين الأفارقة لم يستطع ذهن المهدي تخطيها.

 

يقول محمد من خلال الشهادات التي جمعها من الناجين من الحادث «كان متواجد حوالي 150 شخصًا على المركب لمدة يومين. بعضهم داخل ثلاجات جوه المركب، وكانوا منتظرين 50 شخصًا، لكنهم اتفاجئوا إن قوارب صغيرة وصلت بليل الساعة 2، محملين بنحو 250 واحد كمان، والمركب مش هيستحمل العدد دا، زي ما قال أحد الناجين، شباب كتير من الناجين، ذكروا إنهم قاموا بتبليغ النجدة بأن المركب هتغرق بيهم. مرة واحد رد بسخرية (وإنت إيه اللي وداك هناك يا حمادة)، ومرة قالولهم هنحدد موقعكم ونيجي ننقذكم. ومن الساعة 4 فجرًا لحد الساعة 11 مفيش ولا مركب إنقاذ راحتلهم، أحد الناجين، حكى إن من أصعب المشاهد اللي شافها، راجل حاضن مراته وبناته الاتنين والمركب بتغرق، وبيحاول يكلم النجدة عشان ينقذوهم».

 

أما عن طاقم المركب -بحسب محمد- فقبل غرق المركب بلحظات، أغلقوا كل الأنوار، وقفزوا إلى المياه وهربوا، وفي لحظة غرق المركب قفز الجميع إلى المياه في محاولة للسباحة والنجاة، لكن الناس الذين كانوا في الثلاجات لم يظهروا، ويفترض أحد الشباب الناجين إن هؤلاء في عداد الموتى بدون أي مقاومة للموت.

 

الأحاديث التي جمعها المهدي من رشيد تقول إن المبالغ التي يدفعها المصريون تتراوح ما بين الـ20 ألفًا إلى 30 ألف جنيه، وبعضهم يدفع جزءًا من المبلغ ويكتب وصولات أمانة لتقوم عائلته بسداد الباقي بعدما يصل إلى إيطاليا ويبدأ في العمل، أما الأفارقة فيدفعون من 2000 إلى 2500 دولار في (السفرية)، وفق أحد السودانيين الناجين.

 

يروي المهدي عن أشجن الحالات الإنسانية من الناجين قائلًا: «السيدة السودانية (س) اللي شددت على عدم ذِكر اسمها، حكيت إن الناس من الرعب والخوف من الموت حاولوا يقلعوها (اللايف جاكت) بتاعها، عشان يلبسوه هما، وإنها قاومت بكل قوتها عشان لو فقدته هتموت، بتحكي السيدة السودانية، إنها احتمت بشاب من السودان كان بيسند على قطعة خشبة في المياه قائلة: (كان لازم راجل يبقى معايا يحميني)، وإنهم بعد ساعات طويلة من العوم -حوالي خمس ساعات أو أكتر- الشاب حس باليأس، وقرر إنه يسيب الخَشبة ويسيب نفسه للموت. لكنها حاولت تقنعه بكل الطرق يكمل، فضلت تقرأ قرآن وتقوله أحاديث وتكلمه إن وقت الموت لسه مجاش. سمع كلامها. وبعد دقائق شافوا سفينة الإنقاذ، الولد السوداني (م)، قالي الرواية نفسها، وحكالي إنه كان مقرر ينهي عذابه لأنه كان تعبان جدًّا، ومش حاسس إن فيه نجاة، لأنهم عاموا لساعات طويلة وسط البحر ومش لاقي شط أو مركب. وأنهى كلامه (لولا الست دي كان زماني ميت في البحر)».

قمة العشرين: تحديات المناخ وأزمات الشرق الأوسط وأوكرانيا تحت المجهر


فيروز.. أيقونة الفن العربي تتربع على عرش القلوب مع كل ذكرى ميلاد


إيران وحماس تحت المجهر: دعوى قضائية جديدة في واشنطن (ترجمة)


موسم الرياض: نجاحات استثنائية وأضواء عالمية وسط موجة من الادعاءات المفبركة