تحليلات

بحضور ستة عشر قائدا عربيا وضيوف شرف أجانب..

حركة حمس.. هل تتحول إلى ناطق رسمي غير معلن في القمة العربية بالجزائر؟

إخوان الجزائر يطرحون رؤيتهم على القمة العربية

الجزائر

قالت حركة مجتمع السلم (حمس) أكبر حزب إسلامي جزائري إنها تقدمت بمذكرة للقمة العربية التي تستضيفها الجزائر وسط انقسامات وغياب قادة دول وازنة، دعت فيها العرب لفتح حوار مع كل من تركيا وإيران من أجل علاقات طبيعية وإلى التكامل بدلا من التنافس.

وتحاول الحركة الإسلامية المحسوبة على تيار جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في عدد من الدول العربية والخليجية من خلال تلك المذكرة، إثبات وجودها بينما تفكك مشروع الإخوان في المنطقة مع سقوط بدأ في مصر والسودان وانتهى في تونس والمغرب

وقرر مجلس وزراء الجامعة العربية جدول أعمال القمة العربية المنعقدة في الجزائر، إلا أن ذلك لم يمنع السلطات الجزائرية من تسريب موقفها من هذا الجدول عبر رسائل بعثتها “حركة مجتمع السلم” إلى القادة العرب المشاركين في القمة.

ومساء الثلاثاء، انطلقت أعمال القمة العربية تحت شعار “لم الشمل”، بحضور ستة عشر قائدا عربيا وضيوف شرف أجانب. وتنعقد القمة بعد انقطاع ثلاث سنوات، بسبب جائحة فايروس كورونا المستجدّ، حيث كانت الأخيرة عام 2019 بتونس.

وتحولت “حركة مجتمع السلم”، التي تعد أكبر الأحزاب الإخوانية في الجزائر، ونتاج الأزمة التي اندلعت في تسعينات القرن الماضي مع “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” التي قادها عباسي مدني، وتم قمعها في خضم أحداث “العشرية السوداء”، الآن إلى ناطق رسمي غير معلن يمثل الرؤية التي تريد الرئاسة الجزائرية تقديمها للقمة العربية، ولكن من دون أن تقولها مباشرة.

التخفي وراء حركة إخوانية، للتعبير عن المواقف الجزائرية الرسمية الحقيقية من جدول أعمال القمة، يمثل منحدرا جديدا للدبلوماسية الجزائرية

وعلى الرغم من أن الرئاسة الجزائرية على علم ويقين بالموقف الخليجي من مسألة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية العربية وما تمثله ميليشيات إيران من تهديدات للأمن الإقليمي، فقد تولت “حركة مجتمع السلم”، تقديم الدعوة إلى “الحوار والعلاقات الطبيعية مع مكونات الأمة الإسلامية وعلى رأسها إيران وتركيا، من أجل التكامل لا من أجل التنافس والصراع”، وذلك بحسب نص البيان الذي تلقاه القادة العرب. وقالت الحركة إن هذه الخطوة تأتي “ضمن رؤيةٍ حضاريةٍ من أجل الاستئناف الحضاري للأمة الإسلامية من جديد”.

ويقول مراقبون إن هذه الدعوة كان يمكن طرحها في قمة من قمم المؤتمر الإسلامي تعقد في طهران، وليس في قمة عربية تعقد في الجزائر، فالمسافة بين المصالح العربية، وبين العلاقات بينها وبين الدول الإسلامية شيء آخر. وعندما يتعلق الأمر بإيران وتركيا فإن المخاطر تغلب على المصالح. لأنهما يمثلان تهديدا أمنيا مباشرا، أحدهما يرسل الصواريخ والمسيرات لضرب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والثاني يرسل الجيوش والمرتزقة لكي يمارس احتلالا مكشوفا لليبيا.

وقدمت الحركة المعروفة أيضا باسم “حمس” تحية للنفس، بأن ثمنت “الدور الكبير الذي تقوم به الجزائر في سبيل إنجاح القمة العربية” ونددت بحملات “التشويش والتشويه التي تتعرض لها”. كما رحبت بسعي الرئاسة الجزائرية ليس فقط لـ”تحقيق لم الشمل العربي، والمصالحة والوحدة الفلسطينية، والتطلع إلى رؤية عربية موحدة، وإلى عملٍ عربي مشترك”، ولكنها وضعته “ضمن حتمية إعادة تشكيل نظامٍ دولي جديد، وعالم متعدد الأقطاب”. وهو ما يعني التجاوب مع تطلعات روسيا لبناء هذا النظام، بالضد من التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة للدفاع عن أوكرانيا.

ومن المعروف أن العلاقات الجزائرية الروسية، تعد حجر زاوية مهما بالنسبة إلى موسكو للتوسع في أفريقيا، وأن التحالف بينهما يتضمن تفاهمات أوسع نطاقا من التعاون العسكري والتنسيق الأمني المشترك، لتكون الجزائر بمثابة ركيزة لاستعادة النفوذ السوفييتي السابق في المنطقة، رغم أن هناك مخاوف متزايدة من قبل المشرعين الأميركيين من تداعيات التقارب الروسي – الجزائري، خاصة التعاون العسكري في خضم الجهود الغربية لعزل موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا.

