تحليلات
اضطرابات وصدامات في الشارع..
تقرير: أسبوع الغضب.. كيف ضغط على السياسيين في عاصمة لبنان؟
مخاوف من انزلاق لبنان نحو الفوضى
زاد الوضع اللبناني تأزما، الثلاثاء، بعد نزول المواطنين إلى الشارع وإغلاق الطرقات في معظم المناطق بما في ذلك وسط بيروت الذي شهد نصب المزيد من الخيام التي تعني رغبة أكيدة في تحويل العاصمة اللبنانية إلى مدينة مشلولة.
وتخوّف سياسيون لبنانيون من أن يكون لبنان مقبلا، في ظلّ حال الانسداد السياسي، على فوضى كبيرة واضطرابات وصدامات في الشارع، بعد قرار اتخذه حزب الله بالمشاركة في التصعيد الشعبي بغية تنفيس أزمته الداخلية التي يعبر عنها جمهوره بسبب الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يعاني منه البلد.
ولوحظ أن مطالب الثوّار الذين نزلوا مجددا إلى الشارع وصلت إلى حد المطالبة بتشكيل حكومة مستقلين في غضون 48 ساعة، فيما بدأت مجموعات عدّة تدعو إلى استقالة رئيس الجمهورية ميشال عون.
وكان لافتا عودة رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري إلى بيروت، الثلاثاء، واستعجاله المطالبة بتشكيل حكومة جديدة مؤكدا أنّه قام بكل ما يستطيعه في ظل وجوده على رأس حكومة تصريف للأعمال ذات صلاحيات محدودة جدا.
وسارع جبران باسيل، رئيس التيّار الوطني الحر، إلى الرد على الحريري بدعوته إلى تنشيط حكومته المستقيلة مشددا على أنّه غير مسؤول عن تعطيل تشكيل حكومة برئاسة حسّان دياب.
وأكد باسيل، خلافا لما أكدته أوساط رئيس الوزراء المكلّف حسّان دياب، أنّه لم يطالب بعدد معيّن من الوزراء في الحكومة الجديدة.
وإضافة إلى المخاوف من اضطرابات في الشارع تشمل لبنان كلّه، كانت لافتة إشارة السياسيين اللبنانيين في تصريحات علنية إلى أن الشخص الذي يحرّك رئيس الوزراء المكلّف هو اللواء جميل السيّد المدير العام السابق للأمن العام والنائب حاليا.
وتربط السيّد، الذي لديه علاقة متوترة مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، علاقة وثيقة بحزب الله من جهة، والنظام السوري من جهة أخرى.
وأكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “بذل جهود كبيرة لمعادلات اقتصادية لكنها لم تأت بالنتائج المأمولة لأن العراقيل كانت كثيرة، وهذا ما أدى إلى نزول الناس إلى الشارع بمطالب محقة”، مشيرا إلى أنّ “التظاهرات شكلت، لاسيما في بداياتها، فرصة حقيقية لتحقيق الإصلاح المنشود وباتت المحاسبة ممكنة”.
واعتبر عون، الثلاثاء، في كلمة ألقاها خلال استقباله أعضاء السلك الدبلوماسي في لبنان، أنّ “محاولات بعض القوى السياسية استغلال التحركات أدت إلى تشتت بعضها وأفقدتها الوحدة التي انطلقت منها للمطالبة بإحداث التغيير”، مضيفا “ما زلت أعوّل على اللبنانيين الطيبين في الشوارع والمنازل على محاربة الفساد”.
وأقر بأن “بعض العراقيل حالت دون” ولادة الحكومة التي يجب أن يكون لديها “برنامج محدد وسريع للتعامل مع الأزمة الاقتصادية والمالية الضاغطة، ومجابهة التحديات الكبيرة التي تواجه لبنان وكل المنطقة”.
ووصف متابعون للشأن اللبناني مهمة رئيس الحكومة المكلف حسان دياب بأنها باتت مستحيلة وأن الفرقاء السياسيين يعملون على صياغة مخرج لإنهاء خدمات دياب وفق الأصول التي يتيحها الدستور.
وشكل موقف رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل بعدم المشاركة في حكومة دياب العتيدة، إضافة جديدة تنضم في ذلك إلى موقف زعيم حركة أمل رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أعلن قبل أيام أن تياره لن يشارك في هذه الحكومة وسيمنحها الثقة إذا تم تشكيلها.
