تقارير وتحليلات

رحل الرئيس العراقي وبقي اسمه..

ظل صدام حسين الثقيل لا يزال حاضراً بقوة في بغداد

حرص صدام على أن يكون اسمه متداولاً بكثرة فحملت أهم معالم بغداد اسمه

مصطفى سعدون (بغداد)

ظل يرمقني بنظرة استغراب لعدة ثوانٍ، ثم بعد ذلك انفجر بالضحك وقال لي: اصعد اصعد، أنعل أبو صدام لأبو بُرج صدام"، يروي الطالب الجامعي إسماعيل سعد حادثة حصلت معه عندما كان يطلب سيارة أجرة تقله إلى منطقة المنصور التي يقع فيها بُرج بغداد (برج صدام سابقاً).

إسماعيل الذي يسكن مدينة الحُرية حيث الوجود الشيعي طاغٍ، لم يكن يعرف أن اسم بُرج صدام، وسط العاصمة العراقية، قد حُوّل إلى بُرج بغداد، فهو كثيراً ما يسمع الناس يسمّونه باسم الرئيس العراقي الأسبق إذا أرادوا أن يُرشدوا أحدهم إلى مكان قريب منه.

يقول إسماعيل : "عندما احتلت القوات الأميركية العراق عام 2003 كان عمري تسع سنوات، وكُنت أذهب مع أهلي وأقاربي إلى بُرج صدام لالتقاط الصور قربه أو بداخله، وفي بعض الأحيان ندخل مطعمه، وبقي اسمه في ذاكرتي على اسم صدام".


برج بغداد (برج صدام سابقاً)

يُحاول إسماعيل تعويد نفسه على التسميات الجديدة، ويعتبر أن "هناك أخطاء تتحملها الحكومة العراقية، تحديداً أمانة العاصمة التي لم تضع بالقرب من المكان لافتة تحمل التسمية الجديدة، لذا ما زال الكثيرون يُسمّون البرج بالاسم الذي كان عليه قبل 2003".

صدام في كل مكان

أماكن ومؤسسات ومناطق كثيرة في العاصمة العراقية حملت اسم الرئيس العراقي الأسبق، منها مطار بغداد الدولي الذي كان اسمه مطار صدام الدولي، وبُرج بغداد الشهير الذي كان أيضاً باسم صدام، بالإضافة إلى حي صدام في منطقة السيدية ومدينة صدام التي تُسمى الآن مدينة الصدر، نسبة إلى والد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، محمد محمد صادق الصدر.

المتشفيات أيضاً حملت اسم الرئيس الأسبق، فمستشفى صدام تحوّل إلى مستشفى بغداد، وجامع صدام الكبير الذي كان يُفترض أن يكون أكبر جامع في الشرق الأوسط، توقف بناؤه بعد 2003 وسُمي باسم جامع الرحمن ويُديره حالياً حزب الفضيلة الإسلامية ويُعتبر مقراً أساسياً له.

أبناء الأجيال المولودة قبل السبعينيات من القرن الماضي أو في سبعينياته وثمانينياته وحتى تسعينياته، أغلبهم لا يزالون يُسمّون تلك الأماكن والمناطق بالتسميات القديمة. فهم عاشوا معها سنوات طويلة حتى رسخت في أذهانهم.

هناك مَن صحح لفظ أسماء هذه الأماكن وصار يُسمّيها بما سُميت به حديثاً، خاصة مدينة الصدر التي يغضب سُكانها بشدّة إذا ما سُميت بـ"مدينة الثورة" أو "مدينة صدام"، فصدّام ونظامه هما المتهمان بقتل الزعيم الديني الشيعي الذي اتخذت المنطقة من اسم أسرته اسماً لها، ما أثار حينها، عام 1999، انتفاضة استمرت نحو شهرين ونصف.

"ما زلنا نُسمّي أغلب الأماكن والمؤسسات التي كانت تحمل اسم صدام حسين باسمه، ليس عناداً بالوضع الحالي أو حُبّاً به، لكنها تسميات أخذت ألسنتنا عليها، وأنا أسمع أعداداً كبيرة من الناس الذين لم يغيّروا التسمية التي كانت سائدة قبل 2003"، يقول الإعلامي العراقي حسن نصار.

"عادة ما يشعر البعض بالاستغراب أو الغضب إذا ما سمع شخصاً يقول مثلاً بُرج صدام في المنصور أو شقق صدام في السيدية، ليس لأنه مقتنع بالتسميات الجديدة، بل لأنه يكره مَن سُميت هذه الأماكن باسمه سابقاً"، يضيف نصار.