وكان من الملفت أيضا أن تتوافق الدعوة إلى بناء نظام دولي جديد مع نص الرسالة التي بعثها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القمة، وقال فيها “إن العالم يشهد تغيرات سياسية واقتصادية هامة، يتزايد فيها تشكيل نظام العلاقات الدولية متعدد الأقطاب وهو مبني على مبادئ مساواة الحقوق والعدالة واحترام المصالح الشرعية المتبادلة”.

وأضاف “تلعب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي يبلغ عدد سكانها مجتمعة ما يقرب من نصف مليار نسمة، دورًا متزايد الأهمية في هذه العملية”. كما أعرب عن ثقته في أن الجهود المبذولة لتعزيز علاقات الشراكة بين روسيا والدول العربية “ستفي بمصالحنا المشتركة وتسهم في ضمان السلام والاستقرار في العالم”.

وشددت “حركة مجتمع السلم”، في منهاجها للقمة، على “ضرورة ضبط الموقف الموحد من القضية الفلسطينية المركزية، كقضية قومية وعقائدية، وتجريم كل صور وأشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، واعتباره العدو الحقيقي، والخطر الفعلي للأمة العربية”.

ويقول المراقبون إن هذه الدعوة تمثل مزيجا مألوفا من الدفاع النظري عن القضية الفلسطينية لأجل تحويلها إلى إدانات وهجمات صريحة على بعض الدول العربية التي قررت إقامة علاقات مع إسرائيل، على غرار ما هو قائم مع مصر والأردن.

والحركة التي بعثت برؤيتها لجدول أعمال القمة في مذكرة كتابية إلى الملوك والأمراء والرؤساء، قالت في بيان إنها “تضمنت رؤيتها في إنجاح القمة العربية، وفي إصلاح الجامعة العربية، وفي آفاقها المستقبلية، وضرورة التمسك بها كإطار جامع وفضاء مركزي بين الأمم، يمكن تحقيق أهدافه وفق المواثيق النظرية المنصوص عليها لصالح الدول العربية وشعوبها”.

ويرى المراقبون أن التخفي وراء حركة إخوانية، للتعبير عن المواقف الجزائرية الرسمية الحقيقية من جدول أعمال القمة، يمثل منحدرا جديدا للدبلوماسية الجزائرية. فاجتماع مجلس وزراء الجامعة الذي قرر جدول الأعمال، وحدد أطر المواقف العريضة من موضوعات القمة، ما كان بحاجة إلى بوق خارجي للتشويش على ما تم التوافق على صياغته.

ووكانت 'حمس' من بين ما يعرف بقوى الموالاة في عهد الرئيس الأسبق الراحل عبدالعزيز بوتفليقة وشكل تحالفها مع النظام سببا في انفراط عقد الإخوان في الجزائر قبل أن تقفز من سفينة النظام وهي على وشك الغرق، بينما تسعى حاليا للعودة إلى مركب الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون وكان هو ذاته جزء من نظام بوتفليقة.

وبدا واضحا أن الحركة الإسلامية الجزائرية تبحث عن كسر عزلتها محليا وعربيا من خلال دعوتها للحوار مع تركيا الحاضنة لجماعات الإسلام السياسي وإيران القوة الإقليمية التي تتهمها دول الخليج بمحاولة زعزعة أمن المنطقة.

ويسلط بيانها الذي حمل توقيع أمينها العام عبدالرزاق مقري، الضوء على محاولة الظهور مجددا ضمن الخارطة السياسية في الجزائر ومحاولة التسلل خارجيا عبر الإيحاء بوجود تواصل سياسي عربيا ، بينما تشير الوقائع على الأرض إلى أداء ضعيف محليا وعزلة خارجية إقليميا.

ويخوض إسلاميو الجزائر معركة إعادة التموقع مثقلين بإرث العشرية السوداء في تسعينات القرن الماضي والتي اختبر فيها الجزائريون نهج العنف الدموي للإخوان كأحد الأساليب لانتزاع السلطة.

وقالت 'حمس' في بيانها الثلاثاء الذي صدر مع انطلاق أشغال القمة العربية في العاصمة الجزائرية، إن المذكرة التي تقدمت بها للقمة والتي تضمنت الدعوة للحوار مع تركيا وإيران والعمل على ترسيخ التكامل معهما قد تكون خطوة "ضمن رؤية حضارية من أجل الاستئناف الحضاري للأمة الإسلامية من جديد".

لماذا تراهن السعودية على الإدماج الفكري لبناء أمن مستدام في دول الساحل؟


برنامج سعودي–إسلامي في نيامي يعزز جهود مكافحة التطرف في الساحل الإفريقي


من المناخ إلى الأمن المائي: عدن تفتح نقاشًا علميًا حول مستقبل الاستدامة


حين تُلغى السيادة عن الدول الجارة.. عبدالرحمن الراشد يحاكم «الجنوب» بجرم الجغرافيا (وجهة نظر)