تقارير وتحليلات

تنظيم مسيرات معارضة للسلطة الانتقالية تحت مسمى “الزحف الأخضر”..

تقرير: قطر تحرك أذرعها لتقويض السلطة الانتقالية في السودان

محاولة لإحياء الماضي

الخرطوم

لم تفلح الهزائم التي تلقتها الحركة الإسلامية السودانية، في ثني قطر عن مدها بالمساعدات، حيث لم تتوقف محاولاتها لإعادة تدويرها بما يتماشى مع طبيعة المشهد السياسي، وتتبنى طرقا التفافية مختلفة لتمرير شخصيات سياسية محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير، كي تنخرط في المقاطع الجديدة، مستفيدة من قدرتها على التلون والتسلل.

تشكل الأذرع السياسية التابعة لنظام البشير، إحدى الأدوات الرئيسية للتدخل القطري في شؤون السودان، بعد أن أقدمت على تنظيم مسيرات معارضة للسلطة الانتقالية تحت مسمى “الزحف الأخضر”، في وقت يسعى فيه العديد من الرموز للانخراط في المعترك الراهن.

تنبهت جهات حكومية قبل أيام للخطورة الشديدة التي تمثلها تحركات بعض الشخصيات والقوى الإسلامية في الوقت الذي تتزايد فيه التحديات الداخلية والخارجية، وأصدرت، الثلاثاء، اللجنة المكلفة بالتحقيق في بلاغ الانقلاب العسكري على السلطة قبل ثلاثة عقود أوامر بالقبض على مجموعة جديدة ممن شاركوا في انقلاب البشير.

شملت إجراءات القبض عددا من السياسيين المعروفين بميولهم الإسلامية وقربهم من قطر، على رأسهم غازي صلاح الدين العتباني، رئيس حزب الإصلاح الآن، وزعيم ما يسمى بـ”الجبهة الوطنية”، ومعه كل من، علي كرتي، إبراهيم غندور، صديق فضل، الصافي نورالدين، عمر سليمان، عبدالمنعم محمد الزين، الهادي عبدالله، مهدي إبراهيم، تاج سر مصطفى، ومصطفى عثمان إسماعيل.

جاءت هذه الخطوة بعد انتشار معلومات حول قيام عدد من القيادات بإعادة إنتاج بعض الأحزاب، وتشكيل تنظيمات بمسميات قابلة للتأقلم مع الحياة السياسية الجديدة، وتستطيع استيعاب القوى المحسوبة على الحركة الإسلامية بسهولة.

بدأت الدوحة تعمل على تنفيذ هذه الفكرة منذ إسقاط نظام البشير، وفقدان حزب المؤتمر الوطني الحاكم، والأحزاب القريبة منه الكثير من مقومات الاستمرار، وتصاعد حدة العداء الشعبي، على أمل الصبر قليلا لتتمكن من العودة إلى السلطة من الباب الديمقراطي، عندما يتم الوفاء بالاستحقاقات الانتخابية المنتظرة.

جماعة قطر

لم تتحمل قوى الحرية والتغيير التي قادت الحراك الثوري وهي تمثل ظهيرا شعبيا للحكومة الحالية، الصمت كثيرا على الحيل والألاعيب التي يمارسها ما يسمى بـ “لوبي قطر” أو “جماعة قطر في السودان”، وعقدت اجتماعا، الثلاثاء، مع حمدوك بحضور عدد من الوزراء لمناقشة كيفية التعامل مع تنامي حضور الكيانات المحسوبة على نظام البشير.

انتهى اللقاء بالاتفاق على التواصل مع الحركات المسلحة من أجل تكليف ولاة مدنيين، بشكل سريع للتعامل مع المؤامرات التي تحاك في الأطراف، ومنع القوى الإسلامية من التمادي في استغلال الأوضاع المهتزة في الأقاليم.

أصبحت مناطق الأطراف أو الهامش، بابا تتسلل منه عناصر الحركة الإسلامية، وتجد فيه الدوحة سيولة تساعد على زيادة الارتباك في جسم السلطة الانتقالية، كي لا تلتفت إلى عمليات الترتيب التي تقوم بها الحركة الإسلامية، وفي القلب منها جماعة الإخوان، بالتنسيق مع قطر التي تخشى أن تخسر السودان، أو تصبح عنصرا غير مؤثر في تفاعلاته السياسية مستقبلا.