كان صدام حسين يحرص على أن يكون اسمه متداولاً بكثرة بين العراقيين، لكنه في ذات الوقت لم يرد أن يُطلق على أي مكان أو أية مؤسسة، فراح يبحث عن أشياء فخمة وكبيرة مثل المستشفى والجامع الكبير والبُرج الذي كان يُرى من أغلب مناطق بغداد تقريباً، بالإضافة إلى وضع اسمه على أهم مدينة في بغداد شهدت وساهمت في تحولات سياسية في تاريخ العراق الحديث (مدينة الصدر حالياً).

يُعلل الباحث الاجتماعي سعيد كريم سبب استمرار تسمية بعض العراقيين للأماكن التي خضعت أسماءها للتغيير بالتسميات القديمة بما أسماه "أسبقية التسمية".

ويقول: "عادة ما يسير الناس على تسميات الأشياء والأماكن وفق أول تسمية أطلقت عليها، خاصة تلك التي لم تتغير تسميتها الأولى إلا بعد سنوات طويلة".

ويضيف أن "بعض العراقيين لو كان الأمر بيدهم للحّنوا اسم صدام من شدة الخوف الذي كان يعتريهم منه ومن نظامه، ولذلك حرصوا سابقاً على ذكر اسمه كثيراً في محاولة لإثبات الولاء"، يضيف كريم ويتابع: "ما يحدث الآن من استمرار التسميات لدى البعض سينتهي لكن ليس قريباً".

طابع شعبوي للتسميات الجديدة

وجد العراقيون أنفسهم بين ليلة وضحاها أمام تسميات جديدة أُطلقت على مؤسسات وأماكن باسم "رئيسهم" الأسبق. لم تُعلن التسميات الجديدة بشكل رسمي بل أخذت طابعاً جماهيرياً شعبوياً، ولم تُعلق لافتات إرشادية أو مرورية تحمل التسميات الجديدة على هذه الأماكن أو بالقرب منها.

ساحة الفردوس حيث كان يقع تمثال صدام الشهير الذي أعلن إسقاطه نهاية حكم نظام البعث في العراق، لا يُمكن أن تمرّ عبرها أو تستدل عليها بدون أن تذكر اسم صدام حسين. فرمزية التمثال معروفة لدى البغداديين وغير البغداديين أكثر من الساحة.


ساحة الفردوس

حاولنا في google maps أن نبحث عن "مدينة صدام"، فأشار مُحرك البحث إلى مدينة الصدر، وعندما بحثنا عن برج صدام، أخذنا إلى بُرج بغداد، وحين كتبنا "مستشفى صدام التعليمي"، ظهر لنا مستشفى بغداد التعليمي. حتى الجامع الذي سُمي بالرحمن بعد عام 2003 يُمكننا أن نجده بالبحث عن "جامع صدام الكبير".

العراقيون الذين غادروا البلاد إبّان حكم صدام حسين لها، كانوا يعرفون تلك الأماكن باسمه. وحتى لا تلتبس عليهم الأمور تحافظ الشركة العالمية على إمكانية البحث عن الأماكن باستخدام التسميتين السابقة والحالية.

عام 2007، وأثناء ذروة التوتر الطائفي بين شيعة العراق وسنّته، وقفت في مرآب الباب الشرقي وسط بغداد، ولأنني لم أزر مدينة الصدر قبل ذلك التاريخ أبداً، بحثت عن الباصات التي تصل إليها، لكنني لم أسأل عن المكان بالتسمية الجديدة، بل سألت عن "مدينة صدام"، ما أثار نظرات ريبة وضحك وسخرية سائقي الباصات.

عندما يسمعك الناس تطلق التسمية القديمة على بعض الأماكن سيقدمون إليك النصح ويعرفونك بما سُمّيت به حديثاً. فكثيرون لا تُرضيهم التسميات السابقة لأنها تُذكّرهم بفترة حكم صدام.

إسرائيل تعلن نجاح ضربات جوية ضد الحوثيين: تدمير موانئ ومنشآت حيوية (ترجمة)


اغتيالات 2024: إسرائيل تستهدف قادة حماس وحزب الله وتعيد تشكيل موازين القوى


هل إيران على أعتاب التغيير؟ قراءة في مقالة ليام فوكس حول النظام الإيراني والتداعيات الإقليمية


أنشطة نووية مشبوهة: الكشف عن دور منشأة "متفاض" في برنامج إيران النووي