تقارير وتحليلات
حرص الانتقالي على منح فرصة معالجة الملفات الاقتصادية والخدمية..
تقرير: تضييق الخناق على حكومة المناصفة.. هل يمهد استقلال الجنوب؟
يضاعف المجلس الانتقالي الجنوبي من ضغوطاته لتحريك جمود حكومة المناصفة التي تشكلت قبل شهرين ونصف تقريباً، لكن من دون أن يكون لها أثر على الأرض، وعمد الانتقالي على تضييق الخناق على الأطراف المعرقلة للحكومة بما يدفع للتعامل مع جملة من الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يواجهها الجنوب في الوقت الحالي.
– أهمية تحركات الانتقالي
تكمن أهمية تحركات الانتقالي في أنها تحقق أكثر من هدف، فهي من ناحية تسلط الضوء بشكل مستمر على اتفاق الرياض، الذي تحاول الشرعية الإخوانية دفنه والتهرب من باقي استحقاقاته، وتعَول على ذلك من خلال إفشال حكومة المناصفة والتأكيد على عدم صلاحية الاتفاق للتطبيق على الأرض، وهو أمر أدركه الانتقالي الذي خاطب التحالف العربي لتسريع تنفيذ باقي بنوده.
يحقق الانتقالي جملة من الأهداف وراء تلك التحركات، إذ أنها تبرهن على أن هناك رقابة جنوبية على اتفاق الرياض، ما يعني أن أي محاولة من جانب الشرعية الإخوانية للتهرب من الاتفاق ستواجه بضغوطات سياسية ودبلوماسية وعسكرية أيضاً، كما أنه يبعث برسالة للشرعية مفادها أنه لن يقبل بأن تتحول الحكومة إلى قنبلة موقوتة في العاصمة عدن والتي تخلصت من المجاميع الإرهابية وبدأت تسير على طريق التنمية عبر خطوات المحافظ النشيط أحمد حامد لملس.
وأكد علي عبدالله الكثيري، المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، حرص قيادة المجلس على منح حكومة المناصفة فرصة لمعالجة الملفات الاقتصادية والخدمية ووقف تدهور العملة.
ورفض، خلال زيارته مقر الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس في حضرموت، أي تباطؤ أو تلكؤ في معالجة القضايا الحيوية للمواطنين، محذرًا من اضطرار قيادة المجلس إلى اتخاذ موقف حفاظًا على اتفاق الرياض.
كما دعت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، خلال اجتماعها الدوري، يوم السبت، حكومة المناصفة إلى ضرورة وضع الأوضاع الحالية في الاعتبار، في ظل صعوبة الوضع المعيشي وانهيار قيمة العملة وانعكاسات ذلك على مصادر الدخل.
وأكدت الهيئة في اجتماعها برئاسة الدكتور ناصر الخُبجي القائم بأعمال رئيس المجلس، على الحاجة الماسة لزيادة رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، وفق نِسب معقولة توازي حجم الهبوط في قيمة العملة، ووقفت على تطورات المشهدين الأمني والعسكري في العاصمة عدن، وفي الجبهات العسكرية المشتعلة ضد المليشيات الحوثية الإرهابية.
وكذلك قرر اجتماع مشترك بين الدكتور محمد جعفر بن الشيخ رئيس القيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، مع قدامى العسكريين والأمنيين، في المكلا، تشكيل لجنة لمتابعة استحقاقات العسكريين والأمنيين وزيادة مرتباتهم المتدنية.
كما اتفق الطرفان على التنسيق مع قيادات النخبة الحضرمية، لبحث سبل الدفاع عن المحافظة وحمايتها، وشدد ابن الشيخ على حرص المجلس العمل على انتزاع حقوق المتقاعدين العسكريين والأمنيين، وتفقد مشكلاتهم ومطالبهم، مؤكداً أهمية مواصلة الضغط على حكومة المناصفة للالتفات إلى مشكلات ومعاناة المتقاعدين العسكريين.