قالت قيادات تابعة لتحالف الحرية والتغيير، حضرت لقاء الثلاثاء مع حمدوك، لـ”العرب”، إن الاجتماع ناقش باستفاضة دوافع رئيس الحكومة تجاه تليين موقفه من شخصيات إسلامية، وقيامه بعقد لقاء مع ممثلين لحزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه الراحل حسن الترابي، وكذلك بلقائه مع غازي صلاح الدين الأسبوع الماضي، بعيدا عن التنسيق مع التحالف، وجاء الرد بأن تلك الحوارات لا قيمة لها ولن تغير الموقف الرافض لقوى الثورة المضادة.

يتصور حمدوك أن الحوار مع قوى إسلامية متلونة سيكون كفيلا بوقف ممارساتها الرامية للعودة إلى الحكم، أو التسليم بالأمر الواقع الجديد، كما يعتقد أنه سيكف العبث التي تقوم به جهات خارجية تسعى لتوظيفهم سياسيا حتى لا يتلاشى وجودها في السودان. والأهم أنه يغازل بهذه الوسيلة دوائر إقليمية ودولية لا تزال ترعى مسألة انخراط الإسلاميين في العمل السياسي، وهو ما يمكنه من الحصول على مساعدات.

وأوضحت المصادر ذاتها، أن قيادات الحرية والتغيير توصلت إلى اتفاق مع رئيس الحكومة يقضي بفتح مسارات جديدة للتواصل مع القوى الوطنية التي لم تتلوث بالفساد، والاتفاق على تسريع إدماج مؤسسات الحكم المدني في السلطة عبر تعيين المجلس التشريعي، والحصول على موافقة البرلمان أولا في أي خطوة ترتبط بالتعامل مع فلول النظام البائد في إشارة ترمي إلى تضييق مساحة المناورة على الحركة الإسلامية التي تريد توظيف السيولة التي تخيم على أداء الحكومة، وموقفها الذي يبدو متذبذبا بين التقويض والحوار.

خلص اجتماع الثلاثاء إلى موقف واضح تجاه قوى الإسلام السياسي التي كانت شريكة في الحكم السابق، يفرض التعامل معها وفقا للوثيقة الدستورية التي تحظر انخراطها في إدارة المرحلة الانتقالية والتأثير فيها، مع تشديد الإجراءات الأمنية حال خرقها للقانون.

ويرى مراقبون، أن تسريع وتيرة الإجراءات القضائية يقطع الحبل السري بين هذه الشخصيات والنظام القطري الذي يحاول تطويع تواجده في السودان لصالح تمويل بعض الكيانات السياسية والانطلاق من مشكلات الهامش لتقويض السلطة الانتقالية.

اختراق بأدوات محلية

أكد الباحث في الشؤون الأفريقية، حمدي عبدالرحمن، لـ”العرب”، أن قطر لجأت إلى طرق غير مباشرة لإعادة إنتاج نظام الإخوان مرة أخرى، عبَر توظيف أدواتها المحلية لتعطيل السلطة الانتقالية وإفشالها بشكل يدفع إلى انقلاب عسكري واستعادة حكم الكيزان (الإخوان).

وأضاف عبدالرحمن أن محاولات الدوحة الأخيرة ظهرت من خلال التعاون مع إسلاميين انشقوا عن البشير في أواخر سنوات حكمه، مثل غازي صلاح الدين، ما يدعم الربط بين تمرد جهاز المخابرات العامة وبين مسيرات “الزحف الأخضر” التي طالبت بعدم المساس بالشريعة الإسلامية ووقفت خلفها قيادات من حزب المؤتمر الوطني المنحل.

وألمح عدد من القيادات السياسية التي عملت بجوار البشير مبكرا، إلى الرغبة في تشكيل كيانات حزبية واجتماعية جديدة تتماشى مع التطورات التي أوجدها الحراك الثوري، تقود في النهاية إلى وضعها في بوتقة أو تحت مظلة واحدة تستوعب كل الأطياف الإسلامية. ووجهت أصابع الاتهام إلى الدوحة، حيث ترعى هذه الفكرة وتريد تسويقها على نطاق واسع.

وأوضح عبدالرحمن، أن قطر بالتوازي مع ذلك تستخدم دعاية موجهة عبر أدواتها الإعلامية لخلق شعور عدائي ضد معسكر الاعتدال العربي، المكون من مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وتأليب الرأي العام ضد الحكومة وتصويرها على أنها انحرفت عن مسار الثورة.

على جانب آخر، اتهمت مصادر سودانية، كوادر محسوبة على نظام البشير في مناطق الهامش حصلت من قبل على تمويلات قطرية من خلال مكتب سلام دارفور قبل إغلاقه من أجل إشعال الأوضاع مجددا، مرجحة أن تضم جهات التحقيق في المستقبل الشخصيات التي ترأست هذا المكتب أثناء حكم البشير، وجميعها على علاقة مثبتة بدولة قطر.

