تقارير وتحليلات
بعد ان تجاوز العام الأسوء على مستوى العالم..
تقرير: كيف سيواجه الشعب اليمني تحديات عام 2021؟
شد العام 2020م الرحال الى حيث لا رجعة، وسلم رأية السنين الى خليفته العام 2021م ليواصل عداد الحياة وحسابات الإيام في هذه الدنيا، ووصف العام الفائت بانه أسوأ الأعوام التي شهدها اليمن من الناحية الإنسانية، حيث عانى هذا البلد العربي الفقير ثلاثي الدمار "الحرب والجوع وجائحة فيروس كورونا الجديد".
ويعاني اليمن مع دلوف العام الميلادي الحديد 2021م، وللعام السابع على التوالي، تداعيات حرب مستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية وعناصر مليشيا تابعون لحركة الحوثي المتمردة والمدعومة من إيران والتي تحكم قبضتها على معظم المحافظات بينها العاصمة "صنعاء" منذ سبتمبر "أيلول" من العام 2014م، في حين يتضاعف الوضع المعيشي تأزماً وسط تقلص المساعدات الدولية والإغاثية.
وشهد العام المنقضي فجوة كبيرة في تمويل العمليات الإنسانية التي تقوم بها منظمات الأمم المتحدة في اليمن، وأبرزها برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، وبالرغم من أن خطة الاستجابة الإنسانية لـ 2020م تطلبت 3.2 مليارات دولار، إلا أن الأمم المتحدة لم تتسلم سوى 1.65 مليار دولار، وفق بيان لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن "الأوتشاء" الصادر في منتصف ديسمبر "كانون الأول" الماضي.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في سبتمبر "أيلول" من العام الفارط، أن النقص في التمويل أدى إلى إغلاق 15 برنامجاً إنسانياً رئيسياً من أصل 45، أي ثلث البرامج الأساسية، وأكدت في بيان لها بان الوكالات الأممية أضطرت بين إبريل "نيسان" وأغسطس "آب" الماضيين، إلى تقليص توزيع المواد الغذائية والمساعدات الصحية في أكثر من 300 مرفق صحي في البلاد، في وقت تضاعفت فيه نسبة الجوع ومعدلات وسوء التغذية بشكل غير مسبوق خلال العام الماضي، وسط تحذيرات عالمية من عواقب إنسانية وخيمة حال أستمر الصراع دون تدخل إنساني متواصل.
وفي الضفة المقابلة، أوضحت منظمتا "يونيسف" والأغذية والزراعة "فاو" وبرنامج الأغذية العالمي، في بيان مشترك مطلع ديسمبر "كانون الأول" الماضي، بان درء المجاعة عن اليمن يتلاشى مع مرور كل يوم، مشيرة الى ان عدد الأشخاص الذين يعانون هذه الدرجة من إنعدام الأمن الغذائي الكارثي يمكن أن يتضاعف ثلاث مرات تقريباً من 16 ألف و500 شخص حالياً إلى 47 ألف شخص بين يناير "كانون الثاني" ويونيو "حزيران" من العام الجاري 2021م.
وأفاد البيان بان أعداد الأشخاص الذين يواجهون المرحلة الرابعة من إنعدام الأمن الغذائي "مرحلة الطوارئ" على وشك الزيادة من 3.6 ملايين إلى 5 ملايين شخص في النصف الأول من هذا العام 2021م، ما يضعهم على شفا السقوط في ظروف كارثية وربما مجاعة إذا لم يحدث تغيير في مسار العمل الإغاثي، منبهاً من ان أكثر من نصف السكان "16.2 مليون شخص" سيواجهون خطر الموت ومستويات أزمة إنعدام الأمن الغذائي "المرحلة 3" بحلول منتصف العام الحالي2021م، مع وجود العديد من الأشخاص على عتبة الإنزلاق إلى مستويات متفاقمة من الجوع.
وحذر أمين عام الأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريس" في نوفمبر "تشرين الثاني" الفائت، من خطر وشيك في اليمن سينتج عنه ملايين الوفيات بسبب المجاعة وسوء التغذية ما لم يتم إتخاذ تدابير وخطوات احترازية فورية، مرجعاً اسباب ذلك إلى تخفيض كبير في تمويل عملية الإغاثة من قبل الأمم المتحدة في العام 2020م مقارنة بعامي 2018م و2019م، ملمحاً إلى أسباب أخرى تتعلق بالإخفاق في الحفاظ على الدعم الخارجي للاقتصاد اليمني، لا سيما استقرار قيمة الريال اليمني والصراع المسلح والمستمر الذي يشهده البلد.
الى ذلك، ألقت تداعيات فيروس كورونا بثقلها على كاهل اليمنيين، حيث فقد الكثيرين أعمالهم مع بدء انتشار الوباء مطلع إبريل "نيسان المنصرم"، حيث أثر الوباء سلباً وبشكل كبير على التحويلات المالية للمغتربين اليمنيين في الخارج، وأزاء ذلك لفتت منظمة "أوكسفام" الإنسانية الدولية في يونيو "حزيران" الماضي الى ان التحويلات تراجعت 80% خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2020م مقارنة بالأعوام السابقة لعدة أسباب أبرزها فقدان عدد كبير من اليمنيين وظائفهم في دول الخليج.
ويعتمد الملايين من ابناء الشعب اليمني في معيشتهم على تحويلات المغتربين في الخارج خصوصاً المتواجدين في أراضي المملكة العربية السعودية، ويشكل المغتربون أحد أهم ركائز ووسائل جلب العملة الصعبة لليمن، وفي عام 2020م تراجع معدل صرف الريال اليمني إلى أدنى مستوى في تأريخه، حيث تجاوز سعر الدولار الـ900 ريال مطلع ديسمبر "كانون الأول" السالف، وفقد الريال أكثر من ربع قيمته ما أدى إلى أرتفاع كبير في الأسعار وتضخم للعملة المحلية وفق تقارير أممية.
ومع تشكيل حكومة المناصفة الجديدة في 18 ديسمبر "كانون الأول" من العام 2020م، سجل الريال تحسناً ملحوظاً، حيث بات الدولار يصرف بنحو 700 ريال، لكن أسعار السلع ما زالت ثابتة على الإرتفاع ولم تنخفض بسبب عدم ثقة التجار بالإستقرار الدائم والمتواصل للعملة المحلية، ويرجح العديد من المحللين بان يواجه اليمن في العام الجاري 2021م موسماً آخر لن يقل صعوبة عن سابقه، إذا لم تحدث انفراجة سياسية واقتصادية نحو وقف الحرب واستقرار الإقتصاد، وتبذل الأمم المتحدة منذ سنوات جهوداً متعثرة لإنهاء الحرب الدائرة في البلد عبر مفاوضات بين الأطراف المتصارعة، وتقول تقارير أممية ان اليمن يعاني "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، حيث بات 80% من السكان البالغ عددهم نحو 30 مليون يحتاحون إلى المعونات والمساعدات الإغاثية، بين هؤلاء 12 مليون طفل بحاجة ماسة إلى مساعدات طارئة وعاجلة، فيما وصلت معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال في بعض المناطق إلى مستويات قياسية مسجلة زيادة بنحو 10% في العام 2020م وفق تقرير لـ"يونيسف" صدر نهاية نوفمبر "تشرين الثاني" الماضي.
وتقدر أحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة نسبة السكان المهجرين او الذين اضطروا إلى النزوح من منازلهم في اليمن بنحو 16%، أي حوالى 5 ملايين شخص منذ عام 2015م، في حين يعيش قرابة 74% من الأسر النازحة في بيوت مؤجرة خارج المواقع المضيفة يعيش معظمهم في ظروف معيشية بالغة الصعوبة، فيما تعاني المدن الرئيسية من أزمة مساكن حادة نظراً لاكتظاظها بالسكان، خصوصاً أن بعضها استقبلت مئات الآلاف من النازحين من مناطق شهدت معارك شديدة خلال السنوات الماضية.
وتعتبر أزمة المساكن وإيجاراتها الباهظة في طليعة المشاكل التي تنهك الأسر اليمنية، وتعالت الأصوات مؤخراً لمطالبة السلطات الرسمية المعنية بضبط الفوضى الراهنة في السوق العقارية وحماية المستأجرين، وبحسب دراسات حديثة فإن كثيراً من الأسر لجأت إلى زيادة نسب اعتمادها على "الإستراتيجيات السلبية" للتأقلم مع تداعيات الأزمة الإقتصادية ولمواجهة نقص الموارد المالية، أهمها العمل على استهلاك الأغذية الأقل تفضيلاً بنسبة تزيد على 50%، يليها تقليص حجم الوجبة الغذائية، في حين تركزت توجهات كثير من الأسر، سيما في مناطق شمال اليمن إلى اتباع طرق واستراتيجية تقليص عدد الوجبات اليومية نظير الضائقة المالية والمعيشية والأوضاع والظروف الصعبة التي تعاني منها.