الأدب والفن
ليس في مكة فقط...
كعبات كان يحج إليها العرب قبل الإسلام
الكعبة المشرفة
في الخامس والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، كان العرب قبل الإسلام يفدون من كل صوب وحدب إلى "بيت الرب"، فيطوفون حوله، وينحرون أضحيات ويتقربون من الله بالنذور والهدايا ثم يعودون إلى ديارهم.
و"بيت الرب" كان معبداً لـ"ذي الشرى"، إله الشمس والإله الرئيسي عند الأنباط، ولعل اسمه مشتق من الشراة وهي منطقة جبلية حول البتراء. وكان الأنباط يحتفلون بعيده سنوياً، ويصفونه بـ"رب البيت الذي يفرق الليل عن النهار"، حسبما ذكر الدكتور جواد علي في كتابه "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام".
داخل هذا المعبد، نُصب تمثال "ذي لشرى" على قاعدة مكسوة بالذهب، وحوله صور تمثل مشاهد تقديم القرابين إليه، وهو في موضع مرتفع على صخرة عالية.
وبحسب علي، لم تكن هذه "الكعبة" خاصة بالأنباط فحسب، وإنما كانت محجة لغيرهم من العرب الذين كانوا يفدون إليها من مواضع بعيدة للتقرب إلى هذا الإله.
نفوذ اقتصادي
"بيت الرب" لم يكن محجة العرب الوحيدة بجانب كعبة مكة، إذ وجدت كعبات وبيوت كانت بمثابة محجات أخرى، ما يرجعه مدير مركز الدراسات القبطية في مكتبة الإسكندرية الدكتور لؤي محمود سعيد بالأساس إلى أسباب اقتصادية.
يشرح أن وجود كعبة مكة لم يحقق لمَن حولها من القبائل، خاصة قريش، نفوذاً دينياً فحسب، وإنما ساهم أيضاً في منحها وضعاً اقتصادياً مميزاً.
ويضيف أنه أقيمت مراكز تجارية حول الكعبة، تستضيف الحجاج ويباع فيها الطعام والشراب والتماثيل، فضلاً عن نحر للحيوانات وبذل الحجاج للنذور والعطايا، ما أحدث حالة من الازدهار الاقتصادي أثارت غيرة القبائل الأخرى فاتجهت إلى بناء "كعبات" خاصة بآلهتها، لاستنساخ نموذج نفوذ مكة الديني والسياسي والاقتصادي.
وساعد أيضاً على انتشار "الكعبات" عدم وجود نسق فكري للمعتقدات الدينية يلتزم به كل العرب وقتها، كأن يلتزموا مثلاً بالحج إلى كعبة واحدة، ما أتاح لسادة القبائل وزعمائها إنشاء معابد لإضفاء أهمية دينية على مناطقهم، وكان متاحاً لأي شخص أن يحج لأيّة "كعبة" متى تواجد في أرضها، أو كانت قريبة منه، بحسب سعيد.