ولا يمكن عمليا لدياب أن يستمر في مهمته طالما سحبت القوى السياسية التي أتت به رعايتها له، كما أن رئيس الجمهورية ميشال عون لم يعد يخفي استياءه من أداء دياب، حتى أن استقباله للنائب فؤاد المخزومي اعتبر إشارة لدياب كما لبقية أطراف الطبقة السياسية إلى أن البديل بات جاهزا.
وقال باسيل في مؤتمر صحافي مساء الثلاثاء إن المطالبة بتصريف الأعمال لا تعني تعويما للحكومة المستقيلة ولا تؤخر تشكيل الحكومة الجديدة، وأن المطلوب هو “حكومة تحصل على ثقة الناس”.
ولا يسمح الدستور اللبناني بسحب التكليف من الرئيس المكلف وهو ما يطرح أسئلة حول الكيفية التي يمكن من خلالها “التخلص” من شخصية لا تحظى بأي غطاء سياسي وطائفي وشعبي في هذا الموقع.
وتقوم القوى السياسية، لاسيما باسيل وعون، بالضغط مباشرة على دياب، فيما يعتبر موقف بري المطالب بحكومة تكنوسياسية نوعا من الضغوط غير المباشرة على دياب الذي ما زال مصرا على تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين عن التيارات السياسية.
ومقابل تمسك دياب بموقعه ومهمته ترى مصادر لبنانية أنه إذا لم يتم الاتفاق على صيغة ما لإنتاج حكومة برئاسة دياب، فالأفضل هو أن يوقع رئيس الجمهورية على تشكيلة الحكومة التي يرتئيها الرئيس المكلف على أن يصار إلى عدم منحها الثقة في مجلس النواب.
لكن في هذه الحالة فإن حكومة دياب قد تتحول إلى حكومة تصريف أعمال بديلة عن حكومة سعد الحريري الحالية المستقيلة، وأنه في حال عجز الطبقة السياسية عن إنتاج حكومة أصيلة يرأسها رئيس حكومة أصيل، فإن حكومة دياب لتصريف الأعمال قد تستمر لوقت طويل.
وذكرت أوساط سياسية لبنانية أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وبري يسعيان إلى إعادة تعويم الحريري من جديد لتأليف الحكومة من خلال دفعه إلى تفعيل تصريف الأعمال إلى حكومته المستقيلة، وأن هذا تحرك وليد قناعة بأن دياب لن يستطيع تشكيل الحكومة وأن الأزمة الحكومية مستمرة وأن “تصريف الأعمال بنفس أهمية تشكيل الحكومة”، كما جاء على لسان جنبلاط.
غير أن مسألة تعويم الحريري تصطدم بعقبتين. الأولى محلية تكمن في رفض عون وباسيل عودة الحريري إلى موقعه وأن ما يسر به عون وما يصرح به باسيل يعبر عن قطيعة بين الفريقين. أما الثانية فخارجية وتتعلق بمعلومات حول تحفظ الرياض وواشنطن على عودة الحريري، وأن موقف حزب القوات اللبنانية في مسألة عدم تسميته في الاستشارات النيابية قد يكون متأثرا بأجواء سلبية أميركية سعودية من الحريري.
وعاد المتظاهرون مجددا إلى الشوارع، الثلاثاء، في عدد من المناطق اللبنانية احتجاجا على تعثر تشكيل حكومة وازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية، بعد ثلاثة أشهر من انطلاق تظاهرات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية.
وتداول ناشطون ومجموعات بارزة في التظاهرات دعوات إلى التحرك في “أسبوع الغضب”، وإلى تنظيم مسيرات سيّارة وقطع الطرق ومشاركة المدارس والجامعات، والتظاهر أمام منزل رئيس الحكومة المكلف حسان دياب الذي تعهّد منذ تكليفه قبل نحو شهر بتشكيل حكومة اختصاصيين.
وعمد المتظاهرون، الثلاثاء، إلى قطع طرق رئيسية في محيط بيروت وعدد من المناطق بالإطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات، ما تسبب في زحمة سير خانقة. وتجمّع العشرات من الشبان أمام البنك المركزي في بيروت وفروعه في المناطق وسط استنفار أمني، مرددين هتافات مناوئة للمصارف والقيود المشددة التي تفرضها على سحب الأموال.