وكذلك فإن دبلوماسية الجنوب تستهدف التعامل مع الأطراف الإقليمية المعرقلة لحكومة المناصفة، تحديداً قطر وتركيا، إذ أن البلدين لديهما علاقات بأطراف داخل الحكومة محسوبة على تنظيم الإخوان وهي من تعمل على إجهاض محاولات إنجاح الحكومة، وهو ما يجعل التحركات تأخذ أبعاداً خارجية ترتبط بفضح الأطراف المعرقلة للاتفاق وفضح الأشخاص الذي يعملون على ترجمة تلك التوجهات على الأرض.
– رسالة الرئيس الزبيدي
الرئيس القائد عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وجه رسالة مهمة خلال حواره مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية، حيث عبّر عن إدانته لما تمارسه دولة إيران من تدخلات سافرة، مشدّدًا على أنّ هذه التدخلات السبب في تصعيد النزاع.
وقال الرئيس الزبيدي إنّ المجلس الانتقالي الجنوبي لن يفرط في حلفائه، مشيرا إلى قوة الشراكة مع دول التحالف العربي.
رسالة الرئيس القائد الزبيدي في هذا الصدد يُنظر إليها بأنّها تجديد للعهد من قِبل المجلس الانتقالي، بأنّ الجنوب سيظل طرفًا أصيلًا في المشروع القومي العربي الذي يقوده التحالف العربي في إطار العمل على محاربة المليشيات الحوثية، ذراع إيران، الساعية لغرس بذور الفوضى في المنطقة برمتها.
ومن هذا المنطلق فإن تأكيدات الجنوب لا تقتصر على تصريحات رسمية تطلقها القيادة الجنوبية، لكن ميادين القتال وكذا جبهات السياسة تشهد أيضًا على حجم الانخراط الجنوبي في إطار المشروع القومي العربي.
-تعمق القوات الجنوبية شمالا
فمن جانب، تبذل القوات المسلحة الجنوبية بطولات عظيمة في مواجهة المليشيات الحوثية، وتمكّنت على مدار الفترة الماضية من إنزال هزائم مدوية بهذا الفصيل المدعوم من إيران في مختلف الجبهات.
ويعود الفضل للقوات المسلحة الجنوبية في تحرير الكثير من المناطق من قبضة المليشيات الحوثية، في إطار جهودها العسكرية إلى جانب قوات التحالف العربي، وبالأخص القوات المسلحة الإماراتية، التي سطّر أبطالها أعظم الملاحم العسكرية والميدانية في إطار محاربة الحوثيين.
المثير للانتباه أنّ القوات المسلحة الجنوبية لم تحارب المليشيات الحوثية الإرهابية على أراضي الجنوب، لكنّها بذلت جهودًا ضخمة في محاربة هذه المليشيات المارقة في اليمن “الشمال”، وهو ما حمل برهانًا واضحًا ودليلًا على أنّ مواجهة الحوثيين هو مبدأ جنوبي لا تتم تجزئته بأي حالٍ من الأحوال.
في ميدان السياسة، كان الجنوب حليفًا موثوقًا فيه للتحالف العربي، ولا أدل على ذلك مما جرى في اتفاق الرياض الذي رعته المملكة العربية السعودية في العام قبل الماضي.
فقبل توقيع هذا الاتفاق في الخامس من نوفمبر عام 2019، أبدى المجلس الانتقالي تجاوبًا تامًا مع الجهود السعودية فيما يتعلق بالمحادثات التي جرت بمدينة جدة، وذلك بعدما حاول نظام الشرعية عرقلة هذه المحادثات، عملًا على عدم التوصّل إلى أي اتفاق.
– مشروع قومي عربي
ونُظر إلى التجاوب الشديد من قِبل المجلس الانتقالي بأنّه سبب رئيس فيما يتعلق بإنجاح المحادثات رغمًا عن نظام الشرعية المخترق إخوانيًّا، وبالتالي النجاح في إتمام توقيع اتفاق الرياض.
هذه السياسة التي اتبعها الانتقالي على مدار الفترات الماضية يمكن وصفها بـ”المخلِصة” للمشروع القومي العربي، سواء في محاربة الحوثيين في الجبهات أو تقدير جهود التحالف الرامية إلى تحقيق الاستقرار السياسي، وهذا كله برهن على أنّ الجنوب جزءٌ أصيلٌ من المشروع القومي العربي.