وجه الحوثيون رسالة دموية مروعة إلى الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالملف اليمني عبر إصدار أحكام بالإعدام على العشرات من اليمنيين، وذلك بهدف إظهار أن الجماعة المرتبطة بإيران في موقف قوة، وذلك بالتزامن مع دعوتها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن إلى إعلان انسحابه.
وأصدرت محكمة يمنية في صنعاء خاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين الثلاثاء، حكما بإعدام 30 شخصا بتهمة التجسس لصالح دول التحالف العربي، وبين المحكومين بالإعدام أساتذة جامعات وطلاب جامعيون ونقابيون وخطباء مساجد وناشطون، وهو ما يعني أنها محاكمة سياسية لقوى يمنية معارضة للسيطرة الحوثية.
واعتبر توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام للحقوق والحريات (غير حكومية مقرها جنيف) أن الأحكام “منعدمة قانونيا لأنها صدرت من محكمة ليست لها أي ولاية قانونية، حيث سبق أن صدر قرار ببطلان هذه المحكمة من قبل مجلس القضاء الأعلى في الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا”.
وذكر أن “منظمة سام رصدت سابقا انتهاكات جسيمة أثناء فترة محاكمة هؤلاء”، مشيرا إلى أن “المحاكمة خلت من المبادئ العامة للمحاكمة العادلة، ومورس فيها الإرهاب من قبل القضاة ضد المتهمين أو محاميهم”.
وتابع “أصدرنا بيانات سابقة حذّرنا فيها من أن جماعة الحوثي تستخدم القضاء لارتكاب مجازر قضائية لإرهاب الخصوم”، وأن ما جرى “مؤشر خطير جدا على استخدام القضاء لأهداف سياسية من قبل الحوثيين”.
وقالت أوساط سياسية يمنية إن المتمردين، الذين يتحكمون في القضاء، عملوا على إصدار هذه الأحكام القاسية بهدف استثمارها كدليل قوة وسط جدل بشأن قرار الإمارات إعادة الانتشار في اليمن، ومحاولة توظيفه حوثيا على أنه انسحاب يستدعي انسحابا سعوديا مماثلا، بالرغم من أن الصورة مغايرة تماما.
وأشارت الأوساط إلى أن الإعدامات الجماعية لا تعتبر دليل قوة، بل علامة ضعف وارتباك ستزيد من حدة الغضب الشعبي على المتمردين، في المناطق التي لا تزال تحت سيطرتهم، وخاصة في العاصمة صنعاء.
ومن شأن هذه الإعدامات، التي قد تنفذ في أي وقت، أن تخلق مناخا مساعدا على انتفاضة شعبية في صنعاء ومواقع نفوذ الحوثيين الأخرى، وتدفع اليمنيين إلى استعادة المبادرة وإعادة الصراع إلى طبيعته الأولى، أي معركة شعبية مدنية ضد انقلاب حوثي تم باعتماد القوة العسكرية، وهو العمق الذي تفسخ بسبب المناكفات والاصطفافات الشخصية والحزبية والمناطقية، وتحولت معركة التحرير وكأنها مهمة التحالف العربي لوحده بدل أن يكون طرفا مساعدا وموجها ينتهي دوره مع توفر شروط القوة الذاتية لدى الأطراف الوطنية المعارضة للحوثيين.
ويعتقد مراقبون سياسيون أن مرحلة التدخل العسكري المباشر في الحرب من دول التحالف العربي، ستنتهي عاجلا أم آجلا، وأن إعادة الانتشار التي أعلنت عنها الإمارات هدفها تفويض جزء من مهام قواتها للقوات اليمنية المدربة حديثا، وأن الأمر سيتم تدريجيا إلى أن يتم تسليم المهام بشكل كامل، وينتظر أن تسلك السعودية نفس الأسلوب كخيار منطقي وبعيدا عن مزايدات الحوثي.
واعتبر المراقبون أن القوى اليمنية المناوئة للتمرد الحوثي مدعوة إلى إعادة تقييم أدائها ورؤيتها تجاه الصراع وأن تقطع مع الانتهازية، وسياسة تقطيع أوصال اليمن بالسيطرة على المناطق وتحويلها إلى إمارات صغيرة فيما الجماعة الحوثية توظف الدعم الإيراني المالي والعسكري لتتحول إلى قوة مهددة للجميع بما في ذلك الأطراف التي تتواطأ معها في السر والعلن.
وقال المتحدث باسم الحوثيين، يحيى سريع، الثلاثاء، إنهم يمتلكون مخزونا من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة “يكفي للصمود لسنوات”.
وأضاف سريع في مؤتمر صحافي “نمتلك مخزونا استراتيجيا من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة بمختلف أنواعها”، بحسب قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين.
وحث المراقبون القوى اليمنية المناوئة للانقلاب على ألا تكتفي بانتظار الأداء العسكري للتحالف العربي، وأن تخلق المبادرة مثلما يفعل الحوثيون أنفسهم الذين يحصلون من إيران على الدعم، لكنها لا تقاتل معهم على الجبهات، وهو ما أراد التحالف العربي أن يصل إليه في علاقته بالقوى الوطنية.
ونجحت الإمارات في أن تدرب قرابة تسعين ألف يمني، بينهم قوات خاصة في أغلب المحافظات المحررة، ما يوفر جهوزية كاملة لخوض الحرب ليس فقط على المتمردين الحوثيين، بل وعلى التنظيمات المتشددة مثل القاعدة وداعش.
وقال الباحث السياسي اليمني سياف الغرباني إن ثمة مسألة تستحق الكثير من التدقيق، تتعلق بدور دولة الإمارات، في إطار مهمة التحالف العربي، وهي الجزئية المتعلقة بدعم تشكيل قوات عسكرية يمنية منضبطة، أدت دورا حاسما على صعيد المواجهات مع ميليشيا الحوثي في الميدان.
وأشار الغرباني في تصريح لـ”العرب” إلى أن الدعم الإماراتي بمستوياته المختلفة، شكل الرافعة الصلبة، لبروز قوات المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح، وقبلها ألوية العمالقة والمقاومة الجنوبية، إلى جانب المقاومة التهامية.
وكانت هذه التشكيلات مجتمعة مفتاح السر لقلب موازين القوة العسكرية بعد أن خاضت القوات المحلية المدعومة إماراتيا معارك تحرير عدن، ومناطق الجنوب، مرورا بمناطق الساحل الغربي لليمن، وصولا إلى مدينة الحديدة وهي معارك أحدثت ضغطا كبيرا على ميليشيا الحوثي، واستعادت مساحات استراتيجية من خارطة سيطرتها، وخفضت منسوب التهديدات للملاحة الدولية في البحر الأحمر.
واعتبر عبدالعزيز المفلحي، مستشار الرئيس اليمني، أن “دور الإمارات العربية المتحدة دور ريادي وقيادي، حيث تحملت المسؤولية في وقت كان هناك فراغ كبير بعد تحرير عدن والمحافظات الأخرى، في ظل غياب السلطة آنذاك”.
وأضاف “لولا تحرك الإمارات في تلك اللحظة الحاسمة لكانت عدن تحت سيطرة القاعدة وداعش”.
واعتبر المفلحي أن الحملات الإعلامية المغرضة التي تتعرض لها الإمارات تحمل في طياتها نفسا عدائيا ليس ضد الإمارات فحسب بل ضد التحالف بقياده السعودية أيضا.