وأعلن المجلس العسكري، في أغسطس الماضي، قرارا بحل مكتب سلام دارفور وإعفاء رئيسه مجدي خلف الله من منصبه، على خلفية إعلان الدوحة دفع 800 مليون دولار إلى المكتب بزعم دعم جهود إعادة الإعمار في منطقة دارفور، وعدّ هذا القرار ضمن خطوات متباينة أصدرها المجلس ضد الجماعات والمؤسسات المنتمية إلى تنظيم الإخوان.

ومكتب سلام دارفور الذي تعاقبت على رئاسته عناصر إخوانية، هي: مجذوب الخليفة، وأمين حسن عمر، فضلا عن مجدي خلف الله، كان ذراعا قطرية داخل القصر الرئاسي السوداني، لتنفيذ أجندة الدوحة الخفية تحت ستار السلام، وأن هذه الشخصيات متورطة في خروج المواطنين للشارع في شرق دارفور الشهر الماضي.

واجتمعت قيادة المكتب مرارا مع مسؤولين قطريين في السودان خلال حكم البشير، والتقى السفير القطري السابق راشد بن عبدالرحمن النعيمي، مجدي خلف رئيس مكتب سلام دارفور في يونيو 2018، وهو اللقاء الذي تكرر مع تعيين السفير الحالي، عبدالرحمن الكبيسي في أكتوبر من العام ذاته، واجتمع أيضا أكثر من مرة مع قادة المكتب قبل صدور قرار بحله.

وما زالت قطر تحاول استعادة زمام المبادرة من خلال ملف السلام، باعتباره مدخلا مناسبا لمباشرة دورها في السودان، وهو ما أشار إليه المبعوث القطري مطلق القحطاني في اجتماعه مع نائب مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) نهاية الشهر الماضي، علاوة على عدم التخلي عن ملف المساعدات الإنسانية، والعمل على تجاوز حصاره.

وكشف المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، محمد ناجي الأصم مؤخرا، عن مخطط يجري الترتيب له في ولايات دارفور الثلاث لإحداث فوضى أمنية تعيق التوصل إلى اتفاق سلام، مع استمرار وجود قيادات محسوبة على الحركة الإسلامية على علاقة خفية بالنظام القطري.

وحذر الأصم، في مؤتمر صحافي عقده مؤخرا، من تورط والي وسط دارفور الأسبق الشرتاي جعفر عبدالحكم، وزعيم الميليشيات المسلحة المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، علي كوشيب، لخلق فوضى بولاية وسط دارفور، ما يهدد بانفجار الأوضاع الأمنية.

جاءت هذه التحذيرات في وقت انطلقت فيه السبت الماضي، مسيرات احتجاجية في غرب كردفان بمشاركة من كل محليات الولاية الـ14 إلى جانب مشاركة ولايات شمال كردفان وغرب وجنوب كردفان وشرق دارفور، طالبت برحيل الحكومة الانتقالية وتحسين الأوضاع الاقتصادية وتحقيق السلام، وهو الخطاب الذي يتماشى مع أهداف القوى الإسلامية المدعومة من الدوحة.

وبدأت المسيرات بعد أن حوّل المؤتمر الوطني المنحل نشاطه إلى الولايات، ونظم سلسلة من التحركات بدأت بولاية الجزيرة، وغرب كردفان، والخرطوم، وشهدت صدامات عنيفة بين منتسبي نظام البشير وقوى الحرية والتغيير، وتبنتها تيارات وأحزاب قريبة من قطر.

وتتزايد تخوفات السلطة الانتقالية في السودان من إمكانية إذكاء الصراعات القبلية والشعبية بين المواطنين في الولايات المختلفة، ارتباطا بخطط قطرية (وتركية) سابقة مهدت لاندلاع حروب أهلية في سوريا وليبيا، استغلالا للبيئة الأمنية الهشة.

السعودية تمول مشاريع تنموية في حجة.. مؤشر مصالحة مع أذرع إيران بصنعاء


هل تتحول الأجهزة الإلكترونية إلى قنابل؟ خلفية الانفجارات الغامضة في صفوف حزب الله


طهران تتدخل لاحتواء الأزمة: قاآني يلتقي قادة الفصائل الشيعية في العراق


حزب الله يتلقى ضربة موجعة: مقتل إبراهيم عقيل